لا تقتصر التحديات التي يواجهها الطلبة العرب في الخارج مثل بريطانيا على ما يواجهه أقرانهم من الطلبة الأوروبيين، مثل ارتفاع تكاليف الدراسة الجامعية، وضغوط برامج الدراسة المكثفة والمنافسة الشديدة بين الطلبة المقيمين وغيرها، بل تمتد هذه التحديات إلى قضايا ثقافية واجتماعية وسياسية تجعل الطالب العربي أمام اختيارات صعبة. ولعل من أبرز هذه التحديات مدى اندماج الطلبة العرب مع الجنسيات والثقافات الأخرى التي يلتقون بأصحابها أثناء دراستهم في المجتمع البريطاني، ومع هذا المجتمع نفسه الذي يختلف بشكل أساسي في تكوينه وثقافته عن المجتمعات العربية الأم. وبالتالي كان السؤال الأساسي الذي يواجه هؤلاء الطلبة العرب هو: هل الاندماج مع أصحاب الثقافات الأخرى هو الأفضل، أم الأفضل الانكفاء على دائرة من الزملاء والأصدقاء الذين ينتمون إلى الهوية العربية أو الإسلامية للحفاظ على هذه الهوية؟. كما أن استقطاب الدول الغربية للطلبة العرب يعد من أبرز المشكلات التي تهدد اقتصاديات الدول العربية، فقد أشار تقرير ''هجرة الأدمغة أو تحويلها؟'' المنشور في مجلة التعليم العالي الدولي لصيف 2013 أن الأمر يؤثر في الاقتصاد المعرفي العالمي، ويوقف تقدم البلدان النامية والناشئة، وبالتالي زيادة احتمال إلحاق الضرر الدائم في تلك البلدان في المستقبل. وأفاد التقرير بأن الدول الغنية تعمل على جذب العقول أو ''سرقتها''، من خلال تشجيع المبدعين وتوفير فرص حقيقية لهم لاستثمار مشاريعهن للبقاء بعد إنهاء الدراسة، كما قد بيّن مسح المؤسسة الوطنية للعلوم الأمريكية أن 80 % من طلبة الدكتوراه في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة يخططون للبقاء في الولاياتالمتحدة، وهذا ما يعرف بهجرة العقول. لذا سنناقش خلال هذا العرض أهم المشاكل والتحديات التي تواجه الطلبة العرب المبتعثين في بريطانيا، باعتبارها قبلة الكثير منهم، ومما ينبغي الإشارة إليه أنه لا يمكن هنا تحديد جميع المشكلات بشكل حصري، فالمشكلات متجددة ومتنوعة وما قد تكون مشكلة عند طالب مبتعث قد لا تكون بالضرورة مشكلة لطالب آخر. تحديات متفاوتة وبالتالي ليس من المؤكد أن تقع هذه التحديات دفعة واحدة لشخص واحد، ولكن قد يحصل له بعضها بدرجات متفاوتة، وذلك حسب الدولة التي ينوي فيها الدراسة، وحسب إمكانيات الطالب نفسه. ولما كان التحدي الأكبر الذي يواجه الطلبة العرب المبتعثين في بريطانيا هو الاندماج مع الثقافات والجنسيات المختلفة في البلاد المضيفة، فإن هناك من يرى أن الاندماج سلاح ذو حدين، فمن الممكن أن يكون مفيداً أو ضاراً، وهذا يعتمد على الشخص وعلى مدى ثقته بنفسه، ومتانة أساسه الثقافي، حيث يمكن الاستفادة من الاندماج في نقل الثقافة وأسلوب الحياة التي يتعرف عليها الطالب خارج بلاده، باعتبار أن الهدف من الدراسة ليس فقط هو تحصيل العلم وحسب. وهناك من يتخوف من الاندماج الزائد مع من ينتهجون أسلوباً مختلفا في حياتهم