قال الكاتب الأمريكي مايكل روس في مقاله بمجلة "فورين أفيرز" في عددها الصادر هذا الشهر أن الدول العربية التي تملك آبار النفط وتكسب مليارات الدولارات سنوياً لا ترغب في استمرار "الربيع العربي" لأنه يهدد عروش ملوك ورؤساء هذه الدول. فقبل اندلاع الثورات العربية أوائل عام 2011 كانت منطقة الشرق الأوسط عبارة عن كتلة من الاستبداد، وكان المواطنون في البلاد العربية التي تملك قدراً قليلاً من النفط أو لا تملكه تقريباً مثل مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس يحظون بحرية أكثر من نظرائهم في البلدان التي تملك كميات هائلة من النفط مثل البحرين والعراق والكويت وليبيا والمملكة السعودية.
ويضيف أن من الملاحظ أنه سرعان ما حاولت هذه الدول الغنية إفساد الربيع العربي الذي اندلع في عدد أخر من البلاد العربية التي أطاحت برؤسائها، ولكن في الحقيقة أن الربيع العربي لم يهدد بشكل جدي أحداً من زعماء الدول الغنية إلا معمر القذافي في ليبيا وكان هذا فقط لأن حلف شمال الأطلسي "الناتو" ساعد الثوار الليبيين بشكل مكثف.
ويشير أنه بالنظر إلى المسألة بشكل عالمي فإن الديمقراطية حققت خطوات مثيرة للإعجاب على مدي العقود الثلاثة الماضية، حيث كان 30% فقط من حكومات العالم هي التي تعتبر حكومات ديمقراطية حتى عام 1980 أما الآن فإن 60% منها تتمتع بالديمقراطية.
ولكن من اللافت للنظر، أن معظم هذه إن لم تكن كل هذه الحكومات الديمقراطية التي ظهرت خلال هذه الفترة جاءت في بلاد لا تملك كميات هائلة من الثروة النفطية، حيث كانت الدول التي لا تملك النفط أكثر ديمقراطية بنسبة ثلاثة أضعاف الدول التي تملك النفط بشكل واسع.
ويوضح أن معظم الدول التي تملك احتياطيات كبيرة من النفط مثل ليبيا والبحرين والعراق فشلت في التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية على مر السنين.
ويطلق الباحثين على هذه الظاهرة مسمي "لعنة النفط" حيث أن ثروة النفط تقود إلى الاستبداد وعدم الاستقرار الاقتصادي والفساد بل تصل إلى حد الصراعات المسلحة.
ولكن على النقيض، ينظر المتشككون للأمر بشكل مختلف حيث يقولون أن الربط بين النفط والقمع دائماً ما يكون من سبيل الصدفة وليست قاعدة.
حيث قال ديك تشيني الرئيس التنفيذي لشركة "هاليبرتون" للبترول والذي كان نائباً للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن في مؤتمر خاص بقضايا الطاقة عام 1996 أن الله لم يرى الأمر مناسباً لوضع احتياطيات النفط والغاز في نفس المكان الذي توجد فيه الحكومات الديمقراطية.
ولكن يرى الكاتب في النهاية أنه لا يمكن أن يكون الأمر تدخلاً إلهياً في منطقة الشرق الأوسط لأنه لا يمكن الالتفاف حول حقيقة أن دول هذه المنطقة هي الأقل حرية وديمقراطية بسبب إنتاجها الضخم للنفط.
حيث أن النفط لم يكن على الدوام عائقاً أمام الديمقراطية، فحتى أوائل عام 1970، كانت الدول المنتجة للنفط لا يقل احتمال أن تكون ديمقراطية أكثر من أي دولة أخرى، ولكن من المفارقات، إن ظهور ما يسمى بالشقيقات السبع، وهي حفنة من شركات النفط الغربية العملاقة التي تهيمن على صناعة النفط العالمية والتي جمعت معظم أرباحها، مما كان يعني أن حكومات البلدان التي لديها الكثير من النفط لم تكن تملك المزيد من التمويل ، وليس أكثر قوة على مواطنيها ، من حكومات الدول غير النفطية.
