القاهرة: انضمت قناة "الحوار" الفضائية إلى قائمة ضحايا وثيقة البث الفضائي بعد أن أوقفتها السلطات المصرية ومنعت بثها من القمر الصناعي "نايل سات" الذي تديره الحكومة الأمر الذي أثار الأوساط الإعلامية في مصر وخارجها محتجين على القرار. واعتبرت نقابة الصحفيين المصرية وعدد من المنظمات الحقوقية القرار "بداية قاسية" لوثيقة تنظيم البث الفضائي التي أقرها وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم في فبراير /شباط الماضي. وقالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (مؤسسة جامعة للمنظمات الحقوقية بمصر) إن إدارة القمر الصناعي المصري "نايل سات" التابع للحكومة المصرية أوقفت بث القناة من دون إبداء الأسباب ومن دون مبرر بدءا من الثلاثاء، فيما اعتبرته بداية لتفعيل وثيقة "تنظيم البث الفضائي". ورأت الشبكة أن قرار وقف بث قناة الحوار على قمر "النايل سات" يتناقض مع كل القيم والمعايير المهنية، ويكشف بوضوح إمعان الحكومة المصرية في التضييق الشديد على أي منبر إعلامي، يهدف للتواصل مع الجمهور العربي، صحيفة أو محطة تلفزيونية أو حتى مجلة حائط في الجامعة، وقالت إن القرار "يكشف عن زيف ما زعمه وزراء الإعلام العرب أن وثيقتهم البوليسية لن تمس القنوات الجادة"، وأن "الحوار" التي بدأت بثها في منتصف 2006 اشتهر عنها جرأتها وصدقتيها ومعالجتها الرصينة للقضايا التي تهم الجمهور العربي. وقال جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان : " علمنا بوجود رقابة فجة على بعض الفضائيات وخاصة المصرية وإن تكن غير علنية ، وإيقاف بث قناة الحوار الفضائية هو بداية قاسية لوثيقة وزراء الإعلام العرب ، وفي غير العالم العربي لن نجد كيانات منقرضة كوزارات الإعلام تتحكم بهذه الدرجة في القنوات التليفزيونية ، إنها مهزلة عربية مائة في المائة ". وأضاف أن هذا الأمر يوحي بوجود أسباب غير معلنة لهذا القرار، قد تكون مرتبطة بعدم ارتياح الحكومة المصرية لسقف الحرية المرتفع الذي تعالج فيه القناة مختلف القضايا، وخصوصاً الموضوعات التي تمس الأوضاع في مصر. وأوضح أن "الحوار" تعمل حاليا على توفير بدائل مناسبة لإيصال بث القناة لكل محبيها في العالم العربي، حيث استطاعت بث القناة على القمر الصناعي "أتلانتك بيرد" الذي يلتقط النايل سات تردده عليه. كما استنكرت منظمة "عدالة" المصرية لحماية حرية التعبير قرار الحكومة واعتبرته مساسا خطيرا بحرية التعبير ، وشككت في ان ينجح القرار في منع المشاهدين في مصر او العالم من متابعة برامج القناة. ونددت منظمة مراسلون بلا حدود من مقرها في باريس بقرار السلطات المصرية، ونقلت صحيفة "القدس العربي" عن هاجر سموني منسقة قسم الشرق الاوسط والمغرب العربي في المنظمة قولها : "اننا نحتج علي هذا القرار ونطالب بتفسير من الحكومة المصرية، كما نخشي ان يكون القرار مقدمة لاجراءات مشابهة ضد قنوات اخري ما يشكل تهديدا خطيرا لحرية الرأي في العالم العربي . وكانت قناة الحوار اصدرت بيانا قالت فيه "قامت ادارة القمر الصناعي نايل سات صباح الثلاثاء بايقاف بث القناة عن خدمة البث دون سابق انذار، واذ تعرب قناة الحوار عن اسفها واستهجانها لهذا الاجراء غير المبرر لتؤكد لمشاهديها انها ستبقي قناة الرأي الحر والكلمة الصادقة ملتزمة بما يمليه عليها الواجب الاعلامي من نقل للحقيقة ومعالجة لقضايا الامة بأعلي درجات المصداقية والموضوعية" . وجاء وقف البث علي النايل سات بعد عدة ايام