"انتبه من فضلك" فأمامك طوابير حاشدة من الجماهير تقف أمام شباك التذاكر في انتظار دورهم لحجز تذكرة الدخول."انتظر من فضلك" لا تترك مكانك وتذهب بلا عودة، فإن الكثير سيفوتك إذا ضيعت فرصة مشاهدتك لهذا الفيلم. "اترك ما شاهدته للنجمين سابقاً من عقلك قبل الدخول" وتأكد أنك سترى نجوماً اقتربوا من العالمية خصوصاً "شريف الكردي" الذي ستتعرف علي عبقريته في السطور القادمة. "الفيل الأزرق".. عزيزي المشاهد أنت تقف أمام حالة سينمائية مختلفة وفريدة من نوعها، استطاعت أن تحصل على أعلى الدرجات ضمن تقييم ال "IMDB"، وهي السابقة التي تصنف الفيلم كواحد من أهم الأفلام المصرية التي أنتجت في الألفية الجديدة على مستوى العالم. الإبهار هو العنصر الذي يلاحقك في كل مشهد لهذا الفيلم، بداية من الحدوتة المختلفة التي تحمل ألغازا تحاول درجة استيعابك فكها، وكلما حاولت أن تري باقة نور ترشدك إليها تجد نفسك عند النقطة "صفر"، مروراً بالأداء الراقي والمميز لجميع من شاركوا بالتمثيل في هذا العمل، كل ذلك يوازيه كفوف أخرى في الميزان بين الإبداع الموسيقي للمميز دائماً هشام نزيه، والإخراج العالمي ل مروان حامد. "الفيل الأزرق" هو عمل يستطيع كل مشاهد الخروج منه بتفاصيل وطريقة سرد خاصة للأحداث تتعلق به، فالعمل يجبرك على التركيز الشديد والغوص في أعماق الشخوص المقدمة، في محاولة لتقديم تفسير لها وفك ألغازها وغموضها، لكن الخط الواضح للأحداث يؤكد في الأغلب أنك تقف أمام حالات نفسية مرضية مختلفة حتى أن أصحابها ذاتهم هم من يقومون بعلاج هؤلاء المرضي لكن كل ذلك من الممكن استشعاره بشكل غير مباشر خلال الأحداث. وليس هذا فقط، بل إن حالة "الشخص الآخر" قد يعيش فيها كل منا بداخله، فالبعض يصل إليها بشكل مباشر، وآخرى قد تدفعه ظروف معينة للدخول فيها مثل أن يأخذ "حبوب الفيل الأزرق" التي تجعل العقل والوعي يعيش في عالم آخر، أو حتي عن طريق "تاتو" الذي قد يحمل معه أذي للشخص الذي قام به حيث قدر له أن يكون أسيراً لسحر و"عمل سفلي" يقلب حياته رأساً على عقب. ال "ماستر سين" في هذا الفيلم "لا تعد ولا تحصي"، ولعل جميعها انصب بشكل أكبر نحو "شريف الكردي" أو خالد الصاوي الطبيب النفسي الذي يقتل زوجته "بسمة" عقب السحر الذي ضرب به نتيجة ل "التاتو" الذي قام برسمه، فالشخصية تحمل صعوبات كثيرة لعل أهمها "النقلات" بين شخصية وآخرى خلال المشهد الواحد، خصوصاً عند تجسديه ل شخصية "نائل" الجني الذي مسه، وما يحمله معها من انفعالات بحركات الجسد كالعينين واليديين. تتعجب هنا من قدرة خالد الصاوي، الفنان المفعم بالتمثيل وكيفية تلونه بنبرات صوت معين في حديثه، وجمعه بين عنصري القوة والضعف، وحالات الإعياء التي كانت تبدو عليه بعد أن يحضر "نائل" بداخله، ومحاولاته التغلب على الأمر بوضع يده في فمه ل "القىء" أو طلبه للملح الكثير في الطعام لتخفيف من آثار "المس للجن" عليه. ورغم أن دور "المأمون" الذي قدمه الصاوي، وجسده في الحلم الذي يفك شفرة أحداث العمل جميعها لم يكن بالكبير إلا أنه نجح من خلاله في رسم ملامح لشخصية هذا الرجل الذي جاء من زمن بعيد، سواء بأدائه خلال المشهد الذي جمعه بعلاقته بزوجته أو شكله الذي يعود لهذا الزمن البعيد، ليكون بذلك خالد الصاوي هو رجل المهام الصعبة صاحب القدرة على الانتقال والتعايش من شخصية إلى آخري في عمل واحد، ولعل هذا قد ظهر جلياً هذا العام من خلال التركيبات المختلفة التي قدمها في مسلسله "تفاحة آدم"، ومؤخراً بثلاث شخصيات في الفيل الأزرق. يجدد "يحيي" أو كريم عبد العزيز انطلاقته السينمائية من جديد، النجم الذي عرف عنه أنه صاحب الوسامة والأدوار الباسمة حتى رغم ما تحمله بعض أدواره من أحداث مؤلمة، لكن هذه المرة يعود حاملاً اكتشافاً جديداً لنفسه التي حصرها بعض المخرجين بأدوار متواضعة، يؤكد على موهبة قادرة على تجسيد الأدوار الصعبة المركبة، صحيح أنها لا تخلو من ابتسامة الموقف "اللهم" في القليل لكنها جاءت جميعاً في صالح العمل. تحمل شخصية "يحيي" ملامح تمزج بين أوجاع طبيب فقد زوجته وابنته على آثر حادث سيارة كان هو