ولكن من أواخر عام 1970، بدأ كل هذا في التغيير، أولاً، خسر الأخوات السبع سيطرتهم على سوق النفط العالمية نتيجة ارتفاع نفوذ شركات النفط المستقلة مثل شركة جيتي، وستاندرد أويل في أوهايو، وشركة ايني الايطالية المملوكة للدولة.
وفي الوقت نفسه، تجمعت الدول المصدرة للنفط معا لإنشاء منظمة البلدان المصدرة للنفط، "أوبك"، والتي عززت نفوذها على الشركات القديمة والجديدة،وتجمعت هذه التطورات، جنباً إلى جنب مع الحظر النفطي العربي عام 1973 التي أعقبت الحرب العربية الإسرائيلية، بسبب ارتفاع أسعار النفط لتقفز من 2.50$ للبرميل في عام 1972 إلى نحو 12 دولارا للبرميل في عام 1974.
ومنذ ذلك الحين، قامت الدول النامية بطرد الشركات الأجنبية من على أراضيها وقامت بتأسيس شركات وطنية لإدارة موارد النفط الخاصة بها.
وبالتالي بعد أن قامت هذه الدول بتأميم ثروات النفط التي تملكها أصبحت تمتلك الكثير من الأموال التي أضحت تتفقد عليها بشكل كبير بسبب بيع النفط للدول الأوربية والولاياتالمتحدة، فعل سبيل المثال في عام 1969 قام معمر القذافي بتأميم النفط في ليبيا مما أعطاه قوة وسلطة هائلة مما ساعده بشكل كبير في تمويل أهداف ثورته وشراء قوة القبائل الليبية التي كانت تهدد مستقبل حكمه للبلاد.
ومثال أخر لهذه العملية كان مهندس تأميم النفط العراقي هو صدام حسين الذي كان وقتها نائب رئيس المجلس الثوري العراقي، حيث قام صدام بدور كبير في الحد من نفوذ الشركات النفطية العالمية وساعدته سيطرته على أموال النفط الهائلة على الإطاحة بالرئيس العراقي أحمد حسن البكر والجلوس مكانه كرئيس للعراق.
ومن المؤكد أن تأميم النفط جعل حكومات الدول المصدرة للنفط أغني مما كانت من قبل وأكثر قوة وسلطة، وهو الأمر الذي أرضي مواطني هذه الدول حيث أن الثروات التي كانت تتحكم بها الشركات الأجنبية في وقتاً من الأوقات أصبحت في يد السياسيين من أبناء وطنهم.
وقام في ذلك الوقت حكام هذه الدول باستخدام أموال النفط في تطوير البرامج الاجتماعية لتنمية الخدمات العامة وإرضاء شعوبهم، وهو ما حماهم كثيراً خلال حملة نشر الديمقراطية التي شهدها العالم خلال الفترة ما بين 1980 و1990 والتي دفعت الكثير من الديكتاتوريين خارج مكاتبهم.
ومنذ ذلك الوقت ساعد التحكم في النفط حكام الدول المالكة له في البقاء على كراسيهم من خلال ثلاثة طرق رئيسية وهي كالتالى، الطريقة الأولي هي شراء رضاء المواطنين عن طريق تزويدهم بالكثير من المنافع بدون دفع ضرائب حيث أن العلاقة بين الضرائب والديمقراطية دائماً ما كانت قريبة حيث أن الحاكم عندما يسأل المواطنين لدفع ضرائب يحتاج المواطنون لمساءلة الحاكم ومعرفة تحركاته السياسية.
فعلي سبيل المثال في الولاياتالمتحدة وقت أن كانت تعيش تحت الاحتلال البريطاني كانت هناك مشكلات جمة ناتجة من أن الأمريكيين كان مطلوب منهم دفع الكثير من الضرائب في حين أنهم لا يملكون أي تمثيل في البرلمان البريطاني.
