معتز الإمام محيط - رهام محمود افتتح منذ شهرين جاليري "كونست كافية" الذي أنشأه الكاتب العراقي الدنماركي وسام هاشم في "كوفي شوب" يحمل الطراز الأوروبي بمنطقة وسط البلد، سعيا إلى مد الجسر الثقافي بين الفنان والجمهور مباشرا دون أي حواجز أو تعقيدات من رهبة دخول الجمهور في قاعات عرض الفن التشكيلي. استضاف الجاليري مؤخرا معرض الفنان السوداني معتز الإمام الذي يعرض به أحدث أعماله الفنية، بعد عرضه السابق الذي كان شهر يناير الماضي في جاليري "المشربية". هذا المعرض يعد بحثا خاصا للفنان حيث أنه نتيجة تأثير سمعه للموسيقى حين يعمل، فهو يعلم جيدا أن الموسيقى لها تأثير قوي في الأعمال الفنية الإبداعية، كما أن الفنان معتز الإمام مرتبط في مسيرته الفنية بالموسيقى، فهو يتطور بشكل مستمر في السمع والرسم معا، كما أن أعماله من الناحية البصرية مرتبطة بالعالم من حوله، حيث أنه يرى بحكم الشارع موضوعات جديدة، أما من حيث السمع فهو يسمع موسيقى جديدة لم يتذوقها من قبل، فاللوحة عنده تتطور وتتغير في بحث بسيط عن الأسباب الموجودة، فالشارع بالنسبة له هو الشارع، لم يتغير المشهد الذي يراه إلا تغييرا طفيفا، لكن التغيير يحدث على مستوى السمع واللحظة التي يرسم فيها؛ فلذلك يكون إنتاجه الفني في تطور مستمر. أما عن هذا المعرض فقد كان الفنان يستمع لمقطوعات فنان العود العراقي الشهير "نصير شمه"، حيث وجد أن جميع أعماله التي رسمها حينما كان يستمع لعود نصير خرجت كتجربة واحدة، يوجد ثلاثة لوحات لهم نفس التأثير لأنه رسمهم من وحي مقطوعة واحدة، وفي اللوحات الأخرى التي كانت أيضا تحت تأثير مقطوعات موسيقية أخرى لنصير كان التأثير مختلف ولكنه في نفس السياق والروح العامة للمقطوعات الموسيقية، كما عكست اللوحات أيضا الشارع المصري، والتي استخدم في رسمها الأوان الزيتية على الكانفاس تلك الخامة المفضلة له. كان الإمام يميل سابقا إلى وجود الموديل والبورترية في لوحاته كعنصر بصري، ولكن في هذا المعرض اتخذ الشكل أشكالا مموه في اللوحات، كما امتزجت عناصر اللوحة جميعا، حتى الموديل والفيجر أو المبنى لا يستثنى من الخلفية، فأصبح البطل في أعمال المعرض هو فقط اللون، فهنا نجد أن الخلفية واللوحة هما واحدا، فأعماله تعتبر أطلس لوني مواز للحياة اليومية، جميعها مساحات ومناظر جغرافية لونية نتجت من مراحل تكون تجربته. حيث يرى الفنان أن أعماله هي تجربة لونية متصلة بدأت بهواية الفن التشكيلي، ثم دراسته، ثم احترافه، فهو ينقل فكرته عن السمع ويقدمها في أفضل أشكالها. يقول الفنان: أنا أمارس العملية الإبداعية وأنتظر نتيجتها في معرضي من عيون المتلقيين والفنانين المتخصصين والنقاد، فأرى هل عجبتهم تجربتي أم لا؟، كي أعرف أين أقف في هذه المساحة الفنية الكبيرة التي تتفاوت فيها المواهب والتي لم يخطأ فيها أحد، ولكنها تختلف في الاتجاهات والمقاصد وبداية الموهبة والانطلاق من فنان لآخر، فمن الفنانين من تحركوا من فكر وموهبة عالية، وغيرهم تحركوا من فكر وموهبة قليلة، لكن المهم بالنسبة للفنان المبدع هو الاستمرارية وحب التطور لتقديم الجديد، فهذا المعرض هو آخر إنتاجي الفني، وهو محطة في مسيرة طويلة جدا غير معروفة المنتهى؛ لأن الفنان حينما يبدع يحدث له عملية حسابية معدلة جدا في مرسمه، وهي رسم وتلوين وتحوير وإعادة شكل وتشكيل، فتخرج النتيجة غير مرضية بالنسبة له؛ لأن النتيجة نفسها ستدخل في عملية حسابية أخرى كي تكون نتيجة ثالثة، فبحث الفنان أو بحثي أنا بشكل خاص لم يكن بحث جمالي مطلق، فاللوحة وأنا أعمل بها يكون الجمال فيها متخيل، أي أتخيله أسمى الصور الجمالية في ذهني، وعندما ينتهي العمل في اللوحة ويظهر أمامي كنتيجة، من المؤكد أن الجمال بها سيكون أقل درجة عما كانت في ذهني، ليست لأن التجربة لم تكن جميلة، لكن لأنني تقدمت فكريا بمقدار ولو ثانية، فبمجرد أن مضت وقت ثانية سأكون تطورت فكريا، شاهدت هذه النتيجة وأدركتها، فأقوم بالبحث عن نتيجة بعدها. لكن عن تجربتي هذه فأنا أرى أنها مرضية في الظروف التي أنشأت بها، والخامة التي استخدمتها، لكن عادتا أنا أكون بعيدا عن وصف الشكل المتعمد للوحة أو التجربة الإبداعية، حتى لا يبعد عني المتلقي أو محبي الفن؛ لأن لغتنا معقدة ولا تقبل التفسير المنطقي. يواصل: وفي المقام الأول أنا أوجه كلمة شكر أساسية للمجتمع؛ لأنك لم تكن إنسانا خارقا ترسم في حدود خاصة، بل أنت توجد في مجتمع يجب أن تشكره هو والشارع الذي حرك فيك دواعي الرسم والإنتاج، فأنا أشكر كل المصريين الذين تحركت بينهم من الصعيد إلى القاهرة ومختلف المدن الأخرى بمصر، كما أوجه الشكر للمصريين القانطين في منطقة وسط البلد تحديدا، والأصدقاء الذين كانوا فعالين في حياتي ودافعين لي لممارسة الرسم والإبداع