*مبارك اُجبر على العمل فى السادسة ، وعُرِف بالكذّاب فى المدرسة *القذافى تباهى بإعجاب الأمريكيات بشعره ، وظن أن لديه حصانة كإله *بن على ليس سيئا ، وزوجته المرأة الأكثر كُرها فى تونس *صالح من الفقر إلى السلطة يردد "من بعدى الطوفان" "أعطونى حريتى أو اقتلونى" بتلك العبارة افتتح فايسباخ كتابه "مهووسون فى السلطة " الذى سنستعرض صفحاته الآن ، فعندما نزل آلاف التونسيين فى أواخر ديسمبر على الشوارع ، مُطالبين بتنحى الرئيس زين العابدين ، وتمهيد الطريق لإقامة نظام ديمقراطى ، شهق العالم غير مصدق وخشى الأشخاص الموجودون فى أعلى مراتب الحكم من الأسوأ ؛ حتى نجحت ثورة الياسمين ، وأعطت دافعا لمواطنى مصر ؛ فأطلقوا ثورتهم بعد عدة أسابيع من التعبئة السياسية لإسقاط نظام مبارك الذى أطلق عليه فايسباخ "آخر الفراعنة" ، وسرعان ما انضمت ليبيا واليمن إلى الثورة العربية . وقد قام فايسباخ فى كتابه بتحليل الزعماء الذين استهدفتهم الثورات نفسيا ، وقد رأى أن المتظاهرين استمدوا القوة من استعدادهم للمخاطرة بحياتهم من أجل القضية ؛ فأعلنوا أمام الكاميرات : "سنبقى هنا وسنتظاهر إلى أن ننتصر ، إنها مسألة حرية او موت " وفى نفس الوقت أخذت الأنظمة المستبدة تقاتل من أجل بقائها ، ورفضوا مواجهة واقع أن العالم بأسره قد قام بشطبهم ، فقاموا فى البدء بتهدئة الجماهير بوعود إصلاحية بائسة ، ثم هددوا بالعواقب الرهيبة إذا تواصلت الاحتجاجات ، وأخذوا على أنفسهم عهدا بالتمسك بمواقعهم المفلسة حتى النهاية المُرّة . مبارك "رمسيس المعاصر" كان حسنى مبارك صريحا فى رده على الانتفاضة الشعبية على نظامه ، وهو ما يعرفه أخصائيو الطب النفسى ب "الإدعاء الارتكاسى بالموت" وهو أن يرد الشخص الذى يعيش تجربة صادمة بالخوف والامتناع ، و إذا كان الشخص زعيما سياسيا والتجربة تهدد وجوده السياسى ، فلن ينتج عنه الخوف فقط بل العجز والرعب ، وقد يعمد إلى الانطواء بنفسه ، ثم الخمول والاستسلام وربما الموت . ظهر ذلك فى حالة مبارك ، فكانت ردّة فعله الأولى هى الهروب من عواقب ميدان التحرير والاحتماء بملجئه فى شرم الشيخ ، حيث بقى متحصنا هناك لمدة أربعة ايام ليبعد عن الأنظار ، و يحاول استجماع قوته ليواجه شعبه ، وبدأ الرئيس بيانه قائلا : "أسفت كل الأسف على ما أسفرت عنه التظاهرات من ضحايا أبريا" متجاهلا الصورة التليفزيونية التى شاهدها العالم باستخدام الشرطة للعنف ، ثم حدد أسباب ذلك الاضطراب متجاهلا أن الشعب يطالبه بالإستقالة ، وأكد ان هناك مخططا لزعزعة الاستقرار ، وفى بيانه الثانى حاول مبارك تبرئة نفسه ؛ لتبرير رفضه المستمر لمواجهة التنحى ، كما ظل يثنى على انجازاته العسكرية ، وتعهد بحفظ الأمن ومعرفة المسئولين عن الفوضى ، ثم ذكر بشكل قاطع إن الخيار أصبح بينه وبين الفوضى ، و انسحب مرة أخرى تسعة أيام ، وأخيرا ظهر على الشاشة فى حالة انفصامية ، وأشاد بخدمته وأوضحت كل إشاراته أنه ليس مستعدا للتزحزح . فى خطابات مبارك هناك ثلاثة إشارات