أما اليوم في الشرق الأوسط فإن الحكام العرب في الدول النفطية يواجهون المطالب المتكررة بالمساءلات السياسية بتقليل الضرائب المفروضة على المواطنين وهي طريقة فعالة في معظم الأحيان.
فعلى سبيل المثال، في عام 2011 أعلنت الجزائر عن استثمار 156 مليار دولار في مشروعات البنية التحتية وخفض الضرائب على السكر، وفي السعودية أُعلن عن توجيه 136 مليار دولار لزيادة الأجور في القطاع العام وإعانات البطالة ومشروعات الإسكان، وأيضاً الكويت عرض على كل مواطن كويتي منحة قدرها 1000 دينار وهو ما يساوى 3600 دولاراً ومعونة غذائية تكفي لمدة 14 شهراً.
ومن جانب أخر، قامت حكومات حسني مبارك وعلي عبد الله صالح بخطوات مماثلة في مر واليمن ولكن ميزانياتهم كانت أقل بكثير من أن تحمى كراسيهم من السقوط.
أما بالنسبة للطريقة الثانية التي يتبعها حكام الدول النفطية فهي إتباع السرية التامة في وضع ميزانية الدولة لأن طالما أن المواطنين راضين عن أحوالهم المالية داخل البلاد ويدفعون ضرائب منخفضة سنوياً فهم لا يفكرون في حجم الثروة التي تملكها بلادهم ولا يفكرون في الحجم الفساد والسرقة التي تتعرض لها هذه الثروات.
وفي إحصائية أجرتها منظمة الموازنة الدولية وجدت أن الدول التي لا تملك احتياطيات نفطية ضخمة مثل مصر والأردن والمغرب تعلن عن أجزاء قليلة من الميزانيات العامة الخاصة بها، في حين أن الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط مثل الجزائر والكويت لا تعلن مطلقاً عن أية تفاصيل عن ميزانياتها العامة ولجدير بالذكر هنا أن الثورات في مصر وتونس قامت بعد تصاعد درجة وعي الشعوب بالفساد الحكومي في البلاد.
وأخيراً، تساعد أموال النفط الحكومات الأوتوقراطية على شراء ولاء القوات المسلحة، فعلى سبيل المثال قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بمنح مليارات الدولارات لقوات الحرس الثوري الإيرانية التي تدين بالولاء الكامل له.
أما عالمياً فإن التكنوقراطيين الذين لا يملكون ثروات نفطية كبيرة ينفقون 2% من ميزانيات بلادهم على القوات المسلحة، ففي تونس التي لا تملك النفط على سبيل المثال تم صرف 53 دولاراً للفرد العسكري فى عام 2008 بينما صرفت جارتها الغنية بالنفط الجزائر 141 دولاراً على العسكري الواحد.
وتعتبر عدد كبير من كبريات الدول المصدرة للنفط مثل عُمان والسعودية والإمارات من أكبر الدول التي تنفق على قواتها المسلحة ضمن ميزانياتها الضخمة، وهو الأمر الذي يخدم حكام هذه البلاد بشكل كبير حيث أن مواطني عمان والإمارات عندما خرجوا للشوارع أوائل هذا العام أظهرت القوات المسلحة ولاءً كبيراً للحكم واستطاعت وأد الحركات المعارضة في مهدها.
ولكن يرى الكاتب أن كل هذه الأمور لا تعني أن "النفط" سيغرق الربيع العربي ولا تعني أيضاً أن الدول النفطية في الشرق الأوسط كُتب عليها أن تكون ديكتاتورية، حيث أنه في خلال الأثنى عشرة عاماً الماضي نجحت كلاً من اندونيسيا والمكسيك ونيجيريا في التحول نحو الديمقراطية وتملك كل هذه الدول النفط.
