* عبده مباشر: هيكل قال لي المراسل الحربي تتاح له فرصة واحدة في حياته لتغطية الحرب * أخذت سلاح جندي شهيد وحاربت بدلا منه * المصور محمد لطفي: عساف ياجوري أعطي التحية العسكرية للعسكري الذي أسره المراسل الحربي ربما تأتيه الفرصة مرة واحدة للقيام بأهم مهام عمله.. وهي التواجد على الجبهة لتغطية الحرب ، وبالنسبة لحرب أكتوبر كان الأستاذ عبده مباشر مراسل الأهرام الحربي على موعد مع فرصة تمناها كثيرا.. وكان المصور محمد لطفي بعدسته يرصد ما يحدث على الجبهة في أهم وأخطر مهمة لهما .. يرويان حكايتهما مع الحرب ل"محيط" في السطور التالية... ذكريات مع العمل الفدائي يقول الأستاذ عبده مباشر: من قبل حرب أكتوبر وأنا لي ذكرياتي مع العمل الفدائي والدفاع عن مصر، ففي سنة 1951 كنت أصغر فدائي، عندما تطوعت في كتائب الوفد لمحاربة القوات الإنجليزية، وكان عمري وقتها 14 سنة، ومن بعدها وأنا قررت أن أكرس طاقتي لخدمة الجيش، فدرست الحقوق وعملت صحفياً ومراسلاً عسكرياً، وبدايتي كانت في الأخبار منذ 1958 وحتى 1968، ثم عملت بالأهرام منذ هذا العام، وعندما قامت نكسة 1967 كنت في بعثة تعليمية بألمانيا، ولكن عندما قامت الحرب قطعت المحنة ورجعت لبلدي ، وذهبت إلى إبراهيم الرفاعي - والذي كان يقود قوات الكوماندوز التي كانت تعبر سيناء وتحارب إسرائيل - وقدمت طلب تطوع، وكتبت فيه أن القوات المسلحة ليست مسئولة عني في حالة الأسر أو الفقد أو الاستشهاد، ووافق، ثم ذهبت لمدير المخابرات الحربية محمد صادق ووافق، ثم حصلت على موافقة عبد المنعم رياض رئيس الأركان، ولكن رفض محمد فوزي وزير الحربية الطلب، خوفا من أن أكتب عن أية أسرار تحدث هناك، فرجعت لمدير المخابرات ودموعي في عيني، فكلم الرئيس جمال عبد الناصر، والذي عمل لي استثناء ووافق على طلب تطوعي، وكانت وجهة نظر عبد الناصر أني مدني وسأحارب خلف خطوط العدو، والجبهة عندما تعلم ذلك سترفع من معنوياتها، وبدأت أحارب مع الكوماندوز، ووجودي معهم في هذا الوقت أفادني جدا في عملي كمراسل حربي في حرب أكتوبر بعد ذلك، لأن وجودي مع الجنود قربني منهم كثيرا، وكلهم أصبحوا على معرفة بي، وكنت أعبر مع القوات في قوارب أو في هليكوبتر، وأحارب العدو، واشتركت في عمليات كثيرة حتى وقت وقف إطلاق النار في أغسطس 1970. هيكل يمنحني الفرصة ويقول عن مرحلة حرب أكتوبر :يوم 6 أكتوبر كنت في مكتبي في الأهرام، وكنت مسئولاً عن " ديسك الحرب " ، وفوجئت بالأستاذ هيكل يطلبني في مكتبه، ويقول لي المراسل الحربي تتاح له فرصة واحدة في حياته لتغطية الحرب، وريني هتعمل إيه ، وفي هذا الوقت كان أحمد إسماعيل وزير الحربية مانع تصوير المشهد الافتتاحي للحرب، وثاني يوم أخذت عربية ومصوراً من الأهرام، واتجهت للجبهة، وبدأت عملي كمراسل حربي، وكان لازم تكون معي تصديقات وموافقات لوجودي على الجبهة، ولكن لأنني لست غريبا على كل القوات فلم يمنعني أحد من التواجد على الجبهة، وكنت أول صحفي في الجبهة، وكنت أقسم وقتي بين كل كتائب وفرق الجيش ، فطوال فترة الحرب أخذت الجبهة قياسا ذهابا وإيابا، وكان دوري أن أصل للحد الأمامي للقوات عند آخر منطقة وصلوا إليها، وطول طريقي أسأل عما يحدث، وأتحدث مع رئيس أركان فرقة أو أي جندي أو قائد قام بعمليات متميزة، وأجمع معلومات ، ووجدت أن الناس متلهفة لتعرف ماذا يفعل أبناءهم، فما يهمهم أن أنقل لهم نبض الجبهة، وأريهم بعيني ما الذي يفعله الجيش بالعدو، فكنت عين الناس هناك، وفي نفس الوقت عندما كان يري الجندي أن هناك مدني بجانبه كانت معنوياته ترتفع جدا، وكل ذلك وسط المعركة التي لا تقف، ووسط الدخان، وكنت أتوائم مع ما يحدث. أصعب المواقف أما عن أصعب المواقف التي تعرض لها فيقول :كنت قد وصلت لقطاع الفرقة 16 في منطقة بين الجيش الثاني والثالث، وهي منطقة واسعة ومفروشة بالألغام، وكنت أقوم بعملي عادي جدا، ولكن فوجئنا بلواء إسرائيلي يضغط علينا، فوجدت نفسي اتزنقت، وكان فيه حصار، والقوات الإسرائيلية بدأت هجوماً مضاداً من هذه المنطقة، وضغطت بقوة، فالموقف فرض عليّ أن أتخلي عن عملي كمراسل حربي، وأمسك بالسلاح لأحارب مع القوات، فلم يكن في استطاعتي الهروب، أو أقول لهم