نسير عكس اتجاه ثورة يناير الهجمة الفلولية العسكرية جاءت بمباركة مدعي التحضر الحل الأمني لم ينفع ناصر ولا مبارك .. وفكرة الإخوان لن تسقط جوائز الدولة الآن مكايدة سياسية لمؤيدي الشرعية يستعد الناقد الأكاديمي البارز الدكتور حسام عقل لإطلاق حركة "البديل الحضاري" بمشاركة واسعة من المثقفين والسياسيين , وتهدف الحركة للم الشمل المصري والدفاع عن الحقوق والحريات التي رأوا أن السلطة الانتقالية الراهنة تتغول عليها ، وفي ظل حالة خطيرة من الاقتتال الشعبي يزكيها ويدعمها نجوم الفضائيات ممن يصفون أنفسهم بالنخبة وهم ليسوا كذلك . يقول عقل في تصريحات خاصة لشبكة "محيط" : لدى قطاع عريض من المثقفين إحساس غالب بعد تعطيل المطبوعات بأننا لا نتحرك في امتداد ثورة يناير ولكن في معكوسها بما في ذلك الهجمة الفلولية الضارية على كل المواقع والوزارات . وبخصوص حركة البديل الحضاري التي أسسها عقل قال : الحركة تضم عددا من الشخصيات الوطنية الليبرالية وغيرها ومنهم اللواء عبدالحميد عمران والدكتور بشير عبدالفتاح ، وهي حركة فكرية لتحقيق مصالحة تاريخية بعد الشق الاستقطابي الذي جرى بالمجتمع في ظل حالة اقتتال وتطاحن ، والحقيقة أن القواسم المشتركة أكبر بكثير بين الفريقين ولكن هناك من يغذي الفرقة بينهم ، وليس هناك أمل في حل المعضلة بشكل أمني، ولكننا بحاجة لحل فكري أولا . سألناه : ما الذي شاهدتموه ودفعكم للقلق وتشكيل الحركة الجديدة للمصالحة؟ وأجاب: كتبت قبل 30 يونيو بأسبوع واحد مقالا بصحيفة "أخبار الأدب" بعنوان "دماء غير مصنفة" وقلت فيه أن حفلة شواء بشري سنقبل عليها، وسيقودها ليبراليون متمترسون بالعسكر، وإسلاميون متمترسون بأحزابهم وجماعاتهم، وحالة دفع للجيش للنزول وهو ما قاد للعبة خطيرة تتغول على الحريات كلها ، وستظل المعضلة قائمة فأي انتخابات مقبلة سيكون نتائجها فوز للإسلاميين إلى جانب الليبراليين فكيف سيشتركون ببناء وطن في ظل حالة الانقسام الحالية ؟! وحين سالناه : هل ثمة تجارب ناجحة تتشبهون بفكرها؟ أجاب عقل : تركيا مثلا شهدت اربع انقلابات عسكرية ومنها المرتبط بالجنرال جودت سوناي وفي كل مرة كان الجيش يقمع الحريات والحياة المدنية، فتشكلت لجنة ال63 من شخصيات مستقلة تقف على مسافة واحدة من الوطن بعد انقلاب كنعان افرين في الثمانينات، وقد نجحت بإذابة كل الخلافات فمهدت لكتابة الدستور ودوران الحراك الشعبي ونجحت تركيا وصارت الدولة ال16 بين اقتصاديات العالم . وكذلك في روسيا بعد الثورة البلشفية 1917 استطاعت لجنة حكماء عمل مصالحة . وقام جون لوك أبوالفكر الليبرالي بتقديم كتابه الهام "رسالتان في الحكومة المدنية" ليقوم بالهدف نفسه في بريطانيا . في مصر يجري لدينا العكس فالمثقفون يدفعون بالاستقطاب لمنحى خطير، وهم يعمقون ثقافة الكراهية في وسائل الإعلام ومعهم المشتغلون بالعمل السياسي، وبالطبع حين تدار مسائل الحكم من الشارع فلا تتصور غير حلولا فوضوية بعيدة عن المنطق . سألناه : ما سبب هجومك على الحركة الليبرالية المصرية؟ فرد : الأزمات الحالية جعلتني أتشكك في حقيقة ولاء الليبراليين ، وقد قلت في محاضرة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب العام الماضي أن من يدعون أنفسهم ليبراليين في مصر، ليسوا هكذا على الإطلاق، وبالتالي فقد انصرفت عنهم الجماهير وعرفت حقيقة أنهم يستقوون بعصا الأمن والجيش على الشعب وعلى معارضيهم، وهم من استغلوا عزل الإخوان ليظهروا على المشهد ، ولنتذكر سعد زغلول باشا زعيم الأمة الذي كان صادقا في إيمانه بحقوق الإنسان وبالديمقراطية فكانت شعبيته كاسحة . لكن تظل هناك استثناءات كثيرة، فلدينا ليبراليون شرفاء أمثال وائل قنديل أو عمرو حمزاوي وغيرهما ولدينا أيضا إسلاميين شرفاء وليسوا تابعين لجماعات تؤثر باستقلالية فكرهم كالدكتور محمد عمارة والدكتور ناجح ابراهيم . وبسؤاله : البعض يرجح الحلول الامنية فما سبب رفضك لها؟ اكد عقل : الحل الأمني لن يستمر في معضلتنا ، فقد اعتقل مبارك 50 ألف من الإخوان المسلمين وأقام عليهم سبع محاكمات عسكرية وقتل السنانيري، ولكن الجماعة قامت بعده من جديد، وما فعله عبدالناصر كان أشد على جماعة الإخوان فقد قتل منهم عددا ليس هينا وعذب الآلاف بالمعتقلات، ومع ذلك قامت الجماعة من جديد، وبالتالي فاستئصال الجماعات المبنية على فكرة مستحيل، أما الحوار بالفكر فهو الأجدى وقد قمنا بمحاورة عدد كبير من أصحاب الفكر الجهادي المتشدد وعادوا عن غيهم . ما أقوله يجنبنا ظروف العشرية السوداء بالجزائر والتي أزهقت فيها 200 ألف نفس بعد انقلابات عسكرية أيضا، واضطرت السلطات في النهاية لإخراج عباس بومدين والاتفاق معه على نبذ العنف لأن الدولة كانت على شفا السقوط وتردى اقتصادها كثيرا . وردا على تساؤل آخر حول سبب رفضه جوائز الدولة هذا العام ؟ يقول عقل : مصر بسياقاتها الراهنة المؤلمة على الساحة السياسية كان عليها التريث قبل منح جوائز الدولة، ذلك أننا نعيش حالة من التشرذم التام على المستوى الأهلي، ومع التقدير لأسماء كبيرة حازت جائزة الدولة هذا العام ومنهم الشاعر الكبير سيد حجاب، فإنه لم يكن قرارا حكيما منح الجوائز الآن. منح جوائز الدولة الآن يحمل معنى المكايدة السياسية للفريق المنحاز للشرعية الديمقراطية، وكأن القيادات البديلة تصر على إثبات وجودها بتشكيلاتها ورموزها، ورغم ما نراه أساسا من عيوب هيكلية في جوائز الدولة ومنها سيطرة أسماء معينة وأجيال معينة أيضا على لجان التصويت بالأعلى للثقافة، وكون المجلس مجرد كيان متكلس حاليا وتابع تماما للسلطة الحاكمة، إضافة لسيطرة المكون الفلولي الذي يعود بالولاء لزمن مبارك بشكل فاضح ، وهو المكون الذي بدا جليا في وزارات أخرى غير الثقافة أيضا بعد عزل الرئيس محمد مرسي . وبسؤاله عن اقتراحاته لتصل جوائز الدولة لمستحقيها ؟ يقول عقل : لابد أن يسارع المثقفون بالتجديد الدوري للمجلس لضمان تجدد الرؤى والأجيال والأسماء، وهو ما سينعكس على واقعنا الثقافي ومن ضمنه جوائز الدولة بالطبع ، وكذلك دعا لتوسعة دائرة الترشيح لجوائز الدولة بحيث لا تكون مؤسسات الدولة وحدها كالقاضي المنفرد على المنصة ولكن أن تمارس منظمات المجتمع المدني دورها الأصيل في التذكير بالمبدعين الجادين في شتى المجالات وأن يكون ذلك بمحددات معينة تضمن جودة المنتج الذي يطرحه المبدع واشتماله على السمات الفنية واستحقاقه للمنافسة، وربما لهذه الأسباب تعد جوائز الدولة التشجيعية هي الأفضل لاشتمالها على معايير واضحة لمنحها . من جانب آخر، ادعو لتفكيك القبضة المركزية في عمل اللجان التي تركز على العاصمتين القاهرة والاسكندرية، فلابد أن يصل التقييم لمختلف المحافظات والأقاليم ، مع إعادة النظر بلائحة المجلس بخصوص جوائز الدولة ومنها أنه لا يجب أن يحصل على الجوائز التشجيعية من تعدى سن الخمسين مثلا . وهناك مسألة إضافية وتتمثل في أهمية تصويت لجان متخصصة لكل فرع من الجائزة، لا أن يكون التصويت مفتوحا ويقوم به إلى جانب المثقفين فئة عريضة من الإداريين ، وهو أسلوب يحكمه المجاملات والتحيزات للأصدقاء ، مع ضرورة التخفف من التأثر بواقع الميديا والخطاب الإعلامي الذي يفرض وجوها بعينها ويجعلها في الصدارة دون استحقاق . يذكر أن الناقد قال حول طبيعة الفائزين بالجائزة، أنه لا شك فإن عملية منح الجوائز باتت مؤدلجة تعتمد على تقييم المشروع الأيديولوجي للمرشح أكثر من إبداعه ذاته، وما من شك أن مثقفا ما يرى أن ما جرى بمصر انقلابا عسكريا على سبيل المثال، سيكون غائبا عن مشهد الجوائز! وما من شك – في وجهة نظر حسام عقل – أن من رسموا المرحلة الانتقالية التي نعيشها هم من حصدوا غنائمها في كافة المجالات بقطع النظر عن الاستحقاق لها .