تترقب القوى السياسية الكويتية عن كثب وبفارغ الصبر حكم المحكمة الدستورية بعد غد الأحد في أحكام الطعون الإنتخابية ال 56 المقدمة إليها ، والدعوى الدستورية لمرسوم الصوت الواحد ، هذا المرسوم الذي أقلق مضاجع البعض، فعقدت المؤتمرات والندوات والمسيرات من أجله. وانقسم الشعب الكويتي بعد إقراره إلى فئتين إحداهما معه ، والأخرى ضده وترفضه ، فالأولى تجده طاعة لولي الأمر وإنصافا لحقها في المشاركة واختيار الأنسب بعيدا عن القبلية والطائفية والأحزاب ، أما الأخرى فإنها أبت الاعتراف به بل وحتى المشاركة في انتخابات مجلس الأمة، لأنها تجده انتقاصا لحقها أو انتهاكا لكرامتها كما تسميه ، كل الكويتيين يترقبون حكم المحكمة الدستورية في شأن قانون مرسوم الصوت الواحد، سواء من المؤيدين أو المعترضين عليه، والذي أدى لمقاطعة الانتخابات الماضية من قبل قطاع واسع من القوى والتيارات السياسية والناشطين والمهتمين من المواطنين في الشأن الديمقراطي للبلد. حكم تاريخي ووصفت القوى السياسية الوطنية الحكم المفترض صدوره يوم 16 يونيو الجاري بأنه سيكون حكما تاريخيا قد تتجاوز الكويت من بعده حالة الاحتقان السياسي التي تفاقمت بعد إصدار المرسوم ، وإجراء الانتخابات بناء عليه، وفي فترة الانتظار والقلق المرير ترتفع بورصة التوقعات، فهناك من يرى أن المحكمة ستحكم بعدم اختصاصها بالمراسيم لأنها من أعمال السياسة الخاصة بالأمير ومجلس الأمة، وهناك من يرى أنه سبق لهذه المحكمة الجليلة أن أصدرت في مرة حكما في الشروط الموجبة للضرورة ، ولذا أبطلت مراسيم سابقة ، وفي مرة أخرى أصدرت حكماً بعدم الاختصاص ، مع هذه الحالة لا يمكن التنبؤ بالحكم المقبل والذي ينتظره الشعب على أحر من الجمر، فيوم صدوره سيكون يوماً تاريخياً مفصلياً سيترك أثره على حاضر ومستقبل الكويت كما ذكر بيان القوى الوطنية. وتزداد وتيرة التكهنات حول النتائج التي ستنتهي إليها المحكمة الدستورية، وهو ما يعني طرح كل الاحتمالات التي قد تنتهي إليها المحكمة في التعاطي مع الطعون الانتخابية والتي قد لاتخلو أحكامها السابقة منها ، وهي حالة "المواءمة " أي حالة التوازن في إصدار الحكم الصادر منها ، وحالة "المنطق العام " وهي النتيجة التي سينتهي إليها الحكم بأن تكون مرتبطة بالمنطق القانوني العام الذي ستنتهي إليه سواء في الطعون المقامة على مرسوم الصوت الواحد ، أو مراسيم حل مجلس الأمة أو الدعوة لانتخابات مجلس الأمة الحالي مع طرح النتائج التي قد تنتهي إليها المحكمة في كل من الطعون المقامة أمامها. ورغم ما صاحب إصدار مرسوم الصوت الواحد من أحداث وصلت في وقت ما إلى مرحلة بالغة الخطورة من المقاطعة للانتخابات، وما يؤكده كلا الطرفين ، سواء بصحة المرسوم أو عدمها ، إلا أن أيا منهما لا يملك الدليل القاطع وفق الدستور والقانون للرأي الذي يراه صحيحا ، مما يجعل قرار المحكمة الدستورية أمرا غير محسوم بالنسبة إلى كل معسكر، لا سيما ان المادة 71 محل النزاع مطاطة ومتسعة لعدد من الاجتهادات والتوقعات ، إلى حد يجعل الجميع مترقبا ومنتظرا لقرار الحسم في 16 الجاري. سيناريوهات محتملة ويضع المحللون الكويتيون أربعة سيناريوهات محتملة يمكن للمحكمة التعاطي معها ، وقسموها الى قسمين الأول والثاني سيكون التعاطي شكليا ، وأن تقوم المحكمة إما إلى اعلان عدم قبولها شكلا لنظر هذه الطعون، وإما إلى عدم اختصاصها بنظرها من الناحية الشكلية ، بينما النوع الثالث والرابع فهو أن تبسط المحكمة