مظاهرات ترفع شعار »لا .. لأخونة الدولة« في أعقاب فوز د. محمد مرسي برئاسة الجمهورية، سيطرت علي المشهد السياسي بعض الألفاظ والمصطلحات الجديدة تحذر من هيمنة جماعة الأخوان المسلمين علي جميع مفاصل وسلطات ومؤسسات الدولة ، وجاء مصطلح " أخونة الدولة " علي رأس هذه المصطلحات . وأدي التشكيل الوزاري لحكومة د.هشام قنديل وحركة المحافظين والتغييرات الواسعة في الجيش والشرطة ومختلف المؤسسات الرقابية والإعلامية إلي لجوء البعض لإطلاق مصطلح " أخونة الدولة " في الشارع السياسي، حتي تحول إلي ما يشبه " فزاعة جديدة " تستخدمها بعض القوي السياسية المناوئة لجماعة الإخوان المسلمين. وقد انقسم السياسيون والخبراء إلي فريقين ، يؤكد أولهما علي وجود اتجاه لأخونة الدولة ، ويري أن مصر في غضون السنوات القليلة القادمة سوف تتحول إلي "دولة اخوانية" في ظل سعي الإخوان المسلمين للسيطرة علي مختلف المواقع القيادية في الدولة ، بينما يري الفريق الآخر أن القضية وهمية ولا أساس لها في الواقع في ظل سعي الرئيس محمد مرسي إلي إحداث توازنات بين القوي السياسية المختلفة ، وتأكيده أكثر من مرة علي أن الكفاءة هي الفيصل في اختيار القيادات . المفكر السياسي واليساري د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع يري أن أخونة الدولة " ليس مجرد شعار لفكرة خيالية أو وهمية ، وإنما شعار لخطة متكاملة تحاول جماعة الأخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة تنفيذها للهيمنة علي كل مفاصل وسلطات الدولة المصرية . وقال د. السعيد: منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة لمست لدي جماعة الأخوان المسلمين حالة من الاندفاع غير المحسوب في شهوة الاستيلاء علي كل سلطات الدولة ، بدأت بسعيهم إلي الاستحواذ علي السلطة التشريعية، والهيمنة علي الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ، ثم الاستحواذ علي السلطة التنفيذية الرئاسة والحكومة ، وبعد ذلك استمروا في تنفيذ خطتهم لأخونة باقي أجهزة ومؤسسات الدولة، وهو الأمر الذي ظهر جليا في القرارات التي اتخذها الرئيس د. محمد مرسي التي تخدم جماعة الإخوان المسلمين، وتكرس وتعزز هيمنتهم علي مؤسسات وأجهزة الدولة ،وهو ما ظهر جليا عند تشكيل حكومة د. قنديل والتي تضم عددا كبيرا من الوزراء الأخوان مثل صلاح عبدالمقصود وزير الإعلام واسامة ياسين وزير الشباب وإبراهيم غنيم وزير التعليم وأحمد مكي وزير العدل وخالد الأزهري وزير القوي العاملة وطارق وفيق وزير الاسكان، وهو ما يؤكد أن " أخونة الدولة " مسألة حقيقية لا يستطيع أحد أن ينكرها. وأكد د. السعيد أن الأخوان المسلمين يريدون حكما فرعونيا لا مثيل له ، ولكن الشعب المصري لن يقبل هذا أبدا ، وسوف يتصدي لشهوة الاستحواذ التي تسيطر علي جماعة الاخوان لأن الوطن ليس ملكا لحزب أو جماعة ، وإنما الوطن ملك لجميع المصريين ، مشيرا إلي أن الاخوان المسلمين يظنون أن نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية تعطيهم حق التصرف في هذا الوطن كيفما شاءوا. ودعا رئيس حزب التجمع مختلف القوي السياسية إلي التعاون والتضافر من أجل التصدي لمخططات الأخوان المسلمين لأخونة الدولة المصرية ، مشددا علي ضرورة أن ينتبه الجميع إلي خطورة هذا الأمر قبل أن تتحول مصر إلي دولة إخوانية تُحكم من خلال مكتب الارشاد لجماعة الاخوان المسلمين. هيمنة الاخوان وبدوره اتفق المحلل السياسي د. رفعت سيد أحمد مدير مركز " يافا " للدراسات العربية مع د. السعيد في التأكيد علي وجود اتجاه لأخونة الدولة من خلال محاولات جماعة الاخوان المسلمين للسيطرة والهيمنة علي مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وشدد مدير مركز " يافا " للدراسات العربية علي أن إتهام الاخوان المسلمين بمحاولة " أخونة الدولة " له حظ كبير من الحقيقة ، لاسيما عندما نربطه بموقف الاخوان من القضايا الخارجية ، والذي يعتمد علي رؤية الاخوان المسلمين المنتشرين في غالبية