هامة من وجهة نظر علم النفس ، أولها نكرانه المُلِح لدوره فى الأزمة "الأمر ليس متعلقا بشخصى بل بمصر" وهو ما يفسره علم النفس الطبى بعوارض الهستريا حيث يحاول الشخص التملص من المسئولية ، ثانيا إدعائه "إننى لم أكن يوما ساعيا للسلطة" وهذا دليل على فقدان الارتباط بالواقع ، وأخيرا الاعتراف "يؤلمنى رؤية كيف أن أبناء بلدى يعاملوننى الأن" وهذا بيانا صادقا تلفظ به شخص يعانى من كونه غير محبوب ؛ حتى أدرك أنه الوقت لتوديع شعبه ، وقد أثر فيه ذلك كثيرا إلى حد عجز معه عن مواجهة الكاميرا مرة أخرى ليعلن نبأ استقالته ، فأعلنها عمر سليمان . ويرى فايسباخ أن مبارك ورث النرجسية من سلفيه عبد الناصر والسادات ، فقد رمزت شخصية الفرعون لسلطة الدولة فى الثقافة المصرية ، حيث قال السادات "أنا وجمال آخر الفراعنة العظام فى مصر، ولكنى لا أحكم وفق أسلوبه بل وفقا لأسلوب رمسيس الثانى" ، وقد أخذ مبارك نفس اللقب ، فقام مبارك تماشيا مع حاجات النرجسى لدرء أى انتقاد سلبى ، وتمجيد شخصه . ثم يتحدث الكاتب عن صدمات الطفولة التى أثرت فى حياة مبارك ؛ حيث عانى من فقر مدقع ، وكان يخجل أن يتحدث عن والده الذى يعما حاجبا فى محكمة بنها ، والذى صب على ابنه غضبه الشديد ، وكان يضربه بسبب وبدون سبب ، كما أجبره على العمل فى الحقول منذ كان فى السادسة من عمره ؛ ليضع فى جيبه كل ما يكسبه ابنه ، للدرجة التى جعلت مبارك لم يزر قبر والده مطلقا ، وكان يطلق عليه لقب "الكذاب" فى المدرسة الابتدائية . وقد أثر ذلك فى أسلوب زعامته التى تميزت بالغطرسة المطلقة مع الشعب الذى يُفترض به أن يمثلهم ، وهذا شئ نموذجى عند الشخصية النرجسية ، وبدا فى خطاباته العامة متنائيا جدا ، ربما بسبب اعتماده على نص مكتوب ، وحينما يخرج عن النص فإنه يبدأ باستخدام لغة فظة ، ففى أحد خطابات عيد العمال خرج عن النص المكتوب ، وبدأ يتهم المواطنين بأنهم جشعون ويُفرطون فى الاستهلاك ، ويدل هذا على فقدان التعاطف واحتقار الناس . القذافى "ملك الملوك" "القذافى مجنون مائة بالمائة ، لقد سكنه شيطان ويتخيل أمورا ليست صحيحة " هكذا قال السادات عن القذافى ، ويشير فايسباخ إلى فترات فى طفولة القذافى أثرت فى شخصيته ؛ حيث ولد فى الخيمة التى يقطنها أهله بدون كهرباء ، كما كانت الأحداث السياسية أثناء طفولته صادمة ومأساوية حيث معركة العلمين ، التى حاول أهله الهروب منها ولكنهم ساروا عبر جثث القتلى والأشلاء ، فتعرض القذافى وهو طفل للغارات ومشاهد الموت والاحتضار ، وكان منذ نعومة أظافره مختلف عن الآخرين فكان جدّيا ومنطويا على نفسه ، وحينما التحق بالمدرسة فى سرت كان ينام فى جامعها بسبب افتقاره للمال . وحينما تولى القذافى السلطة تبنى عددا من الألقاب توضح كيفية نظره إلى ذاته العظيمة وحبه المفرط لنفسه ، منها "ملك ملوك شمال أفريقيا" "عميد الملوك" "إمام المسلمين" "زعيم القيادة الشعبية الاسلامية" ، فيقول فايسباخ أن القذافى يجمع على غرار الديكتاتورين بين سمات النرجسية