الحل لن يكون إلا سياسيا للأزمة الحالية التي تمر بها مصر، صحيح أن البعض يرون أن فض اعتصامي رابعة والنهضة يجب أن يكون بالقوة لما ثبت من خروج مسيرات المعتصمين منهم عن السلمية وتسببهم في سقوط العديد من الضحايا فضلا عن توجيه اتهامات لهم بقتل بعضهم البعض للظهور بمظهر الضحية لاستعطاف وتقليب الداخل والخارج على السلطة الانقلابية -على حد تعبيرهم- مما يصب في تحقيق مكاسب سياسية لهم لعل أهمها رفع تجميد الأرصدة الخاصة بالجماعة والإفراج عن القيادات الإخوانية بالإضافة إلى تواجد سياسي في البرلمان والحكومة القادمتين مع الإبقاء على الدستور مع بعض التعديلات التي لا تؤثر على الصبغة الدينية التي تسيطر عليه. في حين يرى البعض الآخر أن فض هذين الاعتصامين لا يجب أن يكون بالقوة لأنه لا يوجد مبرر أخلاقي يدعو لاستخدامها في وجه إناس يعبرون عن وجهة نظرهم ويرفضون عزل رئيس شرعي من وجهة نظرهم، فضلا عن عدم رضاء قطاع كبير من الشعب عن استخدام القوة وقتل مصريين في الأول والآخر. وبين وجهة النظر الأولى والثانية تكمن عوامل ومؤثرات كثيرة أرى أنها تصب في صالح الحل السياسي ومن الممكن سرد بعضها كالتالي: - حصول السلطة الحالية على تفويض شعبي جارف على محاربة الإرهاب يمنحها شرعية كاملة لفض هذين الاعتصامين بالقوة دون إدانة داخلية كبيرة – من وجهة نظرها- ولكن تبين أن سقوط ضحايا من هذا الجانب (مهما كان الفاعل الحقيقي) يصيب العديدين بالصدمة والتعاطف معهم، وهذا ما تخشاه السلطة القائمة لأنها في أمس الحاجة للحفاظ على الدعم الشعبي الذي تستمد منه شرعيتها. وفي الوقت نفسه فإن السلطة القائمة بإعلانها محاربتها الإرهاب تضمن تحييد الغرب وعدم إدانته لاستخدامها العنف في مواجهة الإرهابيين– وذلك وفق اعتقادها- ولكن ماذا لو لم يعترف الغرب بأن المعتصمين ينتمون لجماعات إرهابية يستوجب مواجهتها بالقوة ؟؟ - يتضح من التحرك الدولي منذ 30 يونيو وعدم حسم بعض الدول لموقفها تجاه شرعية ما أسفر عنه هذا التجمع غير المسبوق على مستوى العالم وأدى إلى عزل الرئيس السابق محمد مرسي، ومن أهم هذه الدول أمريكا، يتضح أنها سوف تعمل جاهدة على استخدام هذه الاعتصامات للضغط لتحقيق مصالح لها، والحيلولة دون تصنيف السلطة القائمة في مصر لجماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي بأنهم جماعات إرهابية يجب مواجهتها بالقوة، وذلك لإنقاذ الإدارة الأمريكية الحالية من مقصلة الكونجرس والتي قد تؤدي إلى سحب الثقة من الرئيس أوباما. وبالتالي سوف تعمل أمريكا جاهدة على إعادة إدماج جماعة الإخوان في الحياة السياسية وتمثيلها في مؤسسات الدولة بنسبة مؤثرة خاصة في البرلمان والحكومة، والضغط للإفراج عن قيادات هذه الجماعة والحيلولة دون إثبات تهم مثل التحريض على استخدام العنف ضد المتظاهرين فضلا عن أن إثبات هذه التهم يحتاج إلى أدلة دامغة لإدانة هؤلاء إلا من توفرت ضده أدلة مثل أشرطة فيديو والتي يحرضون فيها على العنف مثل صفوت حجازي وطارق الزمر والبلتاجي في حين أنه لا توجد أدلة مماثلة ضد خيرت الشاطر وهو الذي تضغط جماعة الإخوان والإدارة الأمريكية للإفراج عنه. بالإضافة إلى ذلك فإن أمريكا تسعى جاهدة