رقابتها على الطعون وتفصل في موضوعها ، وستنتهي لنتيجتين وهما إما قبولها موضوعا وهو ما يعني حكمها بعدم دستورية مرسوم الصوت ، أو رفضها موضوعا وهو ما يعني سلامة المرسوم الصادر وفق الدستور. والنوع الأول والثاني الذي ستتعامل معه المحكمة الدستورية مع الطعون هو البحث في قبول شكل الطعون أو رفضها ، فإن قبلتها شكلا تطرقت للموضوع ، وستنتهي إلى ما انتهت إليه لجنة فحص الطعون في الطعن رقم 2 لسنة 1982 من أن حالة الضرورة هي حالة سياسية يقدرها أمير الكويت ويراقبها مجلس الأمة ولا تخضع لرقابة القضاء ، وإذا ما انتهى مجلس الأمة إلى إقرار هذه المراسيم فهو قدر حالة الضرورة معها، وإن رفضها فإنه رفض تلك المراسيم ومعها حالة الضرورة ، وبالتالي فإن القضاء لا يراقب تلك الحالة السياسية وذلك لكونها حقا خالصا للأمير في تقديرها من دون أن تكون للقضاء كلمة في الرقابة عليها ، وإن رفضتها شكلا فقد حسمت أمر عدم رقابتها على هذا النوع من الطعون، وقبولها للدفع المثار من الحكومة ودفاع مجلس الأمة من عدم اختصاص القضاء ولائيا بنظر المراسيم المتعلقة بين السلطتين ، ولكون أن ما يتولى أمر الرقابة على مراسيم الضرورة هو مجلس الأمة وحده ، وبالتالي فإن هذا النوع من المراسيم لا يمكن للقضاء النظر فيه ومن ثم تنتهي المحكمة إلى الحكم بعدم اختصاصها ولائيا بنظر هذا النوع من الطعون لانحسار رقابتها ، ومن ثم فإن المحكمة تقضي بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الطعون المقامة على مرسوم الصوت الواحد. بينما السيناريو الثالث والرابع من الفرضيات التي ستتعامل معها المحكمة الدستورية وهي قبولها شكلا بعد أن تنتهي من رفض الدفوع الشكلية سابقة الإشارة ، وتلك الأحكام الموضوعية سيتم تناولهما بالنوع الثالث وهو قبول المحكمة للطعون موضوعا ما يعني قبولها للطعون وقضائها بعدم دستورية نص المادة الثانية من المرسوم بقانون الخاص بقانون الدوائر الانتخابية بتعديل عدد الأصوات إلى صوت واحد لمخالفة المرسوم نص المادة 71 من الدستور، بينما السيناريو الرابع هو أن تقضي المحكمة برفض الطعون موضوعا. ولكن تنفيذ السيناريو الثالث والرابع يتطلب بسط رقابة المحكمة الدستورية على مراسيم الضرورة برمتها ومن بينها مراسيم القوانين المطعون عليها بعدم الدستورية سواء مرسوم الصوت الواحد أو حتى مرسوم اللجنة العليا للانتخابات ، مؤسسة بذلك مبدأ جديدا وهو خضوع هذا النوع من المراسيم للرقابة القضائية ومغيرة بذلك النهج الذي سلكته لجنة فحص الطعون بالطعن رقم 2 لسنة 1982 والذي رفض الرقابة على مراسيم الضرورة معتبرة إياها حالة سياسية لا تخضع لرقابة القضاء. ولكن إذا انتهت المحكمة إلى القضاء ببطلان تلك المراسيم لافتقادها الإجراءات التي نص عليها الدستور، مستندة في ذلك إلى حكمها الصادر في 20 يونيو العام الماضي ببطلان مجلس فبراير 2012 ، وتقضي مجددا ببطلان المجلس الحالي وتقرر عودة مجلس 2009 ليكمل ما تبقى له من مدة الأربع سنوات والتي تعرضت للوقف ، على أن تقرر المحكمة الدستورية بسريان القوانين الصادرة من المجلس المبطل ومن بينها مراسيم الضرورة التي أقرها المجلس ومن بينها طعون الصوت الواحد واللجنة العليا للانتخابات المطعون عليها. الصوت الواحد ويراهن البعض الآخر من المراقبين على أن القرار الأرجح والأقرب للمحكمة وفق الحس السياسي المنسجم مع المصلحة العامة هو بطلان مرسوم الصوت الواحد ، مع عدم العودة إلى قانون الأربعة أصوات ، نزولا عند القاعدة