محتاج عربية ترجعني لمنطقة غرب، وكان أمامي أن أحصل على سلاح جندي شهيد على الأرض، وهو عبارة عن بندقية روسي، وأمامي أيضا رشاش إسرائيلي مقتول، ولكني أخذت السلاح المصري من الشهيد، وبدأت اشتبك، والدنيا كانت تمطر ناراً من كل مكان، وكنت أضرب الرصاص في الاتجاه الذي يأتيني منه الضرب، ولم أكن أري من أمامي، والرصاص كان يطير من ورائي ومن فوق رأسي، ثم تحركت مع مجموعة الإخلاء عندما كان هناك إخلاء للجرحى، وأكملت مهمتي كمراسل حربي حتى وقف إطلاق النار. شرف التصوير على الجبهة ويروي المصور الصحفي محمد لطفي حكاياته مع الحرب قائلا: كان لي الشرف أن أكون على الجبهة في حرب أكتوبر 1973، وصورت البطولات التي قام بها الأبطال، فقد كان يتم الاختيار من خلال جريدة الأهرام وتم تكليفي بتغطية كل الأحداث الموجودة على الجبهة حيث تم إخطار إدارة الشئون المعنوية باسمي لاستخراج التصريح الخاص بي، والذي بمجرد استخراجه أصبحت تابعا للإدارة حيث أتلقى الأوامر منهم طوال الوقت كأي مجند بالجيش المصري. الاستعداد للمعركة بدأت إدارة الشئون المعنوية قبل الحرب بأربعة شهور بمنحنا تدريبات بالقوات المسلحة والتي لها علاقة بكيفية التعامل مع حقول الألغام والقصف الجوي، فارتديت الزي الميري الذي لا يتميز عن زي زملائي المجندين إلا بشارة المراسل العسكري وبدأت التدريب، ولم أكن أعرف سبب الحصول على هذه التدريبات إلا ساعة إعلان الحرب، وقامت الإدارة بتوزيع المراسلين على مناطق مختلفة، فتم توزيعي على القطاع الأوسط للجيش الثالث الذي كان يرأسه اللواء عبد المنعم واصل بمنطقة السويس، فبدأت بمنطقة بور توفيق أثناء حصار الجيش المصري لإحدى النقاط الحصينة للصهاينة على خط بارليف التي تتحكم في المدفعية الإسرائيلية في عيون موسى وتوجه طيرانه لضرب بور توفيق والسويس والأدبية ، فكانت المدينة كلها مدمرة فصعدت فوق أنقاض إحدي العمارات لأري منطقة المعركة بأكملها، وسجلت تعامل قوات الصاعقة المصرية مع الجنود الإسرائيليين حتى يوم 12 أكتوبر، حيث أن هذه النقطة الحصينة كانت تسيطر على مدخل قناة السويس من ناحية الجنوب وكانت القوات البحرية الإسرائيلية تحاول فك الحصار بشتى الطرق حيث حاولوا ضرب المدفعية والطيران ولكن لم يتمكنوا. اليهود يرفعون الرايات البيضاء قمت بتصوير القوات الإسرائيلية وهي ترفع الرايات البيضاء للاستسلام حيث أنهم طلبوا أن يكون التسليم تحت إشراف الصليب الأحمر الدولي والذي جاء بالفعل وطلبوا منهم رفع الراية البيضاء وجاء الملازم الذي تولى قيادة الموقع مع أربعة ضباط بعد قتل الميجور قائد الموقع الرئيسي، وقدموا التحية لقائد الصاعقة المصري الذي رفض تسليم الموقع إلا بعد أن يعودوا لجلب العلم الإسرائيلي من هناك وهو ما تم بالفعل حيث أعطاه التحية بيده اليمنى وبيده اليسرى العلم الإسرائيلي منكسا، وقد سجلت كل هذه الصور ولكن صورة تنكيس العلم تحديدا حينما أرسلناها لوكالات الأنباء قامت إسرائيل بمنعها لأنها تقريبا كانت مسيطرة على هذه الوكالات في هذا الوقت، وصورت الموقع بعد التسليم، وجدناه محصناً بشكل كبير حيث له ساتر ترابي ارتفاعه 20 متر يجعل من اللسان منطقة صعب تدميرها، كما وجدناه محصنا ب 25 ألف لغم أرضي بخلاف الأسلاك الشائكة ويحتوي على 7 دبابات. معركة اللواء 190 سجلت أحداث معركة اللواء 190 الذي كان يقوده العقيد الإسرائيلي عساف ياجوري، فقد استطاعت قوات المشاة المصرية من تدمير اللواء بأكمله في زمن قياسي وأسر عساف ياجوري، وسجلت لحظة تعريف نفسه على اللواء حسن أبو سعده حيث تحدث بالعربية وطلب حسن المعاملة وكان له ما طلبه، ولكنه طلب أيضا أن يرى العسكري الذي أسره وحينما رآه أعطى له التحية العسكرية لأنه لم يكن يصدق أن اللواء كاملا يدمر في 24 ساعة فقط. المدفعية تغطينا الحقيقة هناك الكثير من المخاطر لأنك في النهاية داخل أحداث الحرب فكان زملائي المجندين يموتون بجواري ولكن فرحتنا بتحرير الأرض وحماسنا كانا ينزعان الخوف من قلوبنا، هذا بخلاف العوامل المساعدة حيث أن المدفعية المصرية كانت تغطينا من القصف الجوي كما كان معنا مندوب من الشئون المعنوية يوجه المراسلين العسكريين للحركة بعيداً عن الألغام.