أخيرا قررت السلطات المصرية، فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة"، بالتدخل الخشن.. وحتى كتابة هذا المقال، لم يعرف أحد على وجه اليقين، عدد الضحايا، بعد أن أعلنت الداخلية، سيطرتها الكاملة على ميدان النهضة. وليس بوسع المراقب إلا أن يتساءل عن السبب الذي حمل صانع القرار في القاهرة على أن ينهي الاعتصامات بالقوة؟! مقابل سؤال آخر، بشأن رغبة الإخوان في أن تصل الأمور إلى مثل هذا الصدام؟!ويبدو لي أن الجماعة، كانت مندفعة بشكل مدهش، صوب الوقوع في "الشرك" الذي كان منصوبا لها في رابعة وفي غيرها من الأماكن التي قررت الاعتصام بها، ولم تدرك بأن السلطة بمضي الوقت ومع تعثر المفاوضات لم تعد راغبة في أية تسوية سلمية مع الجماعة، فيما نجح الجيش في توظيف "سعادة" الإخوان بالموقف الدولي المتحفظ إزاء قرارات 3 يوليو لصالحه، وتغريرها باتخاذ مواقف أكثر تشددا ورفضا للحوار.. إذ راق للقيادة السياسية المدعومة من الجيش، مثل هذا التصلب الإخواني، وذلك في إطار قناعة تسللت إلى ضمير المفاوض الرسمي بأن الإخوان لا تصلح لأن تكون جزءا من العملية السياسية الجارية الآن.. وأن التسوية السلمية ربما تفرض استحقاقات تحفظ للجماعة نصيبا من "التورتة".. وهذا لم يعد مدرجا في حسابات جنرالات الجيش من جهة، ولا يحظى بحماس شركائهم المدنيين من جهة أخرى. لم تدرك الجماعة بأن تصلبها لم يعد في صالحها، وإنما في صالح الآراء الجديدة، التي تعتقد باستحالة دمج الإخوان في المجتمع السياسي السلمي، وأن أصحاب هذه الآراء، كانوا يدفعون في اتجاه الحل الأمني للأزمة، لأن هذا الحل، يستحيل معه "تدليل" الجماعة، ومكافئتها على صنيعها الذي أحرج الحكام الجدد أمام المجتمع الدولي، وتعمد إثارة الفتن داخل الجيش والوقيعة بين ضباطه وقياداته، وسقوط عدد من الضحايا قبل وأثناء فض الاعتصامات التي بدأت فجر اليوم. الجماعة التي وثقت في "واشنطن" وراهنت على المجتمع الدولي، لم تدرك الفارق بين ما استقر عليه الرأي العام الغربي على أن ما حدث في مصر "انقلاب عسكري" وبين أن تبنى عليه القوى الغربية "موقفا سياسيا" من القاهرة.. وهو لم يحدث ولن يحدث.. وهو الخطأ الذي أفضى إلى خطأ أكبر، حين ترجمت الإخوان موقف الغرب "القانوني" من قرارات يوليو بوصفه "انقلابا" باعتباره دعما لموقفهم السياسي والحركي في الشارع، ما زادهم صلفا وتشددا ورفضا للحوار مع السلطة. وذلك بالتزامن مع تنامي الآراء داخل النخبتين العسكرية والسياسية بعدم جدوى دمج الجماعة في التركيبة السياسية المقررة في مرحلة ما بعد مرسي.. ما جعل "التشدد الإخواني" دعما للقوى المتشددة داخل السلطة ذاتها.. وانتصارا لموقفها الداعي إلى إنهاء الوجود الإخواني ليس في رابعة والنهضة وحسب.. ولكن الوجود المؤسسي والتنظيمي للجماعة على كل مستوياته وتجلياته : الشرعية "الحزب" وغير الشرعي "الجماعة".. بوصفها تنظيما خطرا على الدولة الوطنية.