هذه ليست أوربا التى تخيلها "بانجين"... داخل مدرسة مهجورة، شيدت فى الماضى، على ضواحى العاصمة البلغارية (صوفيا) لتعليم حرفة النجارة، وقف الشاب السورى ذو الأصول الكردية، البالغ من العمر 32 عامًا يخيط خيمة من غطاء، أبيض اللون، وفرع شجرة.يشيد بانجين خيمته كى يمنح عائلته بعض الخصوصية بعيدًا عن أعين العشرات ممن تضطرهم ظروفهم القاسية للنوم داخل فصول المدرسة. لم تكن الخيمة كافية أبدًا لمنع تدفق الروائح الكريهة من الممرات الرئيسية للمدرسة إلى داخلها. على مدار الساعة، يعمل اللاجئون السوريون فى تنظيف الطرقات، وكنس الشوارع، أو تنظيف المراحيض والحمامات أو غسل الملابس. ومع ذلك، فإن جهودهم هذه غير مجدية لتوفير حاجاتهم الأساسية، بالنظر إلى أعدادهم الهائلة التى تتنافس للحصول على عدد محدود جدًا من فرص العمل فى هذا البلد. لايستطيع أطفال بانجين تجنب القاذورات أو الزجاج المحطم المتناثر في أرضية المدرسة، وعندما يتم غسل ملابسهم، سوف يضطرون لحملها والوقوف بها فى طرقات المدرسة حتى تجف، ويبقى سؤال، أى قدر من التنظيف تحتاجه هذه الملابس للتخلص من رائحة البول وبقع الطعام المنتشرة بها؟. العيش فى أمان قام بعض الآباء بإلباس أطفالهم أقنعة للوجه، فى محاولة لحمايتهم من انتقال عدوى الأمراض إليهم، تعزيزًا للهدف الرئيس الذى أتى بهم إلى بلغاريا، العيش فى أمان. لقد نجحوا إلى حد ما: ففى بلغاريا، أصبحوا أمنين من قذائف القناصة والقنابل والدبابات. ولكن العيش فى حالة يرثى لها في أفقر دولة بالاتحاد الأوروبي - والتي لا يمكنها أن توفر لهم الملبس والغذاء والدواء أو حتى ما يكفي من الأسرة للنوم- ليست السبب في المخاطرة بحياتهم لعبور الجبال. يقول بانجين الذى عمل كسائق فى سوريا قبل أن يفر مع زوجته وأبناءه الثلاثة الصغار إلى تركيا أولا ثم إلى بلغاريا فيما بعد:" لقد وضعونا هنا وتركونا بلا نقود"، ويضيف:" أولادي الثلاثة مرضى الآن". يعلق بانجين على حال أسرته بالقول: "الهواء محمل بالأتربة الملوثة، ويعيش معنا 10 أسر فى غرفة واحدة. "يحمل بانجين والعديد غيره من اللاجئين في بلغاريا رسالة إلى القادة الأوربيين الذين أرجأوا مناقشة كيفية القيام بإصلاح شامل لسياسة اللجوء إلى دول الاتحاد حتى يونيو القادم، حيث يأمل هؤلاء بأن تحل الأزمة بهدوء من خلال تسكين مليونين من اللاجئين السوريين في كل من تركيا والأردن ولبنان . ولكن الأدلة والبراهين في بلغاريا تشير إلى خلاف ذلك، فالحرب في سوريا يبدو واضحًا أنها لاتقترب حتى الآن من النهاية، وعليه فالمهاجرون يريدون إقامة شبة دائمة وليس مجرد خيمة في الخلاء.لقد وصلت أعداد السوريين من الرجال والنساء والأطفال في بلغاريا، هذا العام، إلى ما يقرب من 8000 مهاجر، حيث كانت 2000 فقط في العام الماضي. ومازال هؤلاء غير قادرين على التخطيط لتأسيس حياة جديدة هنا أكثر استقرارًا. لا أحد يريد البقاء هنا يقول مازن مصطفى، طالب لغة إنجليزية، يبلغ من العمر 23 سنة: " على أى حال، لا أحد يريد البقاء هنا". يسعى مازن لأن تكون محطته التالية إلى ألمانيا أو النمسا. ويضيف مازن: "كما ترى الوضع هنا سيئ للغاية. إذا حصلنا على وثائق السفر الخاصة بنا، سوف نغادر."