تزعم هيئة قضايا الدولة انه بإسناد اختصاص مراجعة وصياغة التشريعات لقسم التشريع بمجلس الدولة ما يعد اخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات، وافتئاتا من السلطة القضائية ممثلة في مجلس الدولة على اعمال السلطة التشريعية، ظنا منهم ان هذا القول سيتنطلي على اعضاء لجنة الخمسين لاسيما القانونيين منهم ، ونحن نعلم ان باعث هيئة قضايا الدولة لاثارة هذه المسألة هو تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات، ونحن على ثقة تامة من هذه النوايا !! ومن أجل ذلك، نورد وجهة نظر اخرى، قد تختلف قليلا مع رؤية السادة الزملاء في هيئة قضايا الدولة، ونوضح للرأى العام الآتى: تختص الحكومة بموجب الدستور، من بين اختصاصات عديدة، باقتراح القوانين وتعديلاتها. وممارسة هذا الاختصاص الدستوري يستلزم التخصص في علم القانون، وعادة ما تقوم وزارة العدل في كل دولة بهذه المهمة نيابة عن الحكومة، وبالتالي فوجود ادارة متخصصة للتشريع بوزارة العدل تقوم بصياغة القوانين وتعديلاتها بالتنسيق مع الوزارات المختلفة يجد سنده في اصل مهام الحكومة في الدستور. وتحتاج كل من السلطة التنفيذية او التشريعية لمن يلقي نظرة تالية على التشريعات التي تقترحها من شخص محايد، لا يتبعهما من الناحية الادارية، ولا تملك التأثير فيه، فينبهّما الى مواطن الخطأ حال وجودها، او شبهات عدم الدستورية حال قيامها، ولهما في النهاية الحرية الكاملة في تقرير ما يريانه، ويتحمل كل مهام مسئوليته امام البرلمان والشعب. والمهم من الناحية الدستورية ان يكون تحت بصرها النصيحة الأمينة المخلصة، والقرار في النهاية لها تبعا لمبدأ تلازم السلطة والمسئولية. لهذا لا نجد أدنى تعارض بين وجود إدارة التشريع بوزارة العدل، وقسم التشريع بمجلس الدولة، فعملهما متكاملان، وليس هناك تعارض، وبالتالي لا اخلال بمبدأ الفصل بين السلطات، فإذا كانت الدولة تريد تشريعات تحقق المصلحة العامة الحقيقية دون اغراض او اهداف خفية. وعليه فإن رقابة قسم التشريع للقوانين ضمانة للافراد والحكومة على السواء. اخذا في الاعتبار ان الرأى الصادر من قسم التشريع هو رأى استشاري، واجب الحكومة والسلطة التشريعية هو مجرد اخذ الاستشارة،ولكليهما بعد ذلك الحرية الكاملة في سن التشريع لانها (اي السلطة التنفيذية) تتحمل المسئولية امام البرلمان فلها حرية الاخذ بما ينتهي اليه قسم التشريع، ويتحمل البرلمان المسئولية السياسية امام الشعب.لكن اذا ثبت فيما بعد ان قسم التشريع كان على صواب، فإن هذا يعني انهما قد خالفا صحيح حكم القانون. ولتأصيل المسألة نوضح انه يوجد ثلاثة انواع من طلبات الرأى التي تحتاجها الجهات ينظمها القانون اولا: طلب رأي وجوبي : تلتزم الحكومة باستطلاع الراي في مسألة ما وتنفيذه ما ينتهى اليه الرأى، مثل اخذ رأى مجلس الدولة الفرنسي قبل حل النقابات، فرأى مجلس الدولة الفرنسي واجب التنفيذ بنص القانون، وكذلك في مصر في اعفاء المتعاقد من غرامة التأخير الذي لا يكون الا بعد موافقة ادارة الفتوى المختصة. وثانيا: طلب رأى استشاري : تلتزم فيه الحكومة او الجهة بأخذ الرأى ولها حرية تنفيذه من عدمه ، لكنها ان خالفت الرأى فيكون ذلك تحت مسئوليتها السياسية والقانونية ، مثل معظم طلبات الرأى التي تقدم الى قسم الفتوى بمجلس الدولة من الوزارات ووحدات الحكم المحلي، والراي الصادر من قسم التشريع في صياغة مشروعات القوانين والقرارات اللائحية. وثالثا: تكون لكل الحرية في طلبه ولك الحرية في تنفيذه. وكلما كانت الدولة متمسكة بأحكام القانون، فإنها ستكون حريصة على تنفيذ ما يصدر من جهة الافتاء المحايده وستعمل على تنفيذ هذه الآراء بأنواعها الثلاثة لانها لا تصدر الا تطبيقا للقانون، اي ان القيمة القانونية في الدولة القانونية لهذه الانواع الثلاثة واحدة.