ومن المناورات أيضاً ما سميته بالسقف الحديدي إذ ان أمن الدولة وضعت رؤية مبنية على تفكير بعض المجاهدين في الخارج حيث طالبوا بضرورة تخليصنا من الأسر وهذه الرؤية كانت منحصرة في التنبيه على إدارة السجون بتشديد الحراسات في أماكن الإقامة حول السجن وكذلك عند تنقلات بعض القيادات التاريخية ولكن الجديد كان بعد سنوات من هذا الموضوع حيث قررت بناء سقف حديدي فوق سطح العنبر الذي نسكنه في أعقاب معرفتهم لوجهة نظري المخالفة لخط سير الجهاز بشأن ترتيبات تفعيل المبادرة التي كنت أريدها على خطوات يُقدّم كل جانب خطوة في مقابل خطوة من الطرف الآخر حتى يستقيم الحل وترضى القاعدة التنظيمية بالتحول الجديد والرؤية الجديدة وبالفعل جاءت عناصر من الإدارة الهندسية لمصلحة السجون وبدأت فى بناء الأعمدة التي سيقام عليها السقف وبدأت من العنبر الذي أسكنه ومعي الدكتور طارق ثم جاء مدير المصلحة وقرر إخلاء العنبر لأسباب خاصة بسرعة الإنجاز وتم ترحيلي مع الدكتور طارق وعدد آخر من إخواني وأبقوا علينا في ظروف صعبة في سجن أبي زعبل بهدف الضغط علينا لمدة عامين ونصف، والطريف أنه بعد انتهاء السقف لم نرجع إلى المكان ولم يتم بناء أسقف للعنابر الأخرى بل ولم تتم توصيلات المجاري الفرعية للزنازين وبقيت الأمور حتى عدنا بعد الضغوط الإعلامية الكبيرة التي أجرتها الأسرة وخشيت أمن الدولة من انعكاس هذاالتغريب على مصداقية المبادرة ... ومن مكائد أمن الدولة أن يعطي سماحات ومميزات في السجون بشكل مباشر ثم يُعطي الإشارة بعد عدة أيام إلى مباحث السجون بسحب هذه المزايا في أول فرصة خطأ تقع من المسجون فإن لم يجد هناك أخطاء أعلنوا أن أحد المفتشين بالوزارة سيمر ولابد من الالتزام بالتعليمات . ومن مناورات أمن الدولة ما جرى مع بعض المحامين حيث رفعوا لبعض زملائنا قضايا تعويضات فلما حكمت لهم المحكمة بأحكام نهائية تأخرت وزارة الداخلية كالعادة في رد الحقوق إلى أصحابها فتقدم عدد منهم بإنذارات إلى الوزارة لتسليم قيمة التعويضات للمتضررين فوراً فأغضب ذلك جهاز أمن الدولة وما هي إلا عدة أيام قليلة حتى فوجئ المحامون بمصلحة الضرائب تقتحم المكاتب وتضع عليهم مبالغ باهظة يلزم تسديدها وظن المحامون أن هناك هجمة شرسة على مكاتب المحامين بمصر نتيجة مشاغبات النقابة المعروفة ضد النظام ولكنهم حين استطلعوا الأمر وجدوا أن المحامين الذين ذهبت إليهم مصلحة الضرائب هم فقط من تقدموا بالإنذارات الخاصة بصرف التعويضات !! فقاموا بسحبالإنذارات فانتهى الأمر وكأن شيئاً لم يكن !! ومن طرائف المناورات الساذجة ما قام به أحد ضباط أمن الدولة حيث اصطحب قوة تفتيش وأمرهم بتقليب العنبر السياسي رأساً على عقب ووقف هو بعيداً عند الباب الخارجي بحيث لا يراه أحد وفى اليوم التالي توجه بعض إخواننا إليه بالسؤال عن أسباب ما حدث بالأمس فقال إنه كان أجازة ولو كان موجوداً لمنع هذا التفتيش !! ولم يكن يعرف أننا رأيناه بالمرآة العاكسة وهو يقف ويشير للقوات بالدخول بل إن بعض العاملين بالسجن سمعوه وهو يطلب التركيز على أرقام بعض الزنازين فيالعنبر وبالطبع كان من بينها زنزانتي وزنزانة الدكتور طارق الزمر لقد كان يظن هذا الضابط أنه عبقري أمني ولكنه كان في حقيقته أقرب إلى البلاهة!! ومن الأفكار الفنية في الاستجوابات إحضار الشخص للاستجواب في الأوقات التي ينام فيها لأنالذي يكون قد اعتاد على الراحة عند هذا التوقيت يقل تركيزه فيستطيع المحقق الإيقاع بمن هو تحتالتحقيق . ولقد استعملت