تهتم الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والشعبية هذه الأيام بمناقشة قانون جديد لنظام الإدارة المحلية بهدف تطبيق .اللامركزية. بما يعني نقل السلطات إلي المستوي المحلي من المستوي المركزي مع منح المستويات المحلية قدرات وسلطات لإدارة الموارد المالية المتاحة وتحديد الأهداف الخدمية العامة والتخطيط اللازم لها وتنفيذها ويتم ذلك من خلال ثلاثة محاور .سياسي ومالي وإداري. كدعائم للامركزية في حين يقوم المستوي المركزي بعملية التخطيط وتحديد الأهداف الاستراتيجية العامة للدولة، مما ينتج عنه علاقات مؤسسية مستحدثة وجديدة في كيفية إدارة الخدمات العامة بين المستويات الحكومية المختلفة حتي تتمكن المجالس المحلية من مساءلة الأجهزة التنفيذية في المحليات لإحداث توازن بين السلطة والمسئولية. ويؤكد الجميع أن الانتقال إلي اللامركزية لا يأتي دفعة واحدة فمصر من البلاد الضاربة في جذور المركزية والبيروقراطية منذ القدم وهذا يعني أن الأمور التطبيقية لن تسير بسهولة ودون مقارمة وفقا للمخططات النظرية ولا أحد يستطيع أن يضع تصوراً لقبول المجتمعات المختلفة في المحافظات لها. ولقد قامت وزارة التنمية المحلية بتطبيق اللامركزية في بعض المجالات مثل الصحة والتعليم في محافظة الإسكندرية والتعليم في محافظات الفيوم والإسماعيلية والأقصر بالإضافة إلي بعض المشروعات العملاقة أمثال توشكي وشرق العوينات والمنطقة الصناعية الكبري في بورسعيد والسويس وسيناء وغيرها ولوحظ أن إدارة هذه المشروعات الضخمة يتتطلب أنظمة إدارية متقدمة حتي يتم تحويل المحافظة إلي وحدة اقتصادية وتنموية مستقلة. وقد سبقت هذه التجربة نجاح لا مركزية المرافق في هيئات كبري مثل هيئة قناة السويس والهيئة العامة للبترول وغيرها. وينص الدستور علي أن المحليات هي الركن الثالث ضمن أركان السلطة التنفيذية الأربعة وهي رئيس الجمهورية والحكومة والإدارة المحلية والمجالس القومية المتخصصة. ويقسم الدستور الجمهورية إلي وحدات إدارية تتمتع كل منها بشخصية اعتبارية تشمل المحافظات والمدن والقري، كما ينص علي أن يكفل القانون دعم اللامركزية وينظم وسائل تمكن الوحدات الإدارية من توفير المرافق والخدمات المحلية والنهوض بها وحسن إداراتها علي أن تشكل المجالس الشعبية علي كل مستوي إداري بالانتخاب المباشر حتي يتسني لها المراقبة والمحاسبة. ولقد اسفرت المناقشات الواسعة للمجتمع عن توافق كامل بين الاحزاب والقوي السياسية المصرية علي أهمية اللامركزية وذلك ضمن المشروع الوطني لتحديث مصر الدولة وترسيخ مؤسساتها وذلك ما اكدته برامج الاحزاب ومنها الحزب الحاكم بما يدعم اللامركزية في ادائها واعطاء الوحدات المحلية دوراً أكبر في إدارة المرافق والخدمات واعطاء السلطة المحلية الشعبية دوراً آخر في تنفيذ السياسة الرقابية والمساءلة فهي إذن ضرورة تنموية وسياسية وتعبير عن الديمقراطية والمشاركة المجتمعية علي مستوي القاعدة المحلي. واللامركزية ترفع كفاءة إدارة الدولة وتحسن مستوي الخدمات بها وتخلق فرصا للعمل وتدرب الكوادر السياسية والتنفيذية وتؤهلها للقيام بعملها بكفاءة وأصبح التوسع في اللامركزية ضرورة ملحة لاقتحام مشكلات الشعب الحقيقية وتحقيق احتياجاته وآماله في التقدم والتنمية. وتشترك مع المجالس المحلية الشعبية المجالس النيابية والرقابة القضائية وأجهزة الرقابة المتخصصة في احكام الدور الرقابي علي أعمال الجهاز الإداري للدولة. نخلص من كل هذا أن اللامركزية أصبحت ضرورة حتمية وقادمة لا محالة بل وبدأت بالفعل فهي الأمل في تحقيق تطلعات المجتمع في بناء مستقبله الطموح والنهوض به غير أننا نصطدم بعد ذلك بواقع الحياة السياسية، فالسلطة التنفيذية أقوي من التشريعية ودور رئيس الدولة يطغي علي دور الحكومة والعواصم تأخذ اهتماماً وميزانيات أكبر من باقي المحافظات. ويمثل المحافظ اللامركزي والمجلس المحلي الشعبي جناحي اللامركزية، فبهما تصل اللامركزية إلي أهدافها ولكننا نتساءل هل النظام السياسي يفرز لنا المحافظ السياسي اللامركزي وهل الانتخابات المحلية الأسرية القبلية بطريقتها الحالية تفرز لنا مجالس شعبية واعية مدركة تفهم وتشارك في التخطيط والمتابعة والرقابة والمساءلة؟ فمنصب المحافظ اللامركزي الذي يمثل رئيس الدولة في محافظته يجب أن يكون بالانتخاب الحر المباشر وفق معايير عامة وأخري خاصة ترتبط بطبيعة المحافظة فالتي علي الحدود والساحلية غير محافظة الريف أو الحضر وهذه المواصفات تحددها جهات اختصاص علمية كالمجالس القومية المتخصصة بالتعاون مع مجلسي الشوري والشعب فالمنصب لا يجب أن يشغله الا شخصية عامة وطنية، مستنيرة، مثقفة، سياسية متمرسة في العمل السياسي، لديه القدرة علي الاستماع والإقناع، يتمتع بمواصفات خاصة تمكنه من اتخاذ القرارات الحاسمة في المواقف المناسبة لا يعترف بالروتين والبيروقراطية، يحترم الرأي والرأي الآخر، عادلا، يرجح المصلحة العامة علي الخاصة، ينأي عن احاطة نفسه بشلة تعزله عن مواطنيه مقابل قضاء مصالحهم الخاصة علي أن يتم اختيار الجهاز التنفيذي المعاون .علي شكل حكومة لا مركزية. من صفوة العلماء والخبراء والدارسين في شتي المجالات الخدمية .التعليم- الصحة- الثقافة- الأمن والإطفاء- المياه والصرف الصحي- الطرق والمواصلات والمواقف والمرور- الزراعة- الصناعة- التجارة- الري والترع والجسور والانفاق- النظافة والحدائق والبيئة-.. الخ. حتي تساعد المسئول في القيام بعمله علي خير وجه ليحول محافظته إلي خلية إنتاجية يشارك فيها المواطنون رجالاً ونساء وشبابا بمقترحاتهم وأفكارهم ليتمكن المحافظ من توزيع الاعتمادات المخصصة لجميع مستويات الإدارة المحلية وإعداد الخطط المناسبة للتنمية بطرقية مدروسة وعادلة وأصبح ضروريا اعادة تقييم شامل وعادل للمحافظين الحاليين ومراعاة المعايير العلمية في الاختيارات المستقبلية مع اعداد وتأهيل جيل جديد من الشباب لحمل الامانة في المستقبل القريب مع ادراج لقب المهندس المحافظ بجوار اللواء والمستشار، حيث إن الإدارة الهندسية في المحليات تقوم بأهم الأدوار وإذا احسنت انعكس ذلك علي الشارع فكان الجمال المعماري والمتانة الانشائية والنظافة والحدائق وان ساءت شاع القبح في المباني وانهارت المساكن علي ساكنيها. لذا فإنه أصبح من الضروري أيضاً إعادة هيكلة الإدارات الهندسية مع تقدير المهندسين والفنيين بها ماديا حتي لا يقعون فريسة الرشوة والمحسوبية وحتي لا ندمر ما نقوم بإصلاحه اليوم بأيدينا غدا جهلا وعمدا. واختتم مقالتي بالمطالبة بإعادة النظر في المجالس المحلية الشعبية وطريقة الانتخابات التي تفرز نوعية غير مؤهلة لحمل الأمانة الكبيرة في تسيير أمور الوحدة المحلية التي هي النواة الأولي للدولة. واقترح أن يتم تعيين نصف الأعضاء وفقا لمعايير علمية مناسبة حسب كل مستوي إداري وان يتم تثقيفهم وتعريفهم بأعمالهم المنوطة بهم وامدادهم بدليل الوحدة والمركز والحي والمحافظة مع نشر دوري للمشروعات قيد التنفيذ في صحيفة المحافظة أو المركز وشرح وافر للإجراءات واساليب العمل التي يتعين علي التنفيذيين والشعبيين القيام بها مع توزيع الاعتمادات المخصصة لخطط التنمية علي كل المستويات وتبقي اللامركزية هي الحلم البديل لمركزية الحكم ويظل تطوير وتنظيم الإدارة المحلية هو محور اهتمام المسئولين من خلال تشجيع الممارسات الديمقراطية علي المستوي المحلي دعما للمشاركة المجتمعية للمواطنين في عملية صنع السياسات وتنمية الموارد البشرية وتأهيلها لإنجاح عملية التحول وجعلها ركنا مهما في عملية الاصلاح السياسي والإداري اللامركزي.