حينما خرج ملايين المصريين فى 25 يناير 2011 ونادوا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، تصوروا أن حكومات ما بعد الثورة ستجيئ لتحقيق هذه الآمال العريضة، خاصة بعد إسقاط نظام الاستبداد والفساد والتبعية. تصوروا أن حكومات ما بعد الثورة ستبدأ فى دراسة الوضع الاقتصادى الصعب والأزمات فى كل المجالات نتيجة لسياسات نظام المخلوع، التى أدت إلى تجريف البلاد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا. وأن هذه الحكومات ستبدأ فى وضع سياسات وخطط شاملة لبناء البلاد ضمن جدول زمنى طويل يتضمن الخطوات العاجلة والخطوات البعيدة لحل أزمات الغذاء والسكن والصحة والتعليم وخدمات المرافق فى الطرق والمياه والكهرباء والصرف الصحى. ولكن للأسف جاءت هذه الحكومات وكل وزير فيها يعمل وحده وفق خبراته التى قد تصيب أو تخفق. وكان فى معظم الأحوال البطء والتراخى وعدم توافر الإرادة السياسية لاتخاذ القرارات، وعدم توافر الخبرات، سببا فى فشل هذه الحكومات واحدة تلو الأخرى، ما عدا بروز وزير هنا أو هناك حاول أن يضع خططا ولكنه لم يحقق شيئا ضمن منظومة حكومية تعمل بالقطعة وتعمل كرد فعل لكارثة تقع هنا أو هناك. ومع تعامل كل الحكومات التى أعقبت ثورتى يناير ويونيو على أنها حكومات انتقالية لم يتم وضع خطة شاملة وتخطيط شامل لسنوات قادمة يتحقق منها ما يتحقق، ويتم استكماله عبر الحكومات المتتالية. لم نجد مثلا خطة متكاملة للقضاء على الأمية فى وقت محدد وجهد محدد وتمويل محدد. لم نجد مثلا خطة متكاملة للعملية التعليمية فى مراحل التعليم المختلفة من الحضانة حتى الجامعة تشمل وضع خطة تصل إلى عشرين عاما مثلما يحدث فى كل الدول المتقدمة منذ ولادة الطفل وحتى تخرجه، شاملة ماهية مناهج التعليم التى تركز على تنمية المعرفة والانتماء وتنمية المهارات التعليمية والقدرات المختلفة. خطة تشتمل على تطوير وصيانة الأبنية التعليمية وزيادتها وفقا للاحتياجات. ومع خطة التعليم يكون هناك خطة موازية من وزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة بمشاركة المجتمع المدنى الباحث والمشارك فى مجالات الطفل والمرأة وذوى الإعاقة وكل المجالات المتصلة بالعملية التعليمية وبالفئات الأكثر احتياجا. وأن تكون هذه الخطط ضمن منظومة شاملة للتعليم والتنوير والتثقيف فى مواجهة منظومة الأفكار المتطرفة المتشددة والتى هى بيئة خصبة للإرهاب. لم نجد خطة تنموية شاملة فى مجالات الاقتصاد مثل الزراعة والصناعة والتجارة تهدف إلى تشغيل ملايين العاطلين للقضاء على البطالة، وتهدف إلى تنمية القطاع العام والحفاظ على أصوله وعمل وزارة خاصة به تعيد فتح الشركات والمصانع المغلقة وضخ استثمارات بها لتعود للعمل بكل طاقتها وتشمل عودة العمال المفصولين إلى المصانع التى بيعت فى زمن الخصخصة اللعين وتم رجوعها بحكم قضائى نهائى. خطة تعتمد على الموارد المصرية أولا دون مد اليد للقروض المشروطة من صندوق النقد الدولى. خطة تشمل تنمية المناطق الفقيرة وتنمية وتعمير المحافظات الحدودية للقضاء على الفقر والذى هو بيئة خصبة للإرهاب. نريد خطة متكاملة للاكتفاء الذاتى الغذائى أولا ثم فائض للتصدير، فأساس استقلال الإرادة الوطنية وعدم التبعية هو التنمية الإنتاجية الشاملة. هذه بعض الأمثلة التى نؤكد بها أننا نريد حكومة تضع رؤية شاملة قصيرة وبعيدة المدى، رؤية استرتيجية وتكتيكية، منحازة للشعب، فنحن لا نريد حكومة تعمل بالقطعة أو باليومية.