أمن الدولة في السجون فكرة وضع جهاز صغير يلتقط الحديث داخل الزنازين يقوم المخبر أو المرشد بزرعه، وحدث معي شخصياً أنني كنت على موعد لمقابلة مسئول النشاط الديني أثناء التصعيد القتالي في التسعينيات وكان ذلك في عام 1994 ولما دخلت إلى الغرفة أرادوا أن يجلسوني في وضع معين وعلى كرسي معين فعلمت أن في الأمر تسجيلاً ولكني انتقلت في حركة مفاجئة إلى كرسي آخر فوجدته خاوياً دون بطانة وبه تسجيل فارتبكوا ولكنني انتقلت إلى مكاني مرة أخرى بشكل عادى ولم أظهر أنني اكتشفت الأمر وتكلمت في الحقيقة بما رأيته لمصلحة مصر والخروج من الأزمة التي نحن فيها ولم تكن التسجيلات تخيفني لأنني كنت أتعامل بشكل واضح لا أخشى أن ينقل عني شيء فلم أكن أسمح بغيبة أحد من إخواني أو التحدث عن الجماعات بكلام لا يليق وكانت وزارة الداخلية تعلم ذلك فكانوا يتحاشون كل هذا والحمد لله.. ولقد لاحظت عدة مرات أنني حينما أنتقل للمبيت مع الدكتور طارق في زنزانة واحدة يسارع أحدالمرشدين إلى الخروج إلى خارج العنبر ويرفع أحد الجنود ليضع جهاز التسجيل فوق الشباك العلوي للزنزانة التي سنبيت فيها وهذا الشباك مرتفع ونحن بالطبع كبار السن لا نستطيع التسلق لنرى ما فوقالشباك .. وكنا نتخذ إجراءات الحيطة في ذلك فنفتح التلفاز على بعض البرامج الإخبارية ونجلس نحن لنتبادل وجهات النظر سوياً عن طريق الكتابة ومن حين لآخر نتكلم بعض الكلمات العادية الخاصة بالطعام والشراب والتعليق على بعض البرامج وما نريد توصيله من معلومات لتضليل جهاز أمن الدولةوإخفاء نوايانا المستقبلية عنه.ومن مناورات أمن الدولة الخبيثة ما جرى بعد مبادرات وقف العنف حيث صرح وزير الداخلية بتصريحات هجومية على الجماعات الإسلامية وخص الجماعة الإسلامية أيضاً فخرجت في اليومالتالي وقابلت ضابط أمن الدولة وحدثته أن في كلام الوزير تجاوزات تعرقل سير المبادرة ، وتسئ إلى وزارة الداخلية حيث ينبغي على الوزارة أن تستجيب للمواقف الحسنة بخطوات طيبة من جانبها وفى صباح اليوم التالي فوجئنا بتنفيذ حكم الإعدام في أربعة إخوة من شباب الجماعة الإسلامية وقال ضابط أمن الدولة المسئول عن ليمان طرة أن السبب في تنفيذ الحكم هو عبود الزمر لأنه تكلم بكلام شديد في حق وزير الداخلية !! وكان هذا من المكر السئ الذي أرادوا به أن يلقوا بالتبعة على برئ ، ولأن إجراءات تنفيذ الحكم تأخذ أسبوعاً في تبادل الأوراق بين النيابة العامة والوزارة فأوضحت لإخواني هذه النقطة وكذلك بينت لهم أن اللواء العادلي الذي تولى حديثاً وزارة الداخلية يريد أن يجامل ضباط أمن الدولةبتنفيذ هذا الحكم ضد المجموعة المنفذة لعملية اللواء رؤوف خيرت مسئول النشاط الديني في الجهاز . وفي نفس الوقت لا يريد الاصطدام بالجماعة الإسلامية التي أعلنت عن مبادرتها لوقف العنف فكان المخرج الذي تفتقت عنه أذهان المخططين في إلقاء المسئولية على كاتب هذه السطور ولكن الإخوة جميعاً فهموا القصة وأدركوا مدى العداوة التي تحملها وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة تجاهي والحمد لله نصرني الله في هذا الموقف وفي المشهد النهائي {ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله} ومن مناورات وخطط أمن الدولة أنهم كانوا يدقون الأسافين بين الجماعات الإسلامية ، فكانوا يطلبون الهجوم على الإخوان في مقابل الإفراج عن المعتقلين، ولكن الإخوة كانوا على وعي كبير فلم يقبلوا أن يتحولوا إلى أداة في يد النظام فيطعنوا على إخوانهم ، بل