ولكن الأمور لن تكون سهلة بالنسبة للشرق الأوسط لأن الدول السابق ذكرها لا تملك نفطاً مثل الذي تملكه الدول العربية فهم يعتبروا منتجين متوسطين للبترول فاندونيسيا مثلاً بالكاد تملك نفطاً كافي للتصدير الخارجي كما أن التغير السياسي في هذه الدول جاء فيما بين عام 1999 وعام 2000 عندما وصلت أسعار النفط إلى أدني مستوياتها في فترة 30 عاماً، وفي الحقيقة كانت أخر الدول النفطية التي تتحول سياسياً نحو الديمقراطية هي فنزويلا وكان هذا في عام 1958 واستفادت فنزويلا كثيراُ من امتلاكها تاريخ سياسي ديمقراطي طويل وقوي عاملة منظمة بشكل غير طبيعي في الانتقال نحو الديمقراطية الحقيقية.
ولكن يقول الكاتب أن الدول النفطية في الشرق الأوسط تختلف تماماً عن هذا الشكل فلا توجد أي تجارب ديمقراطية في تاريخ هذه الدول وكلها تمتلك كمية هائلة من النفط أكثر من أي هذه الدول المتحولة نحة الديمقراطية فالبحرين على سبيل المثال، تنتج أكثر ثلاث مرات مما تنتجه فنزويلا للفرد الواحد من إنتاج النفط وليبيا تنتج أكثر ست مرات، في حين أن السعودية تنتج أكثر بسبع مرات ولا توجد أي دولة تنتج أكثر من إنتاج فنزويلا من النفط في عام 1958 وكان 2.5 مليون برميل في اليوم نجحت فى الانتقال نحو الديمقراطية.
ولكن من غير المعقول أنه يستحيل إسقاط الحكام العرب لأن الوسائل الإلكترونية والانترنت الآن جعل الأمر صعباً للغاية عليهم لإخفاء تبديد وفسد الحكومة، كما أن أسعار النفط المتذبذبة والإدارة غير الرشيدة التي تتبعها الحكومات في هذه الدولة ستجعلهم يغلقون خزائنهم ويخفضون الدعم الشعبي.
فعلى سبيل المثال سقط شاه إيران ونظامه بعد أن وصل إلى مقاييس فساد مثل التي تشهدها الدول العربية الآن وكانت تذهب كافة أرباح النفط للطبقة العليا والمقربين من الشاه وحُرم منها عامة الشعب الذي ثار في نهاية المطاف.
ولكن أيضاُ في الشرق الأوسط حتى لو حدث هذا الأمر وجاء رؤساء وحكومات منتخبة فيسكون الفساد متغلغلاُ أيضاً لأن حكام المنطقة العربية يستخدمون أموال النفط في تكوين شبكات كبيرة ومدربة على حماية مناصبهم من خلال دعمهم المستمر وتحقيق مصالحهم ولذلك تجد جماعات المجتمع المدني صعوبة بالغة للعمل داخل المجتمعات العربية، وذلك يرجع إلى أن الديمقراطيات الجديدة لا يمكنها العمل بشكل جيد في وجود مناصرين للنظام السابق ولذلك تكون التحالفات السياسية للتيارات الديمقراطية هى الحل الأنسب للقضاء على هؤلاء المناصرين حتى تنتصر الديمقراطية ضد الاستبداد.
وطالما بقيت أسعار النفط مرتفعة فإن هذه الأموال ستبقي دائماً مصدراً للإغراء، حتى أن السياسيين المنتخبين في ظل الديمقراطية يمكنهم استغلال أموال النفط للقيام بأنشطة من سبيلها أن تدحر الإصلاحات الديمقراطية تماماً.
فعلى سبيل المثال، قام الرئيس الفنزويلي هيوجو تشافيز بضخ مئات الملايين من أرباح شركة النفط الوطنية من أجل تطوير المشروعات التي تخدم المواطنين من الطبقات الفقيرة مما أزاد من شعبيته لدى الشعب والجيش وهو ما دفعة لإلغاء الضوابط من على سلطته حيث قام بكسب ولاءالقضاة في المحكمة العليا وفرض قيود جديدة على وسائل الإعلام وأزال القيود على فترات الرئاسة وهو نفس ما قام به رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين.