إلى دمج هذه الجماعة في الحياة السياسية حتى يتسنى لها ضمان عدم استخدامها للعنف مرة ثانية أو توجيه هذا العنف ضد أمريكا نفسها. - يمكن ملاحظة التغير في تصريحات الاتحاد الأوروبي الذي استوعب ما حدث في مصر ورأى أنه ليس انقلابا عسكريا ولكنه إرادة شعبية، فنجده يؤكد على ضرورة الدخول في عملية ديمقراطية تشمل وجود كافة القوى السياسية، فضلا عن المطالبة بالإفراج عن القيادات الإخوانية، وعدم استخدام العنف أي رفض فض الاعتصامات بالقوة لأنها ترفض ضمنيا اعتبار هذه الجماعة كجماعة إرهابية. - كان من ظهور روسيا بشكل قوى في المشهد المصري بعد 30 يونيو وإعلان الرئيس بوتين بأن الاعتداء على الشعب المصري يعتبر اعتداءا على روسيا نفسها وإعلانه استعداده لتسليح مصر دون شروط، ثم تشجيعه لمكافحة مصر للإرهاب ضد جماعة الإخوان، أن يدفع القوى المختلفة في عدم الضغط المبالغ فيه على السلطة القائمة وتلبية كافة مطالب جماعة الإخوان دون الاكتراث بإحداث توازن يضمن استمرار الدعم الشعبي للسلطة القائمة، وهذا لما بعث به الموقف الروسي تجاه 30 يونيو برسائل لعدة جهات كالتالي: 1- وجهت روسيا رسالة لجماعة الإخوان التي أعلنت دعمها للمعارضة السورية وتسليحها وقطعت العلاقات مع دمشق - التي كان لها دورا في انفصال الجمهوريات الإسلامية عن الاتحاد السوفيتي السابق- مفادها أنها ستقف ضدها في سوريا ومصر أيضا. 2- الرسالة الثانية موجهة للسلطة القائمة في مصر وخاصة الجيش المصري مفادها أنها الداعم عسكريا للجيش وداعما سياسيا أيضا وخاصة في استخدام حق الفيتو في الأممالمتحدة التي يلوح بها الجميع كسيف على رقبة مصر في حالة عدم امتثالها لطلبات أمريكا والاتحاد الأوروبي بدمج جماعة الإخوان في السلطة والتصعيد ضدها ومحاولة فرض عقوبات على مصر تحت أي مسمى. 3- الرسالة الثالثة موجهة للولايات المتحدة التي ترغب في إنهاء النفوذ والوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في سوريا التي ترغب في إسقاط نظامها الموالي لروسيا بآخر موالي لأمريكا، مفادها أن نفوذ روسيا في المنطقة سوف يشمل مصر أيضا. - هنا يصعب الاكتفاء بإلقاء الضوء على الدور الغربي والذي سوف يضغط في اتجاه الحل السياسي والبعد عن استخدام العنف ومن ثم هناك دور لدول إقليمية في المنطقة لها مصالح في حل الصراع سياسيا ومنها تركيا التي لا ترغب في حل جماعة الإخوان في مصر ومن ثم يتم القضاء على عودة دولة الخلافة التي يحلم أردوغان بقيادتها، وإسرائيل التي تخشى من التدخل الروسي في مصر والذي يمكنه قلب ميزان القوى لصالح مصر بتسليح مصر بأسلحة قادرة على الوصول للعمق الإسرائيلي ومن ثم تفقد إسرائيل هذه الميزة في التعامل مع مصر والقضية الفلسطينية التي كانت ترغب في تصفيتها على حساب أراضي في سيناء والأردن ومن ثم لا خيار أمامها إلا وجود جماعة الإخوان في السلطة ولو بشكل رمزي أملا في وصولها ثانية للحكم لتنفيذ مخططهما ثانية، فضلا عن رفض إيران تهميش جماعة الإخوان سياسيا، حيث لا تختلف نظرتها لاستمرارها في الحكم عن تركيا نفسها، في حين أن السعودية رغم رفضها لوجود الجماعة في الحكم إلا أنها سوف تقبل بوجودها في مقابل وجود سلفي يتمثل في حزب