واختاروا البقاء في السجون على الإقدام على هذه الفعلة الشنعاء ، فيسر الله لهم وتم الإفراج عنهم دون أن يقدموا أي تنازل في الدين . ولقد عشنا مرحلة في الثمانينيات كانت أمن الدولة تسرب لنا كلمات تفيد أن من يؤيد الحزبالوطني سوف يخرج من السجون بعد فترة بسيطة ، ولكننا لم نوافق على ذلك لكون الحزب الوطني كان سيئاً إلى درجة أصبح فيها عاراً على كل من ينتمي إليه فضلاً عن أن قضية الشريعة كانت غائبة عن منهجه ، وكذلك شعرنا بحجم كبير من الفساد يستشري في جنبات الحزب في مجال التشريعات التي أضرت بالحريات والاقتصاد وحقوق الفقراء، كما شاهدنا الإفساد الكامل في الحياة السياسية بالتزوير والكذب والخداع وأيضاً وجدنا انهياراً داخل المنظومة الاجتماعية حيث فتح الحزب الباب أمامالأخلاقيات الوافدة من الغرب بما تحمل في جنباتها من فساد، فكل ذلك وغيره كان مانعاً من مجرد التفكير في قبول مثل هذا العرض البائس . ومن تخطيطات جهاز أمن الدولة أنه بعد اتهام الدكتور عمر عبد الرحمن في موضوع برجالتجارة العالمي في التسعينيات بدأت أمن الدولة تصرح أنه إذا ما هاجمنا الدكتور عمر على الملأ فإن ذلك سوف يفتح أبواب الخير أمام مجموعة 1981 وحين بلغتني هذه الفكرة رفضتها بشدة على أساس أنالدكتور عمر رجل مظلوم وأننا لا يمكن أن نكون سبباً في تقوية الموقف الأمريكي خاصةً أن الولاياتالمتحدة تحمل الكثير من العداء لنا كأمة إسلامية من خلال موقفها المنحاز دائماً لإسرائيل على حساب قضايانا المصيرية، وبالتالي فضلنا البقاء في السجون في موقف رمزي يؤكد على اختلافنا الجذري مع نظام مبارك الفاسد، ومع من يقف من ورائه مسانداً له . ومن مناورات أمن الدولة وخططها أيضاً إجراء اعتقالات موسعة في صفوف التيار السلفي فكانت تحتجز الآلاف منهم في عدة سجون ولقد شاهدت منهم عدة مئات في سجن دمنهور وكانوا إخوة كراماً يهتمون بعلم الحديث ،ولم يكن لهم نشاط مضاد للنظام ، بل كله كان في مجال مقارئ القرآن والمدارس التعليمية السلفية وبعض الأنشطة الاجتماعية والدعوية ، ولكن الجهات الأمنية كانت تشعر بالخوف من مستقبل ذلك التيار السلفي حيث صرح أحد ضباط أمن الدولة وهو يؤكد لنا أنه عليم ببواطن الأمور أن خطة الجهاز تقوم على الضغط على التيار السلفي بتوسيع قاعدة الاعتقالات حتى يتم تراجع قادته فكرياً ، ولما قلنا له إن التيار السلفي معتدل ولم يمارس أي أدوار عنف ضد النظام أكد أن الخوف يكمن في أن التيار السلفي سيصبح وعاءً للمجاهدين خاصة أن فكر هذا التيار لديه الاستعداد لهذا التحول . ولكن الله تبارك وتعالى وقى التيار السلفي طول المكث في السجون حيث لم يتعرض للضغوط الشديدة التي تعرضت لها الجماعة الإسلامية نظراً لتطور الواقع المحلي والدولي في مجالات حقوق الإنسان مما جعل جهاز أمن الدولة يحجم عن مواصلة الضغط على التيار السلفي واكتفى منهم بعدم حمل السلاح على الحاكم ولقد أتيحت لنا الفرصة للتحدث مع هذا التيار بما يفيد الرؤية المستقبلية وذلك بقبول فكرة العمل السياسي وعدم الاصطدام بالإخوان المسلمين عند الانتخابات البرلمانية ولاقت هذه الأفكار قبولاً لدى قطاعات من التيار السلفي ولقد وفق الله تعالى إلى إعلان التيار عن إنشاء حزب سياسي تحت اسم حزب النور وهو ما يعطي المؤشر الحقيقي حول وجود تحول كبير في الرؤية السياسية , وهو أمر محمود لهم برز بشكل فعال بعد ثورة 25 يناير، وأكدوا على جدية الممارسة وجدواها في تحقيق الأهداف التي يصبو إليها التيار الإسلامي .