من تصريحات جمال مبارك نجل الرئيس المصري انتقد فيها بعض الفضائيات المغرضة دون ان يسميها، ما اعتبره مراقبون تلميحا الي امكانية اتخاذ اجراءات بشأن بعض القنوات. وقال الدكتور عزام التميمي رئيس التحرير في الحوار: " ان الجهات المسئولة عن اتخاذ القرار هي الخاسرة لأن هناك دائما بدائل امام اي قناة فضائية للوصول الي مشاهديها ". واضاف ان ادارة القناة بصدد الاتفاق علي بدء بثها قريبا عبر قمر عرب سات . ونقلت "القدس العربي" عن أحد الإعلاميين ( الذي فضل عدم ذكر اسمه) قوله : "ان القرار يأتي ضمن جملة من الاجراءات تم اتخاذها منذ صدور وثيقة الفضائيات ولم يعلن عن بعضها، وذكر مثالا علي ذلك أن البرامج الحوارية في قنوات فضائية مصرية مثل دريم و المحور اصبحت ملزمة بالحصول علي موافقة امنية قبل اربعة ايام من معالجة اي موضوع سياسي، او يتعلق بمشاكل حساسة كأزمة الخبز وموجة الغلاء ومشاكل البطالة والفساد والاحتكار في برامجها ". وذكر الاعلامي بحادثة شهيرة تم فيها الغاء تصوير برنامج في قناة المحور الشهر الماضي عندما اراد معالجة قضية مشروع قانون مكافحة الارهاب، واضطر معدو البرنامج للاعتذار للضيوف وابلاغهم بعدم امكانية تصويره في اللحظات الاخيرة. واختتم بالقول : "هذا الاجراء قد تنطبق عليه مقولة (رب ضارة نافعة)، لانه لم يعد ممكنا في هذا العصر منع المشاهدين من متابعة اي قناة فضائية، بل ان قرار المنع يؤدي غالبا الي زيادة عدد المشاهدين وليس نقصانهم" . وكانت السلطات المصرية قد بدأت معركة "ميثاق وزراء الإعلام العرب لتنظيم وضبط البث الفضائي والإذاعي" ، بإيقاف قناتين فضائيتين وحلقة من برنامج "90 دقيقة" على قناة "المحور". ويتعلق الأمر بقناة "البركة" الاقتصادية وقناة "الحكمة" المتخصصة في علوم السنة النبوية، وبرنامج "90 دقيقة" على فضائية "المحور" العامة الذي ألغيت حلقة من حلقاته الأسبوع الماضي, كانت مخصصة لمناقشة مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" في مصر وذلك بدعاوى أمنية. وتنص الشروط التي تم وضعها مؤخرا للبث على القمر الصناعي المصري (نايل- سات) ضرورة حصول القناة الفضائية على إذن مسبق من الأمن القومي في البلاد قبل السماح لها بالبث، وهي موافقة تستخرجها هيئة الاستثمار للفضائيات العاملة على القمر المصري. ويقول أكاديميون إن ميثاق وزراء الاعلام العرب الذي ينص على احترام حرية التعبير اشتمل على تعبيرات فضفاضة قابلة للتأويل، مما يضيق هامش الحرية إلى حد يضع القائمين على الفضائيات تحت طائلة تشريعات مكبلة. ونقلت صحيفة "الحياة" اللندنية عن معتز الدمرداش مقدم برنامج "90 دقيقة" قوله :" إذا كان الهدف من تلك الوثيقة ضبط الأداء الإعلامي فأنا من اشد المؤيدين لها، وأدعو جميع الزملاء في القنوات كافة إلى مساندتها والترحيب بها، أما إذا كان الهدف منها تقليل مساحة الحرية وحجب الرأي فأنا ارفضها بشدة وأدعو الجميع إلى مقاطعتها". وأضاف الدمرداش:"لا أفهم ما هي الخطوط الحمراء في العمل الإعلامي ، بكل بساطة نحن نحاول أن نقدم إعلاماً متوازناً يتناسب مع ما نؤمن به، ونستشعره من ابسط حقوق المواطن في المعرفة والإلمام بكل ما يدور من حوله". وتجدر الاشارة الى أن ثيقة "البث الفضائي" تسمح لسلطات الدول العربية بسحب ترخيص أي قناة تتناول قادتها ومسئوليها بالتجريح ، مما فسرها البعض بأنها تهدف في المقام الأول إلى تحجيم مساحة الحرية خاصة في البرامج السياسية الحوارية التي تذيعها عدة قنوات.