ومن مناورات أمن الدولة في مجال الإعلام أنها كانت تحاول إيقاف كل كاتب معارض بطرق متنوعة في الضغوط وأذكر أن أسرتي كانت تراسل العديد من وسائل الإعلام للإبقاء على قضيتنا حية بعد أن أنهينا الحكم في 2001 فكانت أمن الدولة تضغط على أسرتنا عند زيارتنا حيث تنتظر الأسرة أمام أبواب السجن عدة ساعات لا يسمح لها بالدخول إلى الزيارة بدعوى أن الضابط المختص غير موجود وذلك بهدف مضايقة أهالينا حتى لا يعودوا إلى زيارتنا مرة أخرى ولكن ذلك كان يزيدهم تمسكاً بنا على اعتبار أننا مضطهدون ومظلومون من النظام وكان فرع النشاط الديني يهتم بموضوعنا على نحو خاص فلقد كان يرسل إلى رؤساء التحرير الذين ينشرون محاولين الضغط عليهم فإذا ما فشلوا لجأوا إلى فكرة أخرى وهي أن مصلحتنا كمساجين تكمن في التهدئة وعدم النشر عنا حتى يتهيأ المناخ أمام الإفراج ولقد كانت هذه فكرة خبيثة من أمن الدولة استجاب لها بعض الصحافيين شفقة منهم علينا وظناً منهم أن في ذلك مصلحة لنا !!. وكان من بين مناورات أمن الدولة الاستجابة لبعض طلبات القيادات التاريخية التي تضر بعلاقاتهم بإخوانهم فإذا طالبوا بتحسين الأوضاع لجميع إخوانهم استجابوا للبعض دون البعض مما يوقع الكثير من الحساسيات ويزيد الفجوة بين القادة وأبناء الجماعة وكل هذه الأفعال كانت بهدف تشويه صورة القيادات التاريخية في أذهان الكثير من الأعضاء ولذلك تصور البعض أن الجهاز الأمني كان يؤدي بعض الخدمات لوجه الله، ولكن الحقيقة المرة أن فكرته مبنية على الاستراتيجية الخبيثة التي في ظاهرها الرحمة وفى باطنها تدمير العلاقات المتينة بين قادة الجماعة وقاعدتها . ومن مناورات أمن الدولة أنه في أعقاب أحداث برجي التجارة العالمي عام 2001 وكانت الحملة على الإرهاب على أشُدها بادر فرع النشاط الديني في مصر إلى عرض فكرة مفادها استغلال الظرف القائم وسرعة تفعيل مبادرة وقف العنف التي أطلقتها الجماعة الإسلامية عام 1997 قبل أن تتطور الأحداث على نحو آخر لا يروق لحكام مصر ولقد وجدت هذه الفكرة قبولاً لدى وزير الداخلية لكونه يحب الإبداع البوليسي باعتبار أن هذه الفكرة تأتي في عكس الاتجاه من حيث الظاهر ، ولكنها في الحقيقة تهدف إلى تفكيك وتذويب الجماعة في المجتمع دون أن يكون لها أي دور سياسي أو دعوي بل على الجميع أن يبقى في البيوت ولا يسمح له إلا بالوظائف التي تعتبر مصدراً للرزق فحسب ولكننا والحمد لله كنا نفطن إلى هذه الأفكار وأدارت الجماعة موقفها نحو الخروج من السجون فيما تحمل البعض مسئولية العرض الفكري المتبقي في المشهد وهو أن يكون هناك دور للجماعة الإسلامية في العمل العام تحت مظلة الدستور والقانون ، ولقد أسرعت أجهزة الأمن إلى وضع خطوات سريعة نحو الإفراج عن آلاف المعتقلين قبل أن يتبلور موقف مضاد يطالب بالحقوق السياسية على الساحة ، وبالرغم من طول مدة الإفراج التي استمرت عدة أعوام بعد المبادرة إلا أننا استطعنا الخروج من عنق الزجاجة مع طرح رؤيتنا السياسية الشاملة واستمرار المقاومة حتى منّ الله علينا بثورة 25 يناير فتم الإفراج عن باقي قادة الجماعة ونجحنا في تحقيق المشروع السياسي المنشود بتشكيل الحزب السياسي وذلك من خلال حكم قضائي إداري بعد أن رفضت لجنة الأحزاب إعطاء حزب