تواترت علي الاسماع منذ تربع المرشح الإخوانى للرئاسة الدكتور محمد مرسي على سدة الحكم في مصر، عبارة اجتزأتها القوى والحركات الليبرالية والعلمانية واليسارية من رحم القاموس السياسي المصرى المعدل بفرضيات ثورة يناير فحواها " أخونة الدولة المصرية"، خاصة بعد سيطرة الوافد الإخوانى الحاكم علي مفاصل الدولة تشريعية وتنفيذية إثر انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة وشفافة، مقابل تراجع تأثير قوي قديمة تمثلها حركات احتجاجية ومنظمات المجتمع المدني عجزت عن فرض وجودها بقوة فى الشارع السياسي بعد الثورة، ذلك رغم مرور قرابة عقد من الزمان على تكويناتها، بينما بزغ نجم القطب السياسي الإخوانى الحاضر بخدماته التكافلية في النجوع والقرى قبل المدن والمحافظات منذ ميلاده قبل تسعين عاماً تقريبا. ومنذ تولى الرئيس محمد مرسى المسئولية كاملة، تلبدت سماء المشهد السياسى بغيوم التخوفات والتكهنات، إذ ماذا هو فاعل مع المجلس العسكرى وقياداته العتيقة ، ثم هل ستدار الدولة المصرية برأسين، عسكرية ومدنية ، وماذا عن ادارة ملف العلاقات المصرية الخارجية على كافة المستويات العربية والافريقية والأوروبية والامريكية ، وفى الكادر منها بالطبع العلاقات مع طهران وتل أبيب ؟ ، فكانت جولات الرئيس إلي افريقيا عبر رحلة اديس ابابا ثم إلي آسيا عبر زيارته للصين، وبعدها إلى طهران فى قمة عدم الانحياز ثم الي اوروبا عبر بروكسل وروما ، ثم اقراره بحرص مصر علي الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها في اشارة إلي "معاهدة السلام مع اسرائيل، ثم بين هذه وتلك ، اقالة المشير طنطاوي وزير الدفاع ورئيس الاركان ومعهما مدير المخابرات العامة علي خلفية احداث رفح ثم حل المجلس العسكري، لتصبح راية الحكم المصري في يد رئيس واحد، مدنى اختاره الصندوق الانتخابي وفق ارادة حرة، أعود لأقول إن كل ذلك حمل بما فيه الكفاية الصياغة البليغة للاجابة عن التساؤلات وكافة التخوفات على مستقبل مصر، وما فى ذلك من رسائل تطمينية على حسن ادارة صاحب القرار للبلاد. ورغم ذلك لم يهدأ انصار الحركات الاحتجاجية في النقابات و منظمات المجتمع المدني ومعهما عدد من الاحزاب الليبرالية واليسارية، من الاصرار على صبغ الحكم المصري بلون اخوانى، سواء كان ذلك مع تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور او اختيار أعضاء الحكومة، وبينهما رؤساء مجالس ادارات وتحرير الصحف، حيث الاتهامات جاهزة ومعلبة، رغم اننا لم نسمع مثلا عنهم اتهامات بأخونة الفن على خلفية سؤال رئيس الدولة في لقائه الاخير بعدد من الفنانين عن ممثلة مشهورة تبادلت وأحد الدعاة عبر الفضائيات اتهاماً بالجهل الديني هنا، والطعن في طبيعة الأداء اللا أخلاقى باسم الفن هناك، ولا بأخونة الرياضة عند تكريم الذين رفعوا العلم المصرى إثر فوزهم بميداليات في الأولمبياد الاخيرة ! لا أنكر بالطبع اننا امام مرحلة من الحكم مختلفة في فلسفتها الايديولوجية عن السابق الذي اعتدنا عليه خلال النظامين الملكى والجمهورى السابقين خاصة خلال ال 60عاماً الاخيرة ، فمن حكم ليبرالى منتسب الى المدرسة العسكرية، الي حكم مدنى منتسب الى جماعة دعوية اسلامية. لا شك ان أى نظام سياسى فى العالم يأتى ،حين يتولى مقاليد السلطة، برجاله وكوادره المنتمين اليه في غالب التشكيلات التنفيذية والسياسية ، باعتبارهم القادرين علي تنفيذ سياساته وأهدافه، دون الافتئات على حق كفاءات لا تنتسب اليه ايديولوجيا أو حزبيا في الاستفادة منها فى خدمة مصر، وأظن ان ذلك حاصلا بالفعل فى اختيارات مستشارى الرئاسة و المحافطين ووزراء الحكومة. علي اية حال ، إذا كانت أخونة مفاصل الدولة في غالب أجهزتها بتعبير قوى سياسية وحركات احتجاجية لها صيت رنان دون وزن سياسى معتبر في الشارع، اقول اذا كان ذلك يقلق المعسكر الاخير، بينما تري جماعة الاخوان المسلمين ان المرحلة مرحلتهم وأن على الكافة منحهم الفرصة التي حصل عليها غيرهم فأهدورها بلا ادنى وازع او ضمير، اقول إن ألف باء الموضوعية تدعونا لمنحهم هذه الفرصة كاملة دون اغفال حق هذه القوى فى المعارضة أو الاحتجاج أوالتظاهر السلمى حين تعوز الجماعة وحزبها السياسى ورئيسها المنتخب الرؤية الصحيحة لخدمة الشعب الذى وثق بهم ولا يزال.