في المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي, عرض الفنان الدكتور حمدي أبو المعاطي آخر أعماله الفنية تحت عنوان "حوارات الشكل واللون", والتي ضمت نحو ثلاثة وثلاثين عملا فيما بين لوحات, وإسكتشات.
قامت فلسفة المعرض على موضوع العلاقات الإنسانية التي شغلت الفنان بشكل دائم, لكنها دوما ما كانت تظهر في فكرة جديدة بكل معرض يقيمه, ففي عام 2001 كان الهرم كمفردة تشكيلية في لوحاته, وأصبحت المرأة هي البطلة لأعماله عام 2004.
أما في هذا المعرض فقد استخدم الفنان مفردتين وديعتين, حميمتين, هما المرأة والطائر, حيث تعبر المرأة عن الإنسان بشكل عام, بعمقها, وخصوصياتها, التي لا تبوح بها بشكل أو بآخر, فهو يأخذ الغموض لكي يلعب دورا هاما في فلسفة العمل, فيظهر حالة ضمنية في الشكل البصري لمفردات لوحاته.
ويأتي اللون في أعماله كقيمة أساسية للحالة الحوارية فيما بين المرأة والطائر, والذي يستلهم إياهما من موروثاتنا المصرية, سواء كانت شعبية أو فرعونية وأحياننا إسلامية؛ ليظهران بأسلوب غير مباشر, يشكل بناءات بصرية وعلاقة تبادلية بين الشكل واللون, كما يشكل الاختزال اللوني في أعماله قيمة تعبيرية كبيرة لمفردات الصورة, يتلقاها الرائي تبعا لثقافته وإحساسه بها.
تحمل أيضا لوحاته بعدا رمزيا, ينعكس علي قيمة البعد التعبيري والرومانتيكي أحيانا في أسلوب التناول, محاولا صبغ أعماله بحالة روحانية, تعكسها تلك السمات, بقيمة إنسانية شديدة الخصوصية للتجربة, تبرهن عليها بناءات الصورة لدي الفنان.
كما يلعب اللون مغزى هاما في مكانه ووضعه وعلاقته بالعناصر الأخرى, فقد يكون هذا اللون لعنصر المرأة, أو جزء من خلفية العمل, أو الطائر؛ فيساعد هذا على ظهور بعض السمات أو الملامح التي تشكلها هذه العناصر, فيؤكدها اللون أو يقللها, وبالتالي يحدث أيضا نوع من الاستطراد.
ومن حيث التقنية فالمعرض منفذ أبيض وأسود بالحبر الشيني, وألوان الاكليريك كمسطحات لونية على السطح, ويلعبا الريشة والقلم الربيدو دورا مهما في علاقات الأشكال ببعضها, والفورم الذي يحدثه الشكل من خلال العنصر نفسه, وبالطبع يظهر تباين واضح بين علاقات اللون في الأبيض والأسود, وأيضا علاقات اللون كمفردة لون موجود في مسطح اللوحة.
وفي إحدي جنبات المعرض نشاهد خمسة عشر اسكتش بمقاس 30× 40 سنتيمتر, هذه المجموعة تمثل حالة الفنان الانفعالية التي تحدث بشكل تلقائي, فالإسكتش لم يكن إسكتش للوحة, ولكنه في حد ذاته عمل فني مستقل؛ ولذلك لم نجد في المعرض أي لوحة بها مفردات هذه الإسكتشات أو تركيباتها, فهم بمثابة أعمال فنية مستقلة لها قيمة خاصة بها من خلال الخط فقط, فأحيانا يكون الخط له أهمية كبيرة في تشكيل عناصر فن الجرافيك, فكانت فكرة هذه المجموعة هي كيفية بدأ الفنان بنقطة حين يمسك بالقلم وانتهائه بأخرى, من خلال تفاصيل كثيرة جدا تتواجد, فأوقات يرمي بقعة لون ليؤكد وجود وإظهار بعض العناصر, وأوقات أخرى تعيش جميع العناصر في حالة متجانسة دون التأكيد على أي عنصر أكثر من الآخر, كما أن لحظة عمل الإسكتش هي حالة انفعالية سريعة؛ ولذلك فإنجازه لا يستغرق وقتا كبيرا, فيما بين عشرة أو خمسة عشر دقيقة, وينتهي عند هذا الحد بحالته التعبيرية, ومفرداته, والقيمة الفكرية الموجودة فيه.
من الواضح بالمعرض أن كل لوحة تحمل فلسفة خاصة بها, فقد يكون لها بعدا عاطفيا, أو إنساني بحت لم يكن له علاقة بأي عاطفة, أو أي شيء آخر أكثر من أنه يكون تواجد إنساني في كيان العمل, يؤثر بشكل أو بآخر ويفرضه حالة المتلقي, فالعمل الفني به مدركات متعددة يجب أن يضيف إليها كل متلقي أو يأخذ منها حسب ثقافته, فهو يراه من وجهه نظره, وأحيانا يحدث استفسارات حول الأشياء وهذه فلسفة العمل في حد ذاتها, فهنا الطائر يلعب دورا مهما مع المرأة, باعتبار أنها لها أبعاد أكبر من الشكل السطحي للموضوع, كما أن الطائر بوداعته وسكونه يشعرنا بحالة من الحوار السري الغامض وكأنه سر المرأة, فالمطروح بصريا غير مطروح ضمنيا, بمعنى أنه ما يرى بصريا قد يكون من وجهه نظر الفنان, لكنه داخل العمل قد يوجد حالة حوارية أخرى تتطلب الرؤية عدة مرات.