دول العالم ، فما يقبله أو يرفضه اخوان الداخل هو نفس ما يقبله أو يرفضه اخوان الخارج سواء في فلسطين أو سوريا أو الأردن أو غير ذلك من الدول التي يتواجد فيها الاخوان المسلمين. وأشار د. رفعت إلي أن هناك محاولات اخوانية للانفراد بصناعة القرار ثم الانفراد بإتخاذ القرار ، مؤكدا أن جميع المجالس الاستشارية التي تم تشكيلها مؤخرا بما فيها الفريق الرئاسي لا تختلف كثيرا عن المجلس الاستشاري الذي شكله المجلس الأعلي للقوات المسلحة، حيث كان مجرد ديكور ، ولم يكن له أي دور يذكر. وردا علي من يري أن قواعد الديمقراطية تعطي للإخوان الحق في إدارة البلاد بالشكل الذي يرونه مناسبا لتحقيق أفكارهم وبرامجهم بعد أن حازوا ثقة الشعب في الانتخابات البرلمانية والرئاسية .. قال د. رفعت : هذا الأمر مقبول ومطلوب في مرحلة الاستقرار السياسي والاقتصادي ، ولكننا في مصر نعيش في مرحلة ثورة تفرض أوضاعا صعبة لا يستطيع تيار واحد أن يواجهها بمفرده ، ومن ثم لابد من أن يشارك الجميع في مواجهة هذه الاوضاع من أجل العبور بمصر إلي بر الأمان ، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة الاستقرار ، وحينها يكون من حق التيار الحائز علي ثقة الشعب عبر صندوق الانتخاب أن يدير البلاد بالشكل الذي يراه مناسبا لتحقيق أفكاره وبرامجه. ومن جانب آخر يري محمد عفت السادات رئيس حزب مصر القومي أن الواقع الذي تعيشه مصر الآن يؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الدولة المصرية تتجه نحو " الأخونة " ، وهو ما ظهر في تشكيل مؤسسة الرئاسة عند اختيار السفير محمد رفاعة الطهطاوي رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية ، والمستشار محمود مكي نائبا للرئيس ، كما ظهر ذلك في حركة المحافظين الاخيرة والتي تضمنت أكثر من محافظ اخواني مثل محمد علي بشر محافظ المنوفية وسعد الحسيني محافظ كفر الشيخ ود. يحيي كشك محافظ أسيوط محذرا في الوقت نفسه من خطورة تكرار سيناريو نظام مبارك بتبديل الحزب الوطني بحزب الحرية والعدالة. مجرد افتراء وبرؤية مختلفة يري المرشح الرئاسي السابق د. عبدالله الاشعل مساعد وزير الخارجية سابقا أن مخاوف البعض من " أخونة الدولة " مبالغ فيها ، ويدخل فيها قدر كبير من الافتراء ، مؤكدا أن الرئيس د. محمد مرسي نجح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأصوات الناخبين، ومن الطبيعي أن يحكم مصر مستعينا بمن يراه الأقدر علي معاونته لتنفيذ أفكاره وبرنامجه الانتخابي ، وهذه هي قواعد الديمقراطية التي تأخذ بها مختلف الدول الديمقراطية الكبري . وقال د. الأشعل : رغم أن ما يتردد حول " أخونة الدولة " يحمل كثيرا من المبالغة إلا أنه من الضروري في ظل حداثة التجربة الديمقراطية التي نعيشها في مصر الأآأن يعمل الرئيس د. محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة علي تطمين فئات الشعب المصري برسائل عدة تؤكد أنهم لن يحتكروا السلطة ، ولن ينفردوا بمصير الوطن ، ولن يتجهوا إلي سياسة الإقصاء أو الانتقام من خصومهم السياسيين ، وأنهم سوف يشركون جميع طوائف الشعب المصري في جميع القضايا المصيرية ، وهو الأمر الذي يدركه الرئيس مرسي جيدا ، وهو ما جعله يؤكد في أكثر من مناسبة وفي أكثر من لقاء جماهيري علي أنه سيكون رئيسا لكل المصريين ، وسوف يعمل علي أن تكون مصر للجميع ، وسوف يقف علي مسافة واحدة ومتساوية من مختلف القوي والاحزاب السياسية والفئات الشعبية. المشاركة لا المغالبة وأكد المفكر والكاتب الليبرالي جمال البنا شقيق مؤسس جماعة الاخوان المسلمين حسن البنا أن مقولة " أخونة الدولة " ليست دقيقة ، ولا أساس لها من الحقيقة ، فضلا عن أن اعتلاء الاخوان للمواقع القيادية في بعض مؤسسات الدولة جاء عبر صندوق الانتخاب في انتخابات ديمقراطية حرة اشاد الجميع بنزاهتها ، مشيرا إلي أن الاخوان المسلمين يحرصون علي مبدأ " المشاركة لا المغالبة " ، وهو ما ظهر في تشكيل الفريق الرئاسي وتشكيل الحكومة. وقال البنا: في