والآن من الصعب توقع إذا كانت الأمور ستجري على نفس المنوال في العراق التي تأتي 85% من إيرادات حكومته عن طريق مبيعات النفط للخارج وحتى الآن بعد مرور أعوام طويلة لا يستطيع البرلمان العراقي تمرير قانون ينظم بيع النفط وتصديره وإدارة إيراداته.
ويبدو من المشهد السياسي في العراق الآن أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يبتعد بشكل ملحوظ عن الديمقراطية حيث أنه استفاد كثيراً من الغموض الذي يشوب الدستور العراقي لبسط سيطرته على المؤسسات الأمنية الرئيسية في البلاد ومن ضمنها قيادة مكافحة الإرهاب.
ويقول المنتقدون أنه يستخدم هذه الأدوات لإسكات المعارضين السياسيين، كما بدأت الحكومة أيضاً في الصرف بسخاء على الصحفيين.
ولذلك على الجميع أن يتذكر أن الثروة النفطية دائماً ما يكون واحدة من أكثر العقبات في وجه الإصلاح الديمقراطي.
وفي النهاية، يرى الكاتب أن "لعنة النفط" ستظل مستمرة ومؤثرة طالما العالم مستمر في شراء النفط بكميات هائلة وبأسعار مرتفعة، ولذلك سيساعد خفض استهلاك النفط على تقليل الأسعار وبالتالي ستنخفض كميات الأموال التي تضخ شهرياً في خزائن الديكتاتوريين الذين يحكمون الدول النفطية.
فالولاياتالمتحدة وحدها يمكنها التأثير في هذا الأمر لأنها تعتبر المستهلك الأول للنفط على سطح كوكب الأرض، ففى عام 2009 أحرقت الولاياتالمتحدة ما يساوي ما تستهلكه الصين – ثاني أكبر مستهلك في العالم- بمقدار مرتين، وبالتالي فإن خفض الولاياتالمتحدة لاستهلاكها من النفط ستتمكن من خفض كلاً من أسعار النفط المرتفعة وكذلك تقويض الطغاة الذين سيسطرون على الدول النفطية الكبيرة حتى هؤلاء الذين يبيعون نفطهم للصين ولغيرها.
فبدون تخفيضات ذات معني في الاستهلاك ستكون العقوبات الموجهة أقل تأثيراً مثل أن تمتنع الولاياتالمتحدة من شراء النفط من الدول غير الديمقراطية لأن الطلب العالمي سيظل كما هو سيستمر الديكتاتوريين في بيع النفط للمشتريين بنفس السعر أو أقل قليلاً.
وهناك تجارب سابقة تدل على عدم فاعلية العقوبات الموجهة، فعلى سبيل المثال فرض "مجلس الأمن الدولي" عقوبات على مبيعات النفط العراقي بين عامي 1990 و2003 ولكن هذا لم يخفف من سيطرة صدام حسين على السلطة في العراق، وفشلت أيضاً العقوبات الموجهة والمحدودة لإزالة الأنظمة التي تعتمد على النفط في إيران وليبيا وميانمار أو بورما، حيث أنه طالما كان الطلب العالمي كما هو على النفط ستظل العقوبات بلا تأثير.
ومن جانب أخر، يمك للولايات المتحدة وغيرها من مستوردي النفط أن تدفع نحو المزيد من الشفافية في أسواق النفط وهو الأمر الذي من شأنه أن يقيض قدرة السلطويين من شراء ذمم المواطنين واستخدام أموال الدولة لشؤون الكسب غير المشروع، ففي دراسة أجريت عام 2010 وجد معهد "ريفينيو ووتش" بالتعاون مع "منظمة الشفافية الدولية" أن 29 دولة من أصل 41 دولة من منتجي النفط تظهر جزءًا ضئيلاً من المعلومات حول عائدات الموارد وقد اتخذ بعض أفراد المجتمع الدولي عدد من الخطوات لتصحيح هذا الوضع بالفعل.
