إذا صرخ محافظ أى اقليم، مطالبا الحكومة باعتماد اللامركزية كفلسفة إدارية وسياسية واقتصادية لمواجهة مشاكل التنمية في محافظته، وإذا شدد علي أهمية تفويض الوزراء للمحافظين في إدارة شئون المحافظة مالياً وإدارياً بمعني توزيع السلطات بين الحكومة المركزية وغيرها من الوحدات الإدارية والفرعية والهيئات الإقليمية والمحلية، فاعلم أنه متعثر لدرجة يصعب معها الانجاز الذي يأمله أو كان، بعد ان وقف علي طبيعة التحديات المزمنة وأدرك أنه لا حل لها إلا بتفتيت السلطة -إن جاز التعبير- وإعادة توزيعها، وتمكين المجتمعات المحلية من صنع قراراتها الخاصة بالانفاق في ظل محددات تضعها الحكومة المركزية فيما يتعلق بالخدمات العامة الأساسية ذات البعد المحلي. شىء من هذا القبيل صادفني حين التقيت المهندس محمد عبد الظاهر -محافظ القليوبية- قبل نحو شهر تقريباً بمكتبه بشبرا الخيمة، إذ كان موضوع اللامركزية قد فرض نفسه علي طاولة اللقاء ، ليس لأن عبد الظاهر محافظ لإقليم القليوبية فقط ، بل لأنه - وهو الأهم - كان يشغل منصب الأمين العام للحكم المحلي لسنوات، من هنا فإن صاحب الخبرات الطويلة حين يتحدث عن الإدارة المحلية أو الحكم المحلي في مصر، فعلينا ان ننصت إليه وننتبه لما يحذّر منه، وهو أنه لا حل لمشاكل المحافظات من بني تحتية وصرف صحي إلي إزالة التعديات علي الأراضي الزراعية وتوصيل مياه الشرب النقية إلى كافة ربوع المحافظة مرورا بوضع حلول عاجلة لملفات التسرب من التعليم ومحو الأمية وما شابه، إلا بانتهاج اللامركزية كفلسفة للحكم المحلي، خاصة وأنه يؤمن بأن الاكتفاء بمغازلة اللامركزية عن بعد مع كل تشكيل حكومي جديد بعبارة «تفويض المحافظين» دون أن تتقدم هذه العلاقة خطوة واحدة فتثمر عن خروج مولود اللامركزية المنتظر لإنتاج سلطات إدارية و مالية تمنح المحافظ وجهازه الشعبي ما يحتاجانه من سلطات تسمح بمواجهة الخلل وتعين علي حسن إدارة شئون المحافظة، فإن كل ذلك يعد مضيعة للوقت، بما يجعل التنمية في المحافظات وحتي اشعار آخر محلك سر!! إذا كانت الحكمة من اللامركزية تتلخص في تحويل المحافظات إلي وحدات إنتاجية بعيدة عن الروتين والبيروقراطية التي تسيطر علي الحكومة المركزية، وإذا كانت اللامركزية قد اكتسبت قوة دفع جديدة ومحاولات لتدعيمها ولو علي الورق فقط،علي خلفية التعديلات الدستورية في 2007 ، إلا أنه لا يمكن إنكار أن هذه المحاولات قد ارتبطت بشخصية المحافظ أي بالجوانب الشخصية وليس بالاعتبارات المؤسسية او القانونية، حيث إن المحافظ الذي يمتلك الجرأة ويتحرر من الروتين والمعوقات البيروقراطية كان يستطيع النهوض بمحافظته، ولنا في عادل لبيب وعبد السلام المحجوب محافظا قنا والإسكندرية في السابق خير دليل علي ذلك. لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن تنمية أو تحول ديمقراطي حقيقي أو اقتصاد السوق دون أن يكون للامركزية مقعد حقيقي في منظومة حكومات ما بعد 25 يناير و30 يونيه، وليس أدل علي ذلك من فشل سياسات الحكم المحلي في ظل اعتماد المركزية كمنهج أو فلسفة خلال الثلاثين سنة السابقة للثورتين الأخيرتين بما ترتب عليه عدم استمرار التنمية، والتفاوت بين المناطق وبعضها البعض من حيث العائد، بما ضمن وبامتياز عدم العدالة في توزيع ثمار التنمية!! اللامركزية باتت ضرورة حتمية بحسب خبراء المحليات وأساتذة العلوم السياسية، فالمشاكل المحلية تختلف من منطقة إلي أخري، كما أن أهل المحافظة أو المدن هم أدري بمشكلاتها، والأقدر علي ترتيب أولوياتهم وعلي إدارة هذه الأولويات، ووضع الحلول المتوفرة لها بل والأقدر علي توظيف الموارد المالية المتاحة لهم بما يحقق الاستقرار السياسي. إقرار اللامركزية وتمكين المجتمعات المحلية من إدارة شئونها بنفسها وانفصالها مالياً وإدارياً عن الحكومة للارتقاء بمستوي الخدمات المقدمة للمواطنين لا يحتاج -في تقديري- سوي لشيء واحد اسمه الإرادة السياسية، فإذا سألتني:هل تتوافر قناعات التحول والارتقاء والتنمية والإصلاح السياسي في عقل حكومة الببلاوي؟ أقول لك: أشك .. مع خالص العزاء لأمنيات المهندس محمد عبد الظاهر محافظ القليوبية!!