لم تبنى مدرسة "فونا رامبا" لغرض إيواء 800 فردًا، كما هو الحال الآن، وإنما شيدت لتكون أكاديمية لتعليم فنون النجارة فى العهد الشيوعي، قبل أن تغلق لعدة عقود. لكن بلغاريا تمتلك مرافق لإيواء 5000 فرد فقط، من طالبي اللجوء على مستوى البلد بآسره، وعندما امتلأ مركز استقبال اللاجئين فى صوفيا والمواقع الرسمية الأخرى، بدأوا البحث عن أماكن آخرى. لم يكن هناك أى وقت لإصلاح هذا المبنى المهجور قبل نقل السوريين إليه. في الأسابيع القليلة الأولى، لم يكن هناك أى ماء ساخن. لم يقم أحد بإصلاح النوافذ المكسورة أو إزالة الزجاج المكسور من على أرضية الفناء التي اعتاد الأطفال على اللعب فيه. لايوجد سوى عدد قليل من المراحيض للمئات من السكان، وبسرعة انتشر البق فى المكان. بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، يجب على الدول الأعضاء ضمان "مستوى معيشة كريم" إلى الأشخاص الذين يطلبون اللجوء إلى بلدانه. من غير المحدد شكل هذه الحياة، ولكن النوم في صفوف على أسرة مخيم داخل غرفة واحدة مع ما يزيد عن 50 شخصًا آخرين لا يبدو أنه يحقق هذه الكرامة. بعض النساء ممن ينتمين لأسر مسلمة محافظة يضطررن لمشاركة غرف نوم مع رجال لا علاقة لهم بهن، والبعض ينام على بطاطين على أرضية الممرات الرئيسية بالمدرسة. المساعدة مقابل المال يقول بيبى دزرينوف، المشرف على المخيم: "لم يكن المقصود به أن يكون مخيمًا، كما أنه ليس فندقًا- إنه مجرد مدرسة"، القوائم مكتظة، والإمدادات الغذائية لا يمكن الاعتماد عليها والرعاية الصحية فى طور بدائي. من الصعب أن تتلقى المساعدة هنا. ويضيف دزرينوف" هنا...المساعدة مقابل المال."ببساطة، بلغاريا لا تملك القدرة على الاعتناء بضيوفها الجدد. لا يمكن لبلغاريا حتى إطعامهم، يتم توفير جميع المواد الغذائية والملابس من قبل الصليب الأحمر أو الجمعيات الخيرية، والتي تعتمد على التبرعات من البلغار العاديين وجمعيات رجال الأعمال الخيرية والمسلمون البلغار. ويمثل نقص الدواء والأطباء مشكلة كبيرة. العديد من اللاجئين يصلون إلى هنا مصابين بأمراض مزمنة، أو جروح أصيبوا بها في الحرب الدائرة بسوريا الآن. شيء من الإنسانية أحمد مروان شاهد، 23 عامًا، أصيب برصاص قناص بالقرب من منزله الكائن بمخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا. الرصاصة حطمت ساقه، حيث قامت والدته بإرساله إلى أوروبا مع التقارير الطبية مع توصية من طبيبه بأن يخضع لجراحة فى القدم. لا أحد بمركز الاستقبال فى صوفيا ينظر في تلك الأوراق، حيث ينام أحمد على سرير بالمخيم داخل غرفة مع ثمانية آخرين، وقد اضطر لاقتراض المال لشراء الدواء الذي يحتاجه لعلاج ساقه، كما أنه مصاب أيضًا بإرتفاع ضغط الدم، ومن المتوقع أن ينفد المال قريبًا. بلغاريا لا يمكنها مساعدته، لذلك فهو يناشد الاتحاد الأوروبي، قائلاً: "خذوني لبلد آخر للحصول على الرعاية الطبية المطلوبة"، ويضيف: "هل من شيء من الإنسانية."