أي بلد ديمقراطي نجد أن الحزب الفائز بأغلبية أصوات الناخبين ينفرد بإدارة شئون الدولة ، ويضع لها خطط التطوير بالاستعانة بمن يريد من خارجه ، وذلك علي مدي سنوات محددة ، وهذا أمر طبيعي لا غرابة فيه ، ومن ثم ليس من الغريب أن يختار الرئيس محمد مرسي من يريده ليعاونه علي إدارة شئون البلاد الداخلية والخارجية ، وليس معني أنه استعان ببعض الأفراد من الاخوان المسلمين أن هناك اتجاها لأخونة الدولة . وأضاف البنا : التجربة الديمقراطية التي تخوضها مصر حاليا مازالت موضوعة علي المحك ، ومن الأفضل أن نتيح لها الفرصة الكافية ، وأن نساندها لكي تنجح في إحداث التحول الديمقراطي بالشكل الذي يرضي جميع المصريين باختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية والدينية ، ويلبي طموحاتهم وآمالهم . رئيس للجميع وأخيرا أعرب د. ناجح إبراهيم أحد قيادات الجماعة الإسلامية عن رفضه لتعبير " أخونة الدولة " لأنه يحمل نوعا من التعميم والمبالغة ، فضلا عن أنه يتنافي مع الواقع حيث يحاول الرئيس مرسي قدر المستطاع أن يحدث توازنات بين جميع القوي السياسية والشعبية وفاء بوعود كان قد قطعها علي نفسه للشعب إبان الحملة الانتخابية عندما أكد أكثر من مرة أنه سيكون رئيسا للجميع. وأكد د. إبراهيم أن " أخونة الدولة " قضية وهمية لأن الأمة أكبر من الدولة ، والدولة أكبر من الجماعة ، فضلا عن أن الدولة المصرية استوعبت علي مدي آلاف السنين الكثير والكثير من أنظمة الحكم ، وفي النهاية رحل الجميع وظلت الدولة المصرية علي هويتها التي تحمل نوعا من الحكمة والاتزان. وشدد د. إبراهيم علي أن أحدا لا يستطيع أخونة الدولة ، وأن جماعة الاخوان المسلمين لا تستطيع أن تبتلع الدولة ، ولكن الدولة يمكن أن تبتلع الجماعة وتصهرها في منظومتها ، وتحولها من جماعة منغلقة إلي جماعة منفتحة ، مشيرا إلي أن الاختيار لمواقع القيادة في مختلف مؤسسات الدولة ينبغي أن يعتمد فقط علي معايير الكفاءة والأمانة والنزاهة، وسرعة تحقيق الأمن والاستقرار ، ومن تتوافر فيه هذه المعايير سواء كان اخوانيا أو غير أخواني يتم إختياره لهذه المواقع ،وبالتالي فإن من حق الاخواني الكفء أن يتولي أي موقع مادام يملك المؤهلات. وأشار إلي أن مصر لن تكون أبدا دولة للإخوان فقط ، وسوف تظل وطنا لجميع المصريين باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، مؤكدا أن مصر أكبر من أي تيار أو فصيل سياسي مهما كان وزنه وحجمه أو تأثيره في الشارع، ومن ثم سوف تبقي مصر دائما وطنا للجميع ، ولن يختطفه أي تيار أو فصيل حتي وإن سيطر علي المواقع القيادية في الدولة. مهاترات مرفوضة وبرؤية أخري ترفض د. مني مكرم عبيد استاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية الجدل الدائر حول " أخونة الدولة " ، مشددة علي ضرورة أن تترفع القوي السياسية عن هذه المهاترات وتنشغل بما هو أهم ، مؤكدة أن مصر الآن في أشد الحاجة إلي تكاتف جهود جميع أبنائها بما في ذلك مختلف القوي السياسية من أجل مواجهة التحديات الكبري التي تتعرض لها مصر داخليا وخارجيا والتي تفوق طاقة أي تيار. وقالت د. مني : مصر الآن تعيش في مرحلة حرجة ، وهي أخطر مرحلة في تاريخها ، ومن ثم فإن من واجب الجميع أن ينشغل ببناء مصر ، والخروج بها من كبوتها الراهنة ، وفي المقابل يجب علي الاخوان المسلمين أن يغيروا خطابهم ويركزوا في وضع رؤية للمستقبل قابلة للتنفيذ علي أرض الواقع . وأشارت د. مني إلي أن ما يقال حول " أخونة الدولة " مجرد كلام فارغ وغير منطقي ولا أساس له ، مؤكدة أن التيار الاسلامي بصفة عامة تيار وطني موجود علي الساحة السياسية وحاز ثقة الناخبين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، وبالتالي لابد من قبوله ، ولكن في الوقت نفسه لابد من تحقيق التوازن علي الساحة السياسية المصرية ، من خلال إختيارات الوزراء والمحافظين وكل المناصب والمواقع الحكومية نظرا لحساسية وخطورة المرحلة الراهنة التي تعيشها مصر الآن.