من أجلها تخلص بن على من فرىد مختار الأخ غىر الشقىق لرئىس الوزراء الأسبق في الخميس13 يناير الجاري كانت ليلة الهروب الكبير للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، علي إثر موجة عاتية من الاضطرابات في البلاد واندلاع ثورة الياسمين. منذ ذلك الحين ولاتزال الروايات تتواتر عن "زوجة الرئيس الفار" المرأة التي كانت سبباً في سقوط النظام نظراً لتطلعاتها الكبري وما تردد عن أنها كانت تمهد للإمساك بمقاليد الحكم في تونس. إلا أن حكاية ليلي الطرابلسي السيدة الأولي في النظام البائد كانت مغرية للكثير من الباحثين والكتاب الغربيين فألف الصحفيان الفرنسيان "نيكولا بو" وزميلته "كاترين جراسيه" كتاب "حاكمة قرطاج..يد مهيمنة علي تونس" والذي بالطبع كان ممنوعاً دخوله إلي تونس لأنه ببساطة يرصد تفاصيل سيطرة الطرابلسي علي شئون البلاد بمعاونة أخواتها وأقربائها، ما دعا دبلوماسيين أمريكيين وفرنسيين إلي وصفهم بتشكيل "مافيا" طبقاً لما جاء في تسريبات موقع "ويكيليكس". وفي السطور التالية نستعرض أهم ما جاء في الكتاب. ولدت ليلي عام1957 في أسرة متواضعة في حي الخازندار بمنطقة باردو بالعاصمة تونس. كان والدها بائع خضراوات متجولا بينما أمها منهمكة في تربية إخوتها الأحد عشر، وفي عام 1980بدأت ليلي حياتها المهنية كمصففة شعر في كوافير"دونا" الشهير الذي كان يتردد عليه صفوة سيدات المجتمع ومن هنا نجحت في تكوين علاقات بأوساط السلطة والعمل كمصففة شعر بأروقة وزارة الداخلية وطبقاً لمصادر موثوقة فقد استغلت المخابرات التونسية جمالها في التغلغل داخل نظام العقيد معمر القذافي والذي كان متهما، لا سيما إبان حكم الرئيس الحبيب بورقيبة، بمحاولاته الدائمة لزعزعة الاستقرار في تونس وهو احتمال لا يبدو بعيداً عن الواقع حيث تحمل ليلي الطرابلسي الجنسية الليبية ويشير اسمها إلي أنها منحدرة من مدينة طرابلس الليبية. أثناء عملها مع المخابرات التونسية التحقت ليلي بشركة السياحة 2000وكان صاحبها يدعي "عمران لاموري" الذي كان يملك أيضا فندق الحمام وكان له الكثير من المعاملات مع باريس والسفارة الفرنسية ومن هنا تعددت سفريات ليلي الطرابلسي وعلاقتها الخارجية، وتم توقيفها وسحب جواز سفرها حينما ضبطت متلبسة في جمرك مطار العاصمة الإيطالية روما بمحاولة تهريب بضائع من باريس، وتدخل طاهر مقراني الذي كان أحد الوزراء المقربين من الرئيس بورقيبة، للإفراج عنها، لكن المقابلة التي غيرت مجري حياة ليلي الطرابلسي كانت مع فريد مختار رجل الأعمال الشهير الذي ترأس النادي الأفريقي المنافس الأول للترجي، وفريد مختار هو أخ غير شقيق لرئيس الوزراء الأسبق "محمد مزالي"، بفضل تلك العلاقة حصلت ليلي علي وظيفة سكرتيرة في "بنك تونس" وكان رئيسه هو "حسن بلخوجا" خال فريد مختار، وأحد المقربين من الرئيس بورقيبة وأول سفير لتونس في باريس بعد الاستقلال عن فرنسا. وانتهت علاقة ليلي بفريد مختار حينما قرر هذا الأخير وضع حد لها عام 1984الذي شهد عودة الرئيس بن علي من بولندا حيث كان سفيرا بها وتم تعيينه وزيرا للداخلية في حكومة محمد مزالي والتقت ليلي ببن علي وعاشت معه في فيلته بشارع "سكره" الشهير بالعاصمة تونس، وكانت ليلي تتقاسمه طموح الرئاسة وكان بن علي دائما يقول لها "اصبري يوما ما سنحكم من قرطاج"، في إشارة لقصر الرئاسة. في ذلك الوقت كان الصراع مشتعلا في حاشية رئيس الوزراء محمد مزالي وكان الفريقان المتناحران هما: زوجة مزالي نفسه وأخوه غير الشقيق فريد مختار والعشيق السابق لليلي الطرابلسي ومعهما بعض الوزراء أما الفريق الثاني