لقد وصلت الدعوات والمناشدات الإنسانية إلى حكومات الاتحاد الأوروبي خلال الشهر الماضي إلى الذروة، عندما غرق 330 صوماليًا واريتريًا قبالة سواحل إيطاليا أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا. وبعد أسبوع، مات العشرات من السوريين في غرق سفينة مماثلة بين مالطا وإيطاليا. تطالب جماعات حقوق الإنسان الاتحاد الاوروبي بتوفير طرق شرعية لطالبي اللجوء تساعد فى الوصول إلى ملاذات آمنة دون المخاطرة بحياتهم. ولكن مع وجود أحزاب سياسية معادية للمهاجرين، يتوقع لها أن تحقق نتائج جيدة في انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو المقبل، فإن نقاشًا من هذا النوع محدود جدًا. وبدلا من ذلك تعمل الحكومات على تعزيز القوات على حدودها كى تحول دون تدفق المزيد من المهاجرين. سبب واحد هو ما دفع السوريون للتدفق على بلغاريا بمعدل يصل إلى 100 مهاجر في اليوم الواحد، وهو قيام اليونان بإنجاز سياج، العام الماضي، على طول الجزء الأكبر من حدودها مع تركيا. وتسعى بلغاريا لأن تفعل الشيء ذاته في وقت قريب. هذا يعني أن السوريين الفارين من الحرب لن يجدوا سوى الطريق الأكثر مخاطرة إلى أوروبا، البحر. هذا هو الواقع انضمت بلغاريا، الآن، إلى مالطا وإيطاليا في طلب المزيد من المال من الاتحاد الأوروبي من أجل احتواء ظاهرة تنامى أعداد اللاجئين الذين من المتوقع أن ترتفع أعدادهم إلى 11000 على الأقل، مع حلول نهاية العام. وقال مسؤول من الاتحاد الاوروبي ينبغى توفير أموال الطوارئ والدعم اللوجستي، وأضاف: "إنهم يحتاجون ذلك للوفاء بإلتزاماتهم الدولية بشأن عمليات اللجوء. "تقول إليانا سافوفا، مديرة في لجنة جمعية بلغاريا - هلسنكي لحقوق الإنسان، الحكومة البلغارية ينبغي أن تتوقع تدفق المزيد وعليها أن تعد نفسها بشكل أفضل لذلك. وتحذر سافوفا بقية الدول الأوروبية أن ترتكب نفس الخطأ. تقول سافوفا "إن الدول المجاورة تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين السوريين في مخيمات كبيرة مثل هذا المخيم"، وتضيف: "لا يمكنك أن تعيش حياة طبيعية في مخيم، لذلك، فلا عجب أن يبدأ، على الأقل، 10 في المائة من هؤلاء التحرك نحو أوروبا، خاصة مع هذه الأعداد الكبيرة جدًا."بمجرة أن يحصل الرجال أو النساء على حق اللجوء، سيبدأون محاولة صياغة حياة جديدة في بلغاريا. ولكن مع معدلات للبطالة بين الشباب البلغاري لما يقرب من 30 في المائة، فإن فرصة تحقيق مستقبل مشرق لهم بالبلاد تبقى ضئيلة. وتوجه سافوفا القول إلى البلدان الأوربية: "إذا كان هذا البلد لا يوفر الظروف المناسبة لهم للعيش هنا، توقعوا منهم أن يأتوا إليكم"، وتضيف "أنا آسفة، ولكن هذا هو الواقع."هذا الموضوع مترجم عن صحيفة "الاندبندنت" البريطانية