النور لتعادل به الوجود الإخواني في السلطة. بالإضافة إلى كل ما سبق يمكن التنويه إلى عدم رغبة السلطة القائمة في خسارة دعم الشارع لها، خاصة إذا كان هناك نية للبقاء في الحكم –كما يتوقع بعض المحللين السياسيين- بأشكال عدة حتى لو تم ترشيح شخصية ذات خلفية عسكرية بعد استقالتها من العمل بالمؤسسة العسكرية، ومن ثم يصب كل ذلك في تحرك الجميع إلى إيجاد حل سياسي يقبله الشعب نفسه ولا يظهر السلطة القائمة بأنها قدمت تنازلات أو أنها فرطت في التفويض الشعبي والشرعية الذي منحتها جموع الشعب لها. وهنا فإن فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة لن يحقق مصالح أي طرف من الأطراف السابقة الداخلية والإقليمية والدولية، فمن الثابت من المبادرات التي طرحتها جماعة الإخوان، أنها تريد الإفراج عن القيادات السياسية كما جاء في مبادرة رئيس الوزراء السابق هشام قنديل في مقابل التوقف عن الخروج في مسيرات والالتزام بأماكن التظاهرات المحددة، في حين كان المرشد العام للجماعة أكثر وضوحا عندما طلب من الفريق أول السيسي الإفراج عن خيرت الشاطر نائب المرشد وعدم الزج باسمه في أي قضية من القضايا وإلغاء قرار التحفظ على أمواله، وذلك في مقابل فض اعتصام ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة. كما قدمت مبادرة من قبل الدكتور محمد سليم العوا، والمستشار طارق البشري مفادها عدم المساس بالدستور الإخواني لأنها جاءت مستنده إلى مواده خاصة المادتين 141 و142 من الدستور والتي يجب بمقتضاهما أن يفوض رئيس الجمهورية سلطاته الكاملة، لوزارة مؤقتة جديدة يتم التوافق عليها في أول جلسة سياسية، على أن تدعو الوزارة المؤقتة في أول اجتماع لها لانتخابات مجلس النواب خلال 60 يوما ثم يشكل بعد الانتخابات وزارة دائمة، على أن يتحدد بعد ذلك إجراءات انتخابات رئاسية وفقا للدستور ثم إجراء تعديلات الدستورية المقترحة. بصرف النظر عن عدم واقعية هذه المبادرات وتجاوزها لما هو كائن بالفعل على أرض الواقع، إلا أنها وضعت ثلاثة مطالب محددة وهي الإفراج عن القيادات السياسية والأرصدة المجمدة وتعديلات محدودة على الدستور بما يحافظ على إضفاء الصبغة الدينية عليه، أملا في العودة مرة ثانية للحكم. وما لاشك فيه أن هذه المطالب تتوافق عليها وتحقق مصالح السعودية وتركيا وأمريكا، وهي المطالب المطروحة على طاولة المفاوضات بين السلطة القائمة وبين الأطراف المذكورة، ومن ثم فإن المفاوضات قد يتم الاتفاق فيها على الاستجابة لمطلب الإفراج عن خيرت الشاطر ولكن ليس في الوقت الحالي حتى لا ينتفض الرأي العام الداخلي، كما قد يكون هناك إمكانية للإفراج عن الأرصدة ولكن مع الحصول على ضمانات بفض الاعتصامين حتى لا تستخدم هذه الأموال في استمرارهما، أما المطلب الثالث فقد تم تحديد 16 مادة من مواد الدستور لتعديلها ومن ثم سيكون في انضمام ممثلين للتيار الإسلامي في لجنة الخمسين حلا وسطا للوصول إلى تعديلات مقبولة من الطرفين، خاصة أن موافقة الشعب على خارطة الطريق التي عرضتها السلطة الحالية بات من المستحيل الرجوع عنها في الوقت الحالي... وأخيرا فإن الحل السياسي يلقى بظلاله وبقوة على المشهد السياسي المصري.