البناء والتنمية ترخيصاً بمزاولة النشاط ثم قمنا بعد ذلك بترشيح عدد من أبناء الجماعة في اللحظات الأخيرة لعضوية المجالس النيابية ونجح عدد لا بأس به مقارنة بمن تم ترشيحهم حيث بلغت النسبة نحو 50% من الأعداد التي تقدم بها الحزب إلى المنافسة الانتخابية، وهكذا فشلت جهود أمن الدولة في احتواء الجماعة أو تفكيكها والحمد لله رب العالمين. ومن مناورات أمن الدولة التخطيط لتقليم أظافر جماعة الإخوان المسلمين فكنا نشاهد اعتقالات واسعة في صفوف الإخوان في الفترة التي تسبق الانتخابات النيابية وكنا نلتقي معهم فوجدناهم شباباً معتدلاً يحب دينه ووطنه ولم يرتكب أي جرم يستحق هذا الاعتقال الذي كان يستمر نحو شهر أو شهرين ثم يفرج عنهم ، وكانوا يستغلون أوقاتهم في القراءة والاستماع إلى النصائح وجمع الخبرات من الآخرين وكانوا يرتبون أوضاعهم ويتعارفون من أجل مواصلة العمل الإسلامي بعد الإفراج عنهم .ولقد شاهدنا عدداً من قادتهم يحاكمون ظلماً وصدرت ضدهم أحكام بالسجن بلا جريرة ،وكان الهدف من ذلك إيقاع الرعب في صفوف الإخوان و من ثمّ يتركون العمل السياسي وبالفعل خرج من بين الإخوان من يدعو إلى ترك العمل السياسي رحمة بأبناء الجماعة وشفقة عليهم حتى يرفع النظام عنهم سيف الاعتقالات ، ولكننا قدمنا لهم النصيحة بضرورة الصمود في وجه النظام وعدم الرضوخ لضغوط الدولة ،وعدم ترك التنافس في مجال العمل السياسي بعد الذي تحقق فيه من إنجازات ولقد وجدنا والحمد لله أن قيادات الإخوان الكبرى تتفق معنا في هذا الرأي ولم تنسحب من المشهد وواصلت العمل والتضحية حتى أرانا الله ثورة 25 يناير حيث تم فتح باب الترشح للبرلمان وتحقق الكثير من النجاحات التي أكدت على الرضا الشعبي الكبير بالتيار الإسلامي وما يتمتع به من ثقة غالية نسأل الله أن نكون عند حسن ظن الشعب بنا . كان هذا طرفاً من مناورات مباحث أمن الدولة في السجون والمعتقلات من الذي عاصرناه سنوات طويلة ولا شك أن ما يجرى في مصر كان مروعاً فلقد كانت قاعدة التعامل معنا كتيار إسلامي بل ومع القوى السياسية المعارضة على أنها حفنة من المجرمين لابد من أن يتوبوا إلى رشدهم ولا يُسمح لهم بالبعد السياسي في التعامل فإذا ذكرنا أنه لابد من عرض الأمور على الحكومة أو المسئولين السياسيين غضب رجال الأمن وأكدوا أن الملف كله في أيديهم وأن الدولة تتعامل مع كافة القوى السياسية من خلال جهاز أمن الدولة اللهم إلا القلة القليلة التي تصل إلى البرلمان فإن الحزب الوطني يتعامل معهم بعد أن يعصر ليمونة على مائدة الحوار أقصد يتعامل معهم على مضض وهم يكرهون ذلك . وإذا فتح الحزب الوطني حواراً مع الأحزاب لا يكون من باب التفاهم الحقيقي بل من باب المناورة الأمنية لتفتيت الحزب من الداخل أو إثارة الفرقة بين الأحزاب وهكذا مؤامرات أمنية لا علاقة لها بالتفاهمات السياسية التي تقوم بها الدول التي تحترم شعوبها . بل إن الحزب الوطني كان يدير صراعاته من خلال رجال أمن الدولة الذين ساعدوا الحزب في تزوير الانتخابات وتزييف الإرادة الشعبية والتخلص من الخصوم السياسيين بتلفيق التهم وأحياناً قطع الأرزاق أو الاعتداء عليهم من مجهول الهوية!! وأستطيع أن أزعم أن الشعب حين انطلق نحو مكاتب أمن الدولة واحتل معظمها لم