مداعبة الألم والتحاور معه من الوسائل القليلة الطرح، رغم قوتها الساحرة في إخماد هذا الألم، والتغلب عليه فيما بعد، لأن قوة الإنسان في حكمته التي فُطر عليها، والتي بها يستطيع اجتياز كل العقبات والآلام التي يواجهها، والرمز هو من أبلغ وسائل التعبير، لأن فيه إيجازًا وتلخيصا لمعان كثيرة في جملة بسيطة، لهذا اهتم به الفنان محسن شعلان في أعماله الفنية، وأصبح منهجه الفني، كما يعرضها لنا في معرضه الحالي "نحن هنا 2010" بقاعتي أحمد صبري وراغب عياد بمركز الجزيرة، في لغة تعبيرية مشحونة بالانفعالات الساخرة، فأعماله كالكوميديا السوداء، تري أشخاصه يداعبون آلامهم في التعبير عنها بنظرتهم الحزينة المصحوبة بابتسامتهم الهادئة، فهم يتعالون علي آلامهم بسكونهم الكتلي، الذي يشغل معظم مساحة العمل في رسوخ وسكينة، بقسمات وجه حزين، يحمل شعرا أشعث يكسر به حدة هذه الكتلة في حيوية وحرية وحركة تعبيرية، مما يعمق المعني الذي يهتم الفنان بإيصاله للمتلقي، وهو البحث في العلاقة بين الرجل والمرأة، هذه العلاقة التبادلية مشحونة بالتفاعلات والمتناقضات، فأعمال شعلان لم يغب فيها الرجل عن المرأة والعكس، وإن اختفي وجود أحدهما كعنصر صريح في العمل، نري رمزا يعبر عنه ويحقق وجوده، ليحافظ علي ثنائية علاقته التبادلية مع الآخر. اللون عند شعلان له خصوصية في التناول، يمثل عنصرا مهما وأساسيا لتأكيد المفهوم والشحنة التعبيرية الرمزية، فمعالجاته اللونية تحقق مثيرا بصريا، من خلال استخدامه للألوان الباردة، التي يخترقها اللون الساخن في اندفاع ليحقق ذاته اللونية. تنوعت الأعمال في المعرض من حيث التقنيات والمعالجات، فنجد الفنان يستعرض الحالة الفنية لديه منذ نهاية الثمانينيات، فنري جنوح أعماله في فترة التسعينيات نحو السيريالية، ونلحظ تأثره بأسلوب سيف وانلي في معالجة الكتلة في مرحلة من مراحله الفنية، من حيث مط الكتلة، لتظهر فيها استطالة ومبالغة مقبولة تعبيريا، هناك أيضا خط جديد في التناول اللوني، ففي المرحلة الأخيرة نجد أن اللون أنضج وأقوي، وأصبحت عجينة اللون أكثر كثافة إلي حد ما، مما يكسب السطح ملمسا أكثر دفئا، كذلك نجد ضربات الفرشاة أكثر انفعالا. واهتم أيضا شعلان في معرضه بعرض مجموعة من أعماله المنفذة باللونين الأبيض والأسود والاسكتشات، التي ناقش فيها جميعا العلاقة الجدلية فيما بين الرجل والمرأة، وكذلك حالة الطبقة الكادحة في المجتمع بأسلوب يندرج تحت الأسلوب التعبيري الرمزي، وهو أسلوب يتسم بالاهتمام بإبراز الحالة الإنسانية الانفعالية من خلال التعبير باللون أو الخط في تكوينات تؤكد علي هذه الحالة وهذه الشحنة، في نفس الوقت يلخص كل ذلك ويؤوله إلي الرمز، هذه العلامة التي تعبر عن معان كثيرة في شكل بسيط مثل التفاحة الحمراء، بجانب المرأة المنتظرة علي أمل، فنجد أن التفاحة هي رمز للآخر، واهتم بها من خلال اللون الأحمر الساخن، ونجده قد أكد عليه بخلفية من المساحات باللون الأخضر الحي النابض، ولمسات الفرشاة الدائرية، المكملة لدائرية جسد التفاحة، هذه الحالة من التضاد اللوني منحت كل عنصر شخصيته المتألقة اللافتة، ونجده أكد علي أعماله بتحليلات الضوء والظل حسب قانونه الخاص، وفي بعض الأعمال، التي يؤكد فيها علي الوجه فقط، استغني عن نصف الوجه الأيمن، والمفترض أنه الجانب المضيء، ليدرس فقط النصف الأيسر المظلم، للتأكيد علي الحالة الدرامية للألم، وأيضا تعميق إحساس الوحدة، فهذا النصف يعيش آلامه في توحد. وكذلك مجموعة الأبيض والأسود كثيفة وقوية الشحنات، التي تألق في بعضها "التكوين" بطلا، والأخري التي كان فيها "الخط" بطلا، ففي بعض لوحاته نجد شعلان قد تلامس مع وجه رجل بسيط، استطاع من خلال قسماته الحائرة ونظراته الخائفة من المستقبل استلهام حالة درامية إنسانية، وعبر عن ذلك بخطوط رفيعة ومتواصلة، تواصلا دائريا لملامح هذا الرجل، الذي رغم كل معاناته يحاول التلميح لنفسه بابتسامة أمل ورضا، كذلك نجده في بعض اسكتشاته قد استخدم الأحبار، ليجسد بها مساحات في تدرج أحادي اللون، من خلال تخفيف الحبر في بعض المناطق لإعطاء الإحساس بالضوء والظل، الذي يوحي بالتجسيم، وفي مجموعة أخري نجده استخدم القلم بدلا من الريشة فجاءت تكويناته كثيفة العناصر تشابكت وتناسجت في علاقات معقدة، وتفاصيل ثرية خصبة، تخللتها المساحات البيضاء، معطية للعنصر بعده الثالث، مما يرسخ بنائية التكوين المعمارية. أيضا لقطاته السريعة لبعض المشاهد اليومية بالشارع المصري مثل الموظف البسيط المتأنق الواقف عند ماسح الأحذية، واثنين من المحبين يختلسان لحظة من لحظات يتوددان فيها لبعض مختبئين تحت الأشجار، والكثير من الحالات الإنسانية لهذه الطبقة المهمشة بالمجتمع تعبر عن ثقافتهم وتمردهم المستتر علي أوضاعهم الاجتماعية، التي يرفضونها ولكن أياديهم مكبلة بأغلال شتي من أشكال الضعف الإنساني. واهتم شعلان أيضا برمز "الكرسي" بشكل خاص في معظم أعماله، سواء كانت مجموعة الأبيض والأسود أو التصوير، ورمز به للأعباء أو للسلطة المسيطرة علي الشعب، فنلحظ أنه يرسم "الكرسي" دوما فارغا لا يجلس عليه أحد، بل نجده ضاغطا علي شخص، أو نجد قاعدته قد هشمت رأس شخص، فرغم ضعف هذه الطبقة في الوصول إليه، إلا إنه لم يرحمهم.