فكان يضم وزير القوي العاملة "مزري شكير" ومعه وزير الداخلية بن علي و بعض الوزراء.. وكان فريد مختار يشعر دوما بأنه مهدد ومستهدف من بن علي للخلاف السياسي من جهة ولعلاقته السابقة بليلي من جهة أخري، وفي أحد أيام مايو 1986اجتمع أعضاء الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم بقيادة رئيس الوزراء محمد مزالي لتصفية الأجواء بين المتناحرين وانتهي الاجتماع عند منتصف الليل دون التوصل لنتائج معروفة، وفي الثالثة صباحا تلقي مزالي مكالمة هاتفية وكان علي الطرف الآخر وزير الداخلية بن علي الذي بادره قائلاً: "سيدي رئيس الوزراء.. آسف جداً أخوك فريد مختار تعرض لحادث خطير بسيارته وهو في حالة حرجة بالمستشفي"، وبعد تلك المكالمة بساعتين أجري بن علي اتصالا آخر أخبر فيه رئيس الوزراء: "آسف جدا يا سيدي ..السيد مختار مات". إذلال سها عرفات في عام 2009 شهدت تونس اجتماع منظمة المرأة العربية برئاسة ليلي الطرابلسي وكان أبرز الغائبين عن الحضور الأميرة رانيا حرم العاهل الأردني والشيخة موزة وذلك لسببين، الأول:ما فعلته ليلي الطرابلسي مع سها عرفات حرم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حيث استولت زوجة الرئيس المخلوع علي أموال سها وممتلكاتها ببنوك تونس كما نزعت عنها جنسيتها التونسية، وعاملتها باحتقار وإذلال شديدين، أما السبب الثاني فهو محاولات ليلي الخبيثة لتزويج إحدي بنات أخيها من حاكم دبي طمعاً في أمواله علماً بأن هذا الأخير متزوج من إحدي أميرات الأردن. الشقيق الأكبر بلحسن الطرابلسي من أبرز الشخصيات التي تحدث عنها الكتاب فهو الشقيق الأكبر لليلي وكان ملقبا في تونس ب"نائب الملك" نظرا لحجم إمبراطوريته الاقتصادية حيث كان شغوفا بالاستيلاء علي الأراضي والمواقع التاريخية وإقامة مشاريع تجارية عليها واستطاع في عام 2001 تأسيس شركة طيران قرطاج وحقق أرباحا خيالية علي حساب شركة "تونسيا إير" الوطنية، التي عبر رئيسها "نبيل شيتاوي" أكثر من مرة عن رعبه من ممارسات بلحسن الطرابلسي وهيمنته علي مجال النقل الجوي، وكانت أرباح بلحسن في عام 2007فقط تقدر ب230مليون يورو مقابل 184مليون يورو في2004 فضلا عن امتلاكه أسهما وحصصا غير معروفة في كل بنوك تونس تقريبا. مؤلفا الكتاب يؤكدان أنه عقب انتخابات الرئاسة في 2004بدأت ليلي الطرابلسي في التفكير بل والتنفيذ بشكل جدي في إقصاء الرئيس بن علي تماما من سدة الحكم بمعاونة أخيها بلحسن ومن أجل ذلك الهدف طلبت منه الزواج من ابنة "الهادي جيلاني" رئيس اتحاد أرباب العمل في تونس وكانت ليلي تسعي لأن تجعل من هذا الأخير رئيسا للوزراء عقب انتخابات 2004 كي يساعدها مع أخيها في القفز علي مقعد الرئاسة في حال موت الرئيس بن علي أو في حال أقعده المرض، كما طلبت ليلي من جيلاني أن يزوج ابنته الكبري لسفيان بن علي ابن منصف بن علي شقيق الرئيس كي يوطد علاقته أكثر بالقصر الرئاسي. خادم عائلة الطرابلسي تحت هذا العنوان يتحدث الكتاب عن وزير الخارجية السابق عبدالوهاب عبدالله، الذي شغل منصب وزير الإعلام عام 1987وعاقبه بن علي بالإبعاد في الفترة من 1988إلي 1990حيث عينه سفيرا لتونس في العاصمة البريطانية لندن، وذلك لأسباب تبقي حتي الآن مجهولة.. ولكن يبقي عبدالوهاب عبدالله من أشد المقربين من بن علي وزوجته، والشيء المؤكد أن عبدالوهاب عبدالله هو الذي نقل إلي بن علي عام 1987أي حينما كان رئيسا للوزراء، أن الرئيس بورقيبة ينوي إقالته في التاسع من نوفمبر من نفس العام و ذلك علي إثر مشادة كلامية بين بورقيبة وزين العابدين، قبل ذلك التاريخ بثلاثة أيام، حينما اكتشف الرئيس الراحل أن رئيس وزرائه أضاع شهادة الثانوية العامة الخاصة به، فصرخ بورقيبة في وجهه قائلا :"أنت جنرال حمار"، و من هنا تحرك بن علي نحو الانقلاب علي الرئيس الراحل.. وكان عبدالوهاب عبد الله مكلفا بقراءة الجرائد في تمام الرابعة عصرا يوميا و هو ما مكنه من معرفة ما يدور في رأس بورقيبة، ولعل تعيينه سفيرا لتونس في لندن كان رغبة من بن علي في حمايته من أنصار بورقيبة، والدليل علي ذلك هو أن بن علي عين عبدالوهاب عبد الله، بعد عودته من لندن، في منصب وزير دولة ومتحدث رسمي باسم القصر الرئاسي إضافة لمناصب أخري بالتوازي علي مدار ثلاثة عشر عاما تمكن خلالها من نسج شباكه علي كل أجهزة الدولة ومؤسساتها. وفي هذا السياق أيضا يؤكد الكتاب أن"دانيل بوتون" رئيس مجلس إدارة البنك الفرنسي الشهير "لا سوسيتيه جنرال"طلب مقابلة الرئيس بن علي شخصيا، و ذلك كي يبلغه بأنه تعرض لعملية نصب كبري أثناء شرائه "الاتحاد الدولي لبنوك تونس"UIB حيث تم تزوير الكثير من الأرقام والحسابات وكانت "علية عبدالله" زوجة وزير الخارجية السابق هي المسئولة عن البنك المباع وبالطبع لم يقم زوجها بإبلاغ بن علي بأن رئيس مجلس إدارة البنك الفرنسي يرغب في مقابلته. الخوف من عائلة مطري رغم أن اسم ليلي الطرابلسي كان كافيا لإثارة خوف الكبير والصغير في تونس بحكم أنها الحاكم الفعلي للبلاد وصاحبة التأثير الأكبر علي زوجها الرئيس, فإن "نعيمة مطري" زوجة "منصف مطري"، كانت الوحيدة التي لا تخشي سطوة ليلي الطرابلسي وكانت طموحاتها معروفة للجميع في أن تزيحها من مكانها كسيدة أولي لتونس، فنعيمة هي زوجة "منصف مطري"الذي حاول الانقلاب علي نظام الرئيس بورقيبة عام 1962، مما كلفه السجن عشر سنوات أشغالا شاقة وكانت المحكمة العسكرية قد حكمت عليه بالإعدام لولا تدخل وسيلة بورقيبة، كما أن نعيمة مطري هي أم "صخر مطري"الشاب الذي تزوج من نسرين ابنة ليلي و زين العابدين بن علي. يقول الكتاب إنه في صيف عام 2008كان العقيد معمر القذافي في زيارة"عمل"كما صرحت بذلك الدبلوماسية الليبية في ذلك الوقت، وكانت عائلة مطري تربطها علاقات ممتازة بالقذافي حيث كانت نعيمة تنقل للرئيس الليبي كل ما تقوم به ليلي الطرابلسي التي أرسلت نعيمة للرئيس القذافي كي تبرر موقفها في مصادرتها لأموال ومجوهرات سها عرفات ومعاملتها لها بشكل مذل، ولكن نعيمة مطري لم تفعل ذلك بل إنها وشت بليلي عند الزعيم الليبي لتكسب ثقته، لذا فإن ليلي فعلت كل ما بوسعها كي لا تلتقي عائلة مطري بالرئيس الليبي في زيارته لتونس ولكن كل محاولاتها كانت دون جدوي، خاصة أن القذافي اختار النزول بفيلا"مطري"الأنيقة بمنطقة الحمامات، وكان من بين هداياه لنعيمة مطري عقد مرصع بالماس وهو ما أثار غيرة وجنون ليلي الطرابلسي ضد حماة ابنتها. غير أن أكثر ما كان يثير قلق بن علي وزوجته من عائلة مطري هو تشجيع الرئيس القذافي لمنصف مطري و لو بشكل هزلي علي الانقلاب علي الرئيس بن علي ففي تلك الزيارة قال القذافي لمنصف:"لقد نجوت من محاولة انقلاب فاشلة (يقصد محاولته الانقلاب علي بورقيبة)لذا اقترح عليك انقلابا ناجحا هذه المرة و بعدها اجعل من تونس مملكة".. ويؤكد الكتاب أن عائلة مطري كانت تطمح في أن يكون ابنها صخر هو خليفة الرئيس بن علي خاصة مع تزايد الأقاويل عن حالته الصحية و صغر سن ابنه الوحيد محمد زين العابدين الذي رزق به في 2005..و كان وزير الخارجية السابق عبدالوهاب عبد الله قد قدم معلومات موثقة عن لقاء جرت وقائعه في العاصمة البريطانية لندن بين صخر مطري وراشد الغنوشي