في عام 2002، أطلق رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مبادرة "شفافية الصناعات الإستخراجية" والتي دعا فيها الدولا لغنية بالموارد الطبيعية بالكشف عن أرباحها ودخلها من النفط سنوياً ومن أعضاء هذه المبادرة أذربيجان واندونيسيا والعراق ونيجيريا.
وفي نفس الإطار، أعلنت الولاياتالمتحدة العام الماضي عن قانون الإصلاح المالي الذي يجبر الشركات المسجلة لدي لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية لتقرير ما تدفعه للحكومات الأجنبية كل بلد على حدا على أساس المشروعات الموقعة معها من أجل الحصول على النفط والغاز والمعادن وهو شرط يجعل من الصعب أمام البلدان المصدرة للنفط لإخفاء عوائدها وبالتالي يحد من الهدر الحكومي والفساد تجاه مواطنيها.
ويجب الآن على الاتحاد الأوربي وغيرها من المناطق المستهلكة للنفط حذو الولاياتالمتحدة وأن تطلب من الشركات الإفصاح عن مدفوعاتها للحكومات الأجنبية المصدرة للنفط والغاز والمعادن.
وكانت قد أيدت مجموعة الثمانية الصناعية هذه الخطوة في قمة دوفيل بفرنسا التي عُقدت في مايو الماضي ولكن لا بوجد من لديه السلطة لإجبار الدول الأعضاء لإتباع هذا الإجراء.
ولكن في الوقت نفسه، ينبغي على المجتمع الدولي أن يشجع البلدان المنتجة للنفط على فتح شركاتها النفطية الوطنية فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتم تشجيع الدول المنتجة للنفط في وضع شركاتها على قائمة الشركات الأعضاء في بورصة نيويورك وبذلك سينطبق عليها معايير الكشف المالي التي ينص عليها القانون الأمريكي الجديد.
ويجب على المجتمع الدولي أيضاً حث المنتجين على الالتزام بالمبادئ التي حددها ميثاق "الأممالمتحدة" الخاص بالموارد الطبيعية والتي تم صياغتهما من قبل مجموعة من الباحثين والممارسين لمساعدة المواطنين والحكومات على استخدام ثروات بلادهم بطرق أكثر فائدة من الناحية الاجتماعية، ويمكن للدول المنتجة أن تعطي حصص من شركات النفط الوطنية أو توزيع أرباح نقدية سنوية للمواطنين داخل الدولة كما فعلت ألاسكا منذ السبعينيات ويمكن لمثل هذه الإجراءات أن تلبي مطالب تقسيم الثروة في الدول الغنية بالنفط أيضاً تعطي الفرصة للمواطنين داخل هذه الدول للتدقيق في تصرفات حكوماتهم المالية.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي ظلت الدول المنتجة للنفط أقل ديمقراطية من غيرها من دول العالم، وفي الشرق الأوسط جعلت الثورة النفطية الملوك والسياسيين أقوياء وتركت المواطنين يعانون من الضعف، بل وفشلت الانتفاضات العربية هذا العام من تغيير هذا الوضع.
وفي الوقت نفسه، بفضل الطلب العالمي المتزايد على النفط وارتفاع أسعاره والتقدم الكبير في تكنولوجيات الحفر بدأت ما بين 15 و20 دولة من الأقل دخلاً في العالم في تصدير النفط للعالم ومعظم هذه الدول تقع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وإذا أسأت هذه الدول استخدام ثرواتها ستصيبها لعنة النفط أيضاً ولكن الجغرافيا لابد ألا تكون مصيراً كُتب على دول دون سواها، ولذلك لابد أن تدرك الدول المنتجة للنفط حديثاً أو قديماً التي تبقى مواردها النفطية سرية أن النفط من أكبر العوائق أمام الإصلاح الديمقراطي.
الكاتب: مايكل روس أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا ومؤلف كتاب "لعنة النفط: كيف تشكل الثروة النفطية الدول النامية".