يقودها، وبين محاولة انطلاقه وهروبه بواقع مغيب يعيش من خلاله في الأوهام العقلية يرفض فيها واقعه، يلجأ لذلك بعدة طرق كشرب الخمر، أو لجوئه فيما بعد إلى قرص "الفيل الأزرق" الذي يمثل خروج الشخص من الواقع وانطلاقه لمرحلة الهلاوس في الخيال. ووسط كل هذا يحاصره واقع تأنيب ضميره بصورة "الكلب الأسود" الذي يجري أمامه بين الحين والآخر في إشارة غير مباشرة لواقعة حادثة زوجته التي كان سبباً فيها، إضافة إلى تجدد أحلامه مع "لبني" أو نيللي كريم شقيقة "شريف الكردي" الذي رفض تزويجها منذ سنوات طويلة. تظهر مباراة تمثيلية أشبه ب "الحرب النفسية" في المشاهد التي تجمع نجما العمل كريم عبد العزيز، وخالد الصاوي، فكلاً منهم يستطيع خطف عين المشاهد بدوره، يبهره بتطوره في الأداء التمثيلي، يبرز كيمياء وصناعة نجومية تشاركا فيها معاً بداية من الأدوار البسيطة السلسلة كالباشا تلميذ، مروراً ب "أبو علي"، ووصولاً إلى "الفيل الأزرق" الذي يمثل نضجاً فنياً للنجمان. تقف نيللي كريم في منطقة وسط في هذا العمل بشخصية "لبني" التي تقدمها، حيث أن النجمة أصبحت بارعة في تجسيد الشخصيات المتحولة والأكثر صعوبة كما رأيناها في رمضان الماضي بشخصياتها في مسلسلات "سجن النسا"، و"سرايا عابدين"، ولعل هذا بسبب طبيعة دورها الذي تقدمه حيث أن التركيز الأكبر على البطلين "يحيي"، و"شريف". وإن كانت النجمة نيللي كريم نجحت في خطف الأنظار في بعض المشاهد بأدائها أمام كريم عبد العزيز والذي أظهرها مرتبكة في بعض الحديث، ومحركة لمشاعر المشاهد الذي قد يشعر أن هناك سراً ما لديها تخفيه أو أنها تعاني اضطراباً نفسياً من زوجها برجل يكبرها سناً لتتجدد مشاعرها من جديد عند رؤيته لحبيها القديم "يحيي". ويظهر ذلك في حرفية نيللي كريم التي أصبحت متمكنة منها في تقديمها للأدوار بلغة الجسد مرتكزة تحديداً على عينيها التي تصف وتعبر كثيراً عن الحديث. يرفع الجمهور القبعة من جديد ل هشام نزيه، ليكون هو نجم الموسيقي للعام الحالي، فبعد نجاحه وتألقه في تقديم موسيقي "الحاضرة" والأغاني الصوفية ضمن مسلسله "السبع وصايا"، يطل علينا بموسيقاه في "الفيل الأزرق" والتي تحمل صعوبة أكبر وتنم على وعي موسيقي للفنان، الذي يحاول أن يكون مختلفاً ومتجدداً في كل لحن موسيقي يقدمه على مشهد بعينه. ولعل "الفيل الأزرق" هو نقطة تحول جديدة في مشوار نزيه الموسيقي، يؤكد على موهبة بدأت بألحان مميزة لعدد من الأعمال الهامة في الألفية الجديدة منها "السلم والثعبان" و"تيتو"، منتقلاً بموسيقي هذا الفيلم إلى العالمية التي تجعل الأذن تتعلق بما تسمعه من لحن يجبرها على التركيز في مشاهد الأحداث دون انقطاع. التفوق الأكبر والاختبار الجاد كان للمخرج مروان حامد، الذي لم يحرق نفسه مثل غيره من المخرجين لمجرد الوجود بالتواجد فقط بل إنه كان حريصاً في هذا العمل على التحدي ووضع خبرته التي بدأت مع الألفية الجديدة. ينجح مروان في خلق صورة بجودة عالية بمساعدة مديرين تصوير محترفين، تجعلك تسرح بالأفق في الخيال، وينقلك ثانية إلى الواقع كل ذلك بحركة كاميرا سريعة وخاطفة للبصر، ولعلها كانت الصعوبة الأكبر ل حامد وفريق عمله في إخراج مشهد الحلم للمأمون، والذي يفسر الأحداث جميعها في النهاية، وما تميز به من جهد في نسج الخيال في الحلم في صورة نراها لأول مرة على شاشة مصرية تجعلنا نحتفي بعمل من المؤكد أنه سينافس للعالمية وسيكون شريكاً هاماً لكثير من المهرجانات الدولية. النجاح الحقيقي الذي حققه "الفيل الأزرق" ليس في مسألة رفع شعار "كامل العدد" ولكن في جذبه للجماهير بشكل كبير رغم أن الأغلب يعلم أنه العمل ليس كوميدياً أو يحمل دراما اجتماعية معتادة، وإن كان العمل يساهم بشكل مباشر في تغيير ثقافة وذوق متابعى ومشاهدي أفلام الأعياد بنسبة النصف على الأقل، خصوصاً موسم عيد الفطر الذى اعتادت أفلامه أن تكون من تيمة "العشوائيات، والبلطجة، والرقص". مشروع "الفيل الأزرق" سيفتح أمامه أبوابا كثيرة لنوعية خاصة من الأعمال ذات الإنتاج الضخم، من المؤكد أنها ستحدث طفرة في صناعة السينما في السنوات المقبلة.