وجنون العظمة المفرط الذى يتطور ليصل إلى النرجسية الخبيثة ، فكان القذافى يعمل جاهدا للتباهى بمزاياه التى يظنها استثنائية ، مثلما تباهى أنه يتلقى رسائل من أمريكيات يعجبهن شعره ، كما كان على درجة كبيرة من الغرور ، تجعله يطلب معاملة خاصة من الآخرين ويتيقن من حصوله عليها . فما إن اندلع التمرد فى ليبيا 2011 ، حتى ألقى النظام باللوم على الموساد والولايات المتحدة واتهمهما بالتحريض ، وأعلن ان المشاركين فى الانتفاضة جرذان وقُطاع طرق ، فلديه وهم دائم انه يتمتع بحصانة كإله ، وسيصبح فى النهاية فى موقع يحدد فيه مسار الأحداث التاريخية . كما كان القذافى يميل إلى المديح وإطراء الذات ، واحتوت الرسالة المركزية المبنية على القناعة النرجسية بأنه سينتصر فى النزاع القائم ضده رغم كل الصعاب ، وعندما سأله مذيع بى .بى .سى عن خططه حيال التمرد ، أجابه بضحكة هستيرية تعذرت السيطرة عليها ، فكان منفصما بشكل واضح ،ثم سأل المذيع بكثير من الجدية بعد أن استجمع نفسه عن السؤال . زين العابدين والمرأة الأفعى "لم يكن بن على بهذا القدر من السوء الذى يتحدث عنه الناس ، غير أن بطانته وخصوصا زوجته سحرتاه وامتلكتا تأثيرا سيئا فيه " بدأ فايسباخ حديثه بعرض ما قاله سائق تاكس تونسى عن بن على ، حيث شبه هذا السائق زوجته بالأفعى ، وهنا يتحدث الكتاب عن النرجسية الرائدة فى تونس وهى ليست الرجل الجالس على عرشه بل زوجته ليلى ؛ فأى مراقب ثاقب البصيرة رأى صورة تلك المرأة أو اطلالتها على التليفزيون ، يشتبه فى أن لتلك السيدة الجذابة ذات المسلك المتعجرف صورة مبالغا فيها عن نفسها ، أما الآن فقد حلّت عليها اللعنة بوصفها المرأة الأكثر كُرها فى تونس حتى صدر عنها كتاب "وصية العرش" ويُحلل فايسباخ العوامل التى أثرت فى شخصية ليلى حيث الفقر الشديد ، فكان والدها يبيع السلع التى يهديها الشبان للبنات ، وحينما توفى اضطرت والدتها للعمل فى الحمامات العامة ، وحينما أصبحت زوجة شرعية ل بن على تلاعبت به ، فبات شغلها الشاغل الأشبه بالهوس هو ضمان موقع اقتصادى وسياسى واجتماعى مأمون لها ولأسرتها ، وكانها أخذت على نفسها عهدا بأن تُصبح القائد الأعلى ، وتلك هى النرجسية بامتياز ، فهى تود أن تكون الأفضل والاجمل والأقوى ويذكر فايسباخ أن ليلى قالت لزوجة أخيها يوما "سترين أننى سأتزوج ملكا او رئيسا ، وسأبدل حياتكم" ، وتحركت ليلى لضمان السلطة بكافة الوسائل كالتلاعب ، الدسيسة ، السحر؛ فهى كوالدتها انغمست فى الشعوذة والسحر ، فيذكر أحد طباخيها أنها كانت تأمره بذبح الحرباء لزوجها وغمس اصبعه فى دمها ورسم دائرة حول كاحل الرئيس . والحديث عن نرجسية ليلى ليس من شأنه أن يستبعد نرجسية بن على الخاصة أو ينفيها ، فقد ولد فى عائلة فقيرة ورأى فى الجيش المهنة الوحيدة ، وكان لديه نزعة رغبوية فى السيطرة المطلقة على الآخرين ، ويعكس احلاله الديكتاتورية التى تعززها أساليب الدولة البوليسية ، المظهر النموذجى للزعيم النرجسى ، وحينما انتفض الشعب