بدا وكأن تجربتها في الحكم قد انهارت وتبددت كتنظيم قوي ضارب بجذوره في أعماق الواقع المصري، وحتى في محيطه العربي والإسلامي أيضاً كان صعباً أن يردد مثل هذا الحديث قبيل تظاهرات الثلاثين من يونيو التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين وبالرئيس المنتخب محمد مرسي. ومما يعمق من احتمالية تحقق هذه الحديث هو ظهور بادرة جديدة تسير نحو ذلك، ولاسيما بعد ظهور حركة جديدة تطلق على نفسها حركه "إخوان بلا عنف" تهاجم قيادات جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن تأييدها واعتبارها يوم 30 يونيو ثورة شعبية، رافضين وصفه بانقلاب عسكري على غرار ما يردد قاداتهم من قيادات جماعة الإخوان المسلمين. ظهور الحركة وقد ظهرت هذه الحركة بعد الخطاب الأخير للرئيس المعزول "محمد مرسي" الذي أعلن فيه تمسكه بما سماه ب"الشرعية"، ورفضه وضع أي حلول للأزمة الموجودة عن طريق إجراء استفتاء أو انتخابات رئاسية مبكرة. وتبلورت وظهرت على الساحة بصورة كبيرة بعد أحداث الحرس الجمهوري والمشاهد الدموية التي راح ضحيتها 55 شخصاً. إذ قرر مجموعة من الشباب الإخواني تكوين حركة "إخوان بلا عنف" والابتعاد عن مظاهرات تأييد الرئيس المعزول مرسي، والعمل على تصحيح صورة الإسلام من بعض الأشخاص أو التنظيمات التي أساءت للإسلام، إلى جانب نبذ العنف والرجوع إلى مبادئ الإمام حسن البنا مرة أخرى. وفي مفاجأة قد تمثل صدمة لقيادات جماعة الإخوان المسلمين، طالبت الحركة بسحب الثقة من مرشد جماعة الإخوان المسلمين د.محمد بديع، وذلك لمعاناتهم من تجاهل قيادات مكتب الإرشاد، وذلك عن طريق الزج بشباب الجماعة والمتعاطفين معهم في أعمال عنف وبغي دون سند من الشريعة الإسلامية الغراء السمحة من وجهه نظرهم. كما أكدت على أن بقاءه على رأس مكتب الإرشاد يعرض الجماعة التي أسسها الإمام الشهيد" حسن البناء" للفناء، لذا؛ طالبوه بإعلاء مصلحة الوطن والجماعة على أية اعتبارات أخرى، كما طالبوه بتقديم استقالته فوراً، مع التأكيد على العصيان وعدم النزول لأي فعاليات مقبلة لحين تقديم استقالته، مع التحلل من يمين السمع والطاعة. واستتباعاً لذلك، أكد "أحمد يحيى" مؤسس الحركة عن نزولهم إلى ميداني رابعة العدوية والنهضة لجمع توقيعات من أعضاء الإخوان لسحب الثقة من أعضاء مكتب الإرشاد، وعن بدئهم في طبع عدد من الاستمارات، التي تهدف لسحب الثقة من مرشد الجماعة، وذلك للمنتمين لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين والاستمارة تتكون من خانة الاسم، ثم الرقم القومي، ويليها اسم المحافظة، ثم الشعبة والفئة، وأخيراً رقم العضوية، لافتاً إلى التواصل مع حوالي 400 شاب إخواني عن طريق إنشاء الصفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"؛ مؤكداً استجابة العديد من المنتمين لأعضاء الجماعة لهذه الاستمارة بسحب الثقة من المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين "محمد بديع". مراجعات وفي محاولة لتحليل مضمون هذه الحركة وتداعياتها على جماعة الإخوان المسلمين، يتضح أن هناك مجموعة من شباب الإخوان يريدون القيام بمراجعات لإعادة ترتيب أوراق الجماعة، ولكن ذلك يأتي في وقت تواجه فيه جماعة الإخوان المسلمين أزمة قد تكون الأصعب على الإطلاق في تاريخها الذي بدا قبل 85 عاماً، لاسيما بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي ووضع بعض قيادات الجماعة رهن الاحتجاز، وإحراق الكثير من مقارها، وإغلاق قنوات تليفزيونية تابعة لها ولحلفائها. ومن ثم، بدا وكأنه في طريق الانهيار والضعف كتنظيم قوي بعد أن حافظت الجماعة عليه ثمانية عقود من البقاء والاستمرار كحركة دعوية ذات طابع ديني، وتنظيم سياسي واجتماعي، أعطاها عناصر القوة والتميز مقارنة بالقوى السياسية الأخرى. وبالرغم من دعوة هؤلاء والأعضاء السابقين بها إلى القيام بمراجعات لإعادة ترتيب أوراق الجماعة، وبنيتها التنظيمية، وتجنب الأخطاء التي يرون أن قيادات الجماعة وقعت فيها في الفترة الأخيرة، من أجل مساهمتها بشكل أفضل في الحياة السياسية، وتجنب الإضرار بالمشروع الإسلامي بسبب ما يرون أنه أخطاء من قبل قيادات الجماعة؛ غير أن هذا التوقيت بالتحديد لن يكون في صالح الجماعة والتنظيم الذي بدأت الأصابع والعيون تتربص به في كافة البلدان المتواجد بها، ولا سيما في منطقة الخليج العربي. ومن هنا، تظهر عدة تساؤلات منها: ما هو مصير التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي؟ وهل جماعة الإخوان المسلمين قادرة على تجديد مفاهيمها واستقاء العبر والدروس من تجاربها الفاشلة؟ هل يستطيع شباب الإخوان التأثير في هياكل التنظيم وإعادة بنائه؟ وهل يمكن القول إن الإطاحة بمرسي وتراجع وزن الإخوان لدى بعض قطاعات الرأي العام المصري تعتبر نهاية الإسلام السياسي؟