فيم يختلف القرن الحالي ثقافيا وفكريا ؟ محيط – شيماء عيسى جانب من المائدة المستديرة في ثاني أيام ندوات الموائد المستديرة ضمن معرض القاهرة الدولي للكتاب ، والذي اختتم مؤخرا ، عقدت ندوة " القرن الحادي والعشرين : فيم يختلف ثقافيا وفكريا ؟ " وادارها الدكتور هشام الشريف بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ، وشارك فيها د. نبيل عبدالفتاح الأستاذ بجامعة القاهرة ، والدكتور وحيد عبدالمجيد نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب والكاتب بالأهرام . تحدث في البداية د. نبيل عن التغيرات التي اجتاحت العالم من الناحية القانونية ما بين نهاية الحرب الباردة وحتى عصر العولمة ، فعرف القانون الوطني بأنه مجموعة ضوابط السلوك الاجتماعي تضعه سلطة الضبط بحيث يكون على المشرع أن يفرض جزاء للمخالفين . وفي القرن الحادي والعشرين أصبح هناك منظمات كونية تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات ، حتى أنها تصل للقوانين الداخلية للبلاد فتغيرها ، ودائما ما نرى الآن القرارات العولمية في مجال حقوق الأقليات والمرأة وحقوق الإنسان والأخيرة تحديدا تحظى بعناية الجماعة الدولية ، ونلاحظ أسلوب الشرط الذي تتبعه المنظمات الدولية في حالة انتهاك الدولة لحقوق الإنسان – برأيها – حيث تربط بين تطبيق قرارات العولمة وبين القروض والمساعدات. وكما ذكرنا فإنه يترتب على عدم إعمال المعايير الدولية جزاءات سياسية واقتصادية على الدول ، كما تحقر – عن عمد - صورة الدولة في وسائل الإعلام الدولية والمحافل الدولية أيضا . من جانب آخر وفي القرن الحادي والعشرين فإن اتفاقيات الشركات المتعددة الجنسيات تميل لوضع بنود على أن المنازعات تخضع للتحكيم الدولي في هذه الاتفاقات ، حيث تصدر مثلا العديد من القرارات لصالح إسرائيل في نزاعها مع العرب ، كما ينتزع القضاء الدولي الكثير من التعويضات والتي تقدر بالمليارات ، ونجد أيضا أن ظاهرة التحكيم الدولي قد امتدت يدها للقضاء الداخلي للبلاد ، حتى أن الشركات الوطنية داخل كل بلد أصبحت تخضع في علاقاتها بالشركات متعددة الجنسيات للتحكيم الدولي. قرارات أمريكا نافذة فوراً دعم لا محدود للإنتهاكات الإسرائيلية ظاهرة جديدة مرتبطة بالقرن الحادي والعشرين وهي القطب الأمريكي العالمي الواحد ، والذي يسن قوانين امبراطورية كثير منها وصل للحريات الدينية ، ومن أشهر آلياته التقارير السنوية التي تقدم لوزارة الخارجية الامريكية حول أوضاع الحريات في دول العالم تفصيلا ، وتفرض على ضوءه جزاءات ويمنع مسئولون من السفر، مثلما لجأت أمريكا لصياغة قانون يجرم معاداة السامية ليس بنطاق الولاياتالمتحدة وإنما خارجها كذلك ، أي أنها قرارات قومية أمريكية المشرع كونية التطبيق ! . وارتبط أيضا بالقرن الجديد تآكل دور وفعاليات المنظمات المحلية لصالح نظيرتها الكونية ، وهي منظمات معولمة منها مثلا المتعلقة بالجندر والسيدا وحقوق الإنسان .
ومن مظاهر القرن الجديد تنبأ د. نبيل بظهور العملة الرقمية بدلا من الورقية الوطنية الخاصة بكل دولة ، وهي بالتالي غير خاضعة لسلطان الدولة وإنما جهات عالمية تحدد قيمتها الشرائية ، إضافة لتزايد دور للإنترنت بين علاقات الأفراد والشركات. المجتمعات تعود لشكلها البدائي أما دكتور وحيد عبدالمجيد فرأى أن القرن الحادي والعشرين اصبح انتقال الأحداث فيه يسيرا كما انتقال الناس والعمالة ، وكان الاعتقاد المترتب على هذا الأمر أن العالم سيكون صغيرا تسيطر عليه ثقافة وقوة واحدة ، ولنرى إن كان ذلك ما جرى أم لا .... التطور الجوهري الحادث في القرون الثلاثة الأخيرة برأي د. وحيد أن العالم تجاوز مكوناته التقليدية القبائلية أو العائلية أو الدينية أي ما ولد الإنسان عليه ، وكان التطور يتجه لأن يكتسب الإنسان إنتماءات جديدة بالعالم ليست على الأسس التقليدية ، بحيث يمكننا أن نرى أناس من أعراق مختلفة في المجتمع تجمع بينهم إنتماءات تجب هذه الفوارق ، والغريب أن ذلك لم يحدث بل أننا لو تأملنا الصراعات الدولية في القرن الحادي والعشرين سنجد سببها أيدولوجي أي مرتبط بنظام وفلسفة فكرية معينة ، ووصل الصراع لذروته بين الرأسمالية والشيوعية حتى وصلنا للعولمة . وعاد الناس للتركيز في الصراع على فكرة أنه من ليس على إنتماءاتي الدينية والعرقية والطائفية فهو عدو أو على الأقل آخر لا يمكنني التواصل معه . يؤكد د. وحيد أن هذه الظاهرة ليست متعلقة بالعرب فقط أو العالم الإسلامي ، فمن يتابع حملة الإنتخابات الامريكية الأخيرة يعرف أن كثير من الناخبين صوت لأسباب تقليدية بدائية هي التي ذكرناها وأهمها السبب الديني. مثال على ذلك بلجيكا كانت مثالا للتقدم والحداثة ، معرضة الآن للإنقسام بسبب ما يمكن اعتباره انفجار للهويات ، وكانت تعيش منذ 1830 في ظل تعايش طبيعي بين جماعتين أصولهما هولندية وفرنسية ولم تكن هناك مشكلة ، ولكن بدأت في القرن الحادي والعشرين المشكلة تظهر ، إلى حد أن بلجيكا عجزت الأحزاب السياسية فيها عن تشكيل حكومة لأكثر من ستة أشهر ؛ ذوي الأصول الفرنسية اقترعوا لمن يعبرعنهم والعكس ، حيث شعر أصحاب الأصول الهولندية أن أصحاب الأصول الفرنسية يتعالون عليهم بثقافتهم وحضارتهم المعروفة . د. وحيد عبدالمجيد إذن نحن نربط بين مشكلات الدول الحالية في القرن الجديد في عدم تمكنها من إحكام السيادة الوطنية ومشكلات التشرذم من الداخل ، وهذا الحديث لا يقتصر على الصومال أوالعراق أومصر ، صحيح أنها في الغرب بمعدلات أقل ولكنها موجودة ، صراع الديانات والهويات والأعراق . الغريب أن د. وحيد رأى أنه كلما تعارف الإنسان على الآخر المختلف زادت معرفته بحجم الفروق وبالتالي حجم الاختلاف بينهم ، وليس العكس ، ولكنه يقول بأنه كلما زادت ثقافة المحاورين تقل هذه المشكلة كثيرا ، ويصبح الإنسان أكثر قدرة على تحمل الخلاف . أورد د. هشام الشريف عددا من التساؤلات هي التي تعبر عن القرن الحالي ، ومنها هل نحن نوظف الكون توظيف أفضل ؟ هل الثقافة والفكر تقود تقدمنا ؟ هل الإنترنت والفضائيات والموبايل إمكانات العصر الحالي .. هل زادت الإنسان رشداً وفكراً وسعادة ؟ .وأخيرا هل ثقافة الإنسان العصري ثقافة سلام أم حرب ؟ . مداخلات تكمل الصورة د. عمرو في مداخلته قال : نعيش عصر به تمييز قانوني ، فليس الجميع على قدم المساواة ، أمريكا رفضت أن يحاكم جنودها بالخارج مثلا ، إسرائيل خارجة على القانون الدولي وخاصة في بنود حقوق الإنسان ولا يوجد أكثر من مأساة حصار غزة التي لم يتحرك القانون الدولي لحلها . د. حامد صديق الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية وصف حال القرن الواحد والعشرين بأننا نعيش عصر " البلطجة الدولية " ومحاولة تثبيت قانون الغاب ، وسقوط النهضة العلمية !! ، حيث رأى أن نهضة العلم كانت مبنية على التخيل والتجربة لكن ما حدث في الواقع مغاير ، الثورة الصناعية قامت آملة في توفر الطاقة اللازمة والآن لدينا نضوب بالطاقة ، والطاقة النووية لن تصلح هنا وإنما البترول ، إذن عدم وجود مصدر للطاقة معناه السقوط. د. قادس نصري استاذ بجامعة فرانكفورت الألمانية لمقارنة الأديان قال : الفرق بين مصر وألمانيا أنهم يسيرون في طريق العولمة بالسرعة التكنولوجية المطلوبة ، ولا يناقشون آراء في العولمة ، اما نحن فسبقنا في الحديث عن العولمة دون أن نندمج فيها ونتطور ، واعترض على فكرة د. وحيد بأن الإنسان يزداد اختلافا بزيادة معرفته بالآخر ، ففي بحث أجريته ثبت لي أنه على سبيل المثال في علاقة المسلمين بالمسيحيين الحوار أثبت أن مساحات التقارب بين الديانتين كبيرة ، ويمكن للطرفين التعايش بالفعل ، إذا وضعنا السلام هدفا . أحمد فوزي باحث زراعي قال : أحد معالم العولمة ضياع هوية العرب ؛ تجد هوية شمال أفريقيا ضاعت لأننا نحاول أن نكون تابعين ، أما اليابان فلها هوية ثقافية فيجب علينا إذا أردنا التقدم أن نبدأ في بناء شخصية لنا ، وتساءل أين خصوصيتنا كمصريين وعرب ؟.