وعاداتهم، ويرى في الاحتكام إلى الضوابط الدينية أثناء الاختلاط مع الآخرين وإخضاع أي سلوك للقواعد الإسلامية ضرورة لا بد منها، ومن ثم يقبل قدراً من الاندماج في حدود ما تسمح به ضوابط الشريعة الإسلامية، ومن ثم يكون هناك من يبالغ في الاندماج بشكل تضيع معه الهوية الإسلامية. ومن ناحية أخرى، فإن الاختلافات الثقافية بين المجتمعات العربية والغرب تظهر بوضوح عند التحاور بشأن أوضاع المرأة العربية المهاجرة، الأمر الذي يضع ضغوطاً إضافية على عاتق الطالبات العربيات. ومع أن مبدأ المغالاة والتشدد في التعامل مع الطالبة العربية سواء مع أقرانها أو مع محيط المجتمع الذي تدرس فيه يعد مرفوضاً، يبقى الأهم أن يحافظ الشباب العرب بجنسيهما على هويته العربية الإسلامية ولا يتجرد منها، وبالتالي لا يمكن للفتاة أن تتجاهل الثقافة السائدة في مجتمعها، وعليها أن تلزم نفسها ببعض القيود التي ربما لا يلتزم بها الطالب العربي الذي جاء من نفس بلدها؛ وذلك لأن المجتمعات العربية ربما تتسامح مع الخطأ من جانب الشاب، لكنها لا تتسامح مع الخطأ من جانب الفتاة. ومن زاوية أخرى أكثر أهمية وخطورة لما يمكن أن يقع فيه الطلبة العرب في غربة العلم، هو العمل السياسي بما يعني انقسام هؤلاء الطلبة بين مؤيد لموقف سياسي وآخر معارض له، كما هو الحال بالنسبة للنظام السوري مثلاً، أو انقسام الطلبة بين الطوائف كالانقسام إلى شيعة وسنة. رؤية المستقبل ووسط كل هذه الخلافات السياسية والثقافية سواء بين الطلبة أنفسهم، أو بينهم وبين المجتمع الذي يدرسون فيه، وبعد أن يتعرف الطلبة على أساليب مختلفة للدراسة والعمل في مجتمعات أكثر تقدماً، يتردد باستمرار هذا السؤال بينهم: هل ستعود إلى بلدك مباشرة بعد أن تنهي الدراسة، أم أنك ستبحث عن عمل في أوروبا أو أمريكا، وتبقى مهاجراً؟ وفي الواقع، فإن الاختيار الذي يرجحه كثير من الطلبة هو البحث عن عمل في السوق البريطاني أو الأمريكي أو الكندي بعد التخرج من الجامعات البريطانية؛ لأنه من المفيد لأي طالب اكتساب الخبرة في شركات ومؤسسات متطورة في الغرب، وإلا لن تكتمل الفائدة من الدراسة، وهذا حسب مجموعة من الطلبة. غير أن سنوات الخبرة التي يتطلع إليها الكثير من الطلبة العرب قد تطول، وينتهي الأمر بالهجرة والاستقرار في الغرب، ويستمر نزيف العقول الذي تعاني منه الدول النامية، ومنها أغلب الدول العربية، وتستمر حركة نزوح أفضل الخريجين إلى جامعات وشركات الغرب. وبالتالي، يبقى واقع الطلبة العرب بين خيارين أحلاهما مر، سواء بين خيار الرجوع إلى الوطن بعد الحصول على مؤهلات دراسية عالية من جامعات بريطانية كبيرة تؤهلهم لفرص عمل أفضل مع مؤسسات وهيئات وجامعات في الغرب، أو اختيار البقاء في المهجر، الذي يأتي في نفس مستوى صعوبة الخيار الآخر؛ نتيجة مواجهة خيارات ثقافية واجتماعية كثيرة، وهي بالفعل خيارات صعبة، وتبدو المشكلات المرتبطة بها أكثر وضوحاً مع الجيل الثاني من أبناء المهاجرين.