يكن ذلك من فراغ بل كان حصيلة كراهية كرستها ممارسات جهاز لسنوات طويلة صب الشعب غضبه على هذا الجهاز الذي لم يرحم شعبه وأذل المواطنين وتدخل فى حياة الجميع الخاصة والعامة ولم يكن هذا الجهاز في يوم من الأيام يريد مصلحة مصر بل كان ضد كل المصريين حيث تحالف مع الحكام على الباطل وساندهم فيما لا يجوز مساندتهم فيه ، وبالتالي فسدت الحياة السياسية وتحول المجتمع إلى صراعات بين القوى الوطنية، وتجاهل أن من أهم مهام الأمن القومي هو تنمية المشاركة السياسية حتى يشعر الجميع أنهم مشاركون في بناء أوطانهم ولكنه كان يحارب كل من يفكر في العمل السياسي لأنه من وجهة نظره منافسة على مقعد الحكم وهو أمر غير مسموح به لأحد سوى الرئيس المخلوع وابنه من بعده . إننا كنا نعيش حلماً ونحن نسمع ونرى الحشود من المواطنين تقتحم مباني أمن الدولة وتحرق بعض المكاتب وتصادر بعض المطبوعات التي تحمل أدلة الإدانة لنظام فاسد تهاوى في أيام قليلة بعد أن قدّم الشعب نحو ألف شهيد وآلاف الجرحى في مواجهات واسعة النطاق على مستوى الجمهورية.. إن جهاز أمن الدولة المنحل قد انتهى إلى غير رجعة ولن يسمح الشعب بعودته على هذا النحو السابق ولكننا سمعنا ما يسمى بجهاز الأمن الوطني يقول أصحابه أنهم سيعملون من أجل الوطن وليس من أجل الحاكم وأن هناك قانوناً لهذا القطاع لابد من صدوره حتى يراه الجميع ويعرفوا حدوده واختصاصاته لأن وجود جهاز للأمن الوطني دون أن يكون له قواعد حاكمة ونظام معلوم للكافة سيفتح الباب أمام تجاوزات الجهاز كما كان في السابق . ومن المعروف أن الجهاز المنحل كان لا يحب القواعد أو اللوائح لأنه كان يعمل فوق القانون بل فوق الدستور!!إن الأمن الوطني الحقيقي يكون في تنمية المشاركة السياسية وتشجيع العمل السياسي وعدم ملاحقة العاملين في الحقل السياسي وترك التنصت على المواطنين والعمل على التأليف بين أطياف الأمة وغرس روح حب المواطن لوطنه والتصدي لكل ما يضر البلاد . أما إذا انشغل الأمن الوطني الجديد بكتابة التقارير عن الجماعات السياسية ووضعها في القالب المعادي للدولة وأغمض عينيه عن أعمال الجاسوسية والاتّجار في المخدرات والسلاح وتلوث البيئة ونهب الأموال وسرقة خيرات هذا البلد فإنني أرى أن دوره يكون قد انتهى نهائياً والتفكيك في حقه هو الواجب على الحكومة قبل أن يتدخل الشعب مرة أخرى في إقصائه. إن التغيير الحقيقي لجهاز أمن الدولة لا بد وأن يتم بتنظيف المكان من كل الموظفين القدامى الذين أصبحوا لا يصلحون للعمل وفق النظام الجديد المعلن عنه لأن نفسية الضابط التي يتعامل بها مع المواطنين كانت أشبه بنفسية الملك مع الرعية أو السيد مع العبيد وهذا لن يتحقق في المرحلة المقبلة وبالتالي فإن محاولات الجهاز للعودة إلى ماضيه أمر يجب الاحتراز منه وعدم إعطاء الفرصة لهذا الجهاز أن {يتفرعن} مرة أخرى، ويلزم فضح أي حالة تجاوز على الفور لأنه إذا نجح في الإمساك بمقاليد الأمور مرة أخرى سيكون أسوأ مما سبق نعوذ بالله من ذلك . ونسأل الله أن يولي من يصلح هذا البلد ويجنبنا الزلل والشطط ويعيننا على بناء مصر التي نحبها جميعاً ونضعها في المقام اللائق بها على المستوى الإقليمي والدولي . والله المستعان تمت ذكرياتي مع مناورات أمن الدولة