القانونية "القوانين الميتة لا تعود " ، ليصبح هناك فراغ تشريعي يجعل الضرورة عندها قطعية ، لإصدار مرسوم ضرورة جديد بشأن النظام الانتخابي. ويرى المراقبون أن هذا القرار - إذا صدر - ستكون له نتائج إيجابية على عدة صعد ، أولها تبديد المخاوف المشروعة لدى بعضهم من أن إقرار المحكمة الدستورية للمرسوم لن يحصنه وحده ، إنما سيحصن أي مرسوم سيأتي مستقبلا يغير النظام الانتخابي وفق أي سبب كان ، وهو ما سيجعل الاستقرار السياسي أمرا مستحيلا طبقا للهواجس التي يحملونها ، كما أن هذا القرار في وجهه الآخر، يحقق ما جاء في مرسوم الضرورة للصوت الواحد من أسباب دعت إلى إصداره ، كفتح المجال لتمثيل الأقليات ، والمحافظة على الوحدة الوطنية ، وهي دواع حقيقية - يرى المؤيدون - أن الجميع تلمس نتائجها الإيجابية. أما الهدف الأسمى الذي يرى المراقبون أن هذا القرار قد يحققه ، فيتمثل في خلق فرصة تاريخية للحكومة ، لتفتح حوارا وطنيا يجمع تحت مظلته كل أطياف المجتمع ، للوصول الى نظام انتخابي يرضي غالبية الأطراف ، باستثناء بعض قوى المعارضة التي أعلنت في وقت سابق أنها لن تفاوض ، ولن تشارك إلا بعودة نظام الأربعة أصوات. وأخيرا فإن هناك طعونا أخرى مقامة أمام المحكمة الدستورية لا تتعلق بمراسيم الصوت ولا حتى بمخالفة الإجراءات ، وإنما تتعلق إما ببطلان عضوية عدد من النواب لافتقادهم شرط حسن السمعة ، أو لخطأ في النتائج المعلنة بفوز عدد من النواب المطعون بنتائجهم ، وقد تحكم المحكمة بقبولها ببطلان عضويتهم أو بإعلان الفائزين ، لكن المحكمة إذا ما انتهت من قبول طعون الصوت الواحد أو الإجرائية فلن تتطرق الى هذا النوع من الطعون لعدم الحاجة إلى الفصل لها ، وفي المقابل لا يمكنها الفصل بهذا النوع من الطعون إلا إذا رفضت طعون الصوت الواحد أو الطعون الإجرائية المشار إليها. وأعرب التيار التقدمي الكويتي والمنبر الديمقراطي الكويتي في بيان مشترك لهما ، عن الأمل بأن يكون حكم المحكمة الدستورية المرتقب منسجما مع مبادىء الحكم الديمقراطي ، وقاطعاً بضرورة مراعاة ما قضت به المادة الحادية والسبعون من الدستور من شروط ومتطلبات في شأن إصدار المراسيم بقوانين. وذكر البيان أنّ الحكم المرتقب للمحكمة الدستورية المتعلق بالطعن بمرسوم الصوت الواحد سيكون حكماً مفصلياً ليس في تاريخ القضاء الدستوري وحده ، وإنما في تاريخ الكويت ، بل سيترك أثره البالغ على حاضرها ومستقبلها. يذكر أنه صدر مرسوم أميري بتاريخ 6 أكتوبر من عام 2012 بحل مجلس الأمة نتيجة لحكم المحكمة الدستورية ، وتبع ذلك في تاريخ 21 أكتوبر صدور مرسوم بالقانون رقم 20 لعام 2012 بتعديل القانون رقم 42 لعام 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية ، بحيث تنتخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس على أن يكون لكل ناخب الحق في الإدلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها ، حيث كان النص قبل التعديل يمنح الناخب الحق في التصويت لأربعة مرشحين فقط ، وتمت الانتخابات على أثر ذلك ، إلا أن هذا القانون ووجه ب56 طعنا. ومع الوقت اتضح أن القضية لا تنحصر في مرسوم الصوت الواحد ، فحتى وإن جاء الحكم بالطعن بعدم دستورية هذا المرسوم ، والعودة لتحديد الدوائر الخمس بأربعة أصوات ، تبقى القضية الأهم هي التطور الديموقراطي باتجاه النظام البرلماني الكامل وإشهار الأحزاب ، وهذا ما يدفع الكويت والمجتمع الكويتي خطوة إلى الأمام في طريق التطور.