يقول الإخوان إن الوفود الأجنبية المتتابعة إلى القاهرة، للوساطة لحل الأزمة، تعني "فشل الانقلاب".. وبعض قياداتها فسرته بأنه "اعتراف" غربي بأن مرسي لا يزال "الرئيس الشرعي".. وأنه ربما تكون عودته قريبة جدا!هذا التفسير الإخواني ل"الوساطة" الغربية، يقفز على عدد من الحقائق، يتجاهل أحد أهم الأسئلة بشأن ما إذا كانت القوى الغربية مستعدة، للتضحية بمصالحها مع الجيش المصري، من أجل عيون "الجماعة" و"مرسي"؟!. حماس جاءت إلى الحكم في فلسطين عبر "الصندوق".. ومع ذلك انحاز المجتمع الغربي إلى مصالحه مع إسرائيل.. وليس إلى "الشرعية" التي جاءت عبر الاقتراع الديمقراطي الحر. وعلى صعيد التقاليد الوطنية المصرية، فإنه لن يقبل الرأي العام، بأية "هزيمة سياسية" قد تلحق بالجيش .. أو أن تنال من كبريائه العسكري.. وهي الحقيقة التي تقفز عليها الإخوان، وهي تعرف على وجه اليقين الإجابة، حال خُيّر الشعب بين "الجماعة" وبين الجيش الوطني.. وحتى إذا لم يرض قطاع من المصريين عما حدث في 3 يوليو، فإن الإخوان أداروا الأزمة، بافتراض أنه يتعين على الشعب التضحية بجيشه الوطني من أجل عيون الجماعة ورئيسها المعزول.. وهي واحدة من الأخطاء الكبيرة، التي تعكس سوء تقدير الجماعة، للواقع.. ما جعلها تتحرك في فضاء افتراضي، يعتمد على "الهوس" وليس على الشروط الموضوعية على الأرض. الحضور الغربي جاء بدعوة من "السلطة" وليس من "الإخوان".. وهي المفارقة التي أيضا أساءت الجماعة تقديرها.. إذ لم تدرك معنى ومغزى"تساهل" الحكومة المعينة، في مثل هذه المسألة التي كانت لوقت قريب موضع انتقادات بوصفها "تدخلا" غير مقبول في خلافات سياسية داخلية. الإخوان سعداء بهذا الحضور الغربي، ومتفائلون به، ويعتبرونه دليلا على "تعاطف" المجتمع الدولي معهم من جهة.. وانتصارا مرحليا على جنرالات الجيش من جهة أخرى.. ولم يستدعوا الافتراض الأقرب إلى الحقيقة، وهو أن الحكومة شاءت استدعاء "شهود" غربيين على تشدد الجماعة ورفضها الحوار والقبول بخارطة المستقبل.. وإصرارها على عدم الدخول في العملية السياسية الجديدة.. وهي "شهادة" تأتي من قبيل "إبراء الذمة".. حال قرر الجيش فض اعتصام "رابعة" و"النهضة" بالقوة.. بمعنى أنه حضور يمهد لمحنة جديدة للجماعة، وليس رحمة بها أو رفقا برئيسها المعزول. تعودنا من الإخوان، بأنها تفهم كل الرسائل "خطأ".. وتأتي تقديراتها للواقع، على عكس منطق الأشياء وحركة التاريخ.. وتسيء تقدير الموقف بشكل مذهل.. ولأول مرة نرى في العالم، جماعة سياسية، تقع في الأخطاء الإستراتيجية الكبرى، بشكل منظم وممنهج.. وكأنها تستعذب وتتلذذ بالأخطاء والخطايا.. ولعلنا نلحظ هنا أن خطأ المرشد الثاني حسن الهضيبي مع "عبد الناصر".. هو صورة طبق الأصل من خطأ المرشد الحالي محمد بديع مع "السيسي".