ضده لم تستطع حتى زوجته حمايته من غضب الشعب المكبوت والمنهوب ، وبالرغم من أنه لم يكن قائدا كاريزميا بل فضل دائما الابتعاد عن الأضواء ، فقد اضطر لمواجهة مواطنيه 28 ديسمبر ، وأشار إلى الانتحار المأسوى لبو عزيزى ببرودة وعداء مما يُظهر عجزه عن التعاطف ، أما فى خطابه 13 يناير فقد أثبتت لغة جسده أنه مضطرب ويداه تخبطان فى كل اتجاه وصوته يرتفع على فترات . اختار بن على لخطابه الأخير اللغة العامية فى محاولة يائسة لإقامة رابط مع شعبه ، وعلى غرار مبارك فقد أشاد بأعوامه التى خدم فيها البلاد وعبر عن حزنه بسبب العنف الذى يراه ، وقد واجه ليلى أنها السبب فيما يحدث ، واستعدت الهائلة للهرب ، ويذكر المقربون أنه انهار نفسيا ورفض دخول الطائرة إلى أن أجبره حراسه ، وعندما وصلوا إلى السعودية أشيع خبر مرضه وهو عبارة عن الانسحاب من الواقع . صالح "شخصية شكسبيرية تراجيدية " يرى فايسباخ أن مشهد الرئيس اليمنى صالح وهو يؤكد يائسا تمسكه بالسلطة ، يُذكر ببعض من أعمال شكسبير ؛ كالملك لير فى الأرض العراء وقد جردته بناته المتآمرات من السلطة والحاشية وهو يتمسك بادعاء السلطة ، كما يُذكر بالملك ريتشارد الثالث فى مواجهة أعدائه بمفرده وقد خسر حتى حصانه ، فكان يسير قائلا "مملكتى فى مقابل حصانى". فهذين البطلين اقتنعوا تماما بان الدسائس هى المسئولة عما حل بهما من كوارث رغم كون قرارتهما هى التى أودت بهما إلى الهلاك ؛ هكذا الأمر بالنسبة إلى من شاء أن يكون رئيسا لليمن على مدى الحياة ؛ فسياساته وأسلوبه فى الزعامة هما السبب فى التظاهر ضده . ولد صالح لأسرة فقيرة ، والتحق بالجيش الذى شكل الفرصة الوحيدة المتاحة أمامه ليصنع شيئا وحينما أصبح رئيسا منح امتيازات كثيرة للعائلة ، وعند بداية الاحتجاج ضده وصف المحتجين بالمحرضين على الفوضى والعنف والتخريب ، وظهر تعظيمه لذاته فى عبارته المتكررة "من بعدى الطوفان" وإن الأمر سيتحول لحروب أهلية دامية ، وتشير لعبة القط والفار التى حاول لعبها مع المعارضة إلى الانشقاق العميق داخل ذهنه ، ولعل من أشهر أنماط سلوك صالح أثناء الثورة هو رفضه الاعتراف بأنه يفقد سيطرته ، وبأن جهاز سلطته ينهار أمام ناظريه . المدينة الفاضلة أثناء البحث عن الزعامة الخُلقية فى السياسة ، فهناك عمل أصيل من أعمال الأدب العربى حول هذا الموضوع وهى "المدينة الفاضلة" للفارابى ، والتى خلالها يتصور صفات الرئيس الفاضل التى من خلالها يحقق العدالة والمصلحة العامة . والتى لخصها الفارابى فى الآتى : "هو الرئيس الذى لا يرأسه إنسان آخر . وهو الإمام ، وهو الرئيس الأول للمدينة الفاضلة ، وهو رئيس الأمة الفاضلة ، الذى يجب ان يتوافرفيه : أن يكون تام الاعضاء ، جيد الفهم ، جيد الفطنة ، حسن العبارة ، محبا للتعليم ، غير شره ، محبا للصدق وأهله ، محبا للكرامة ، الدنيا هينة عنده ، قويا للعزيمة ، حكيم " وأقر انه إذا توافرت كل الشروط عدا الحكمة ؛ فإن المدينة الفاضلة تبقى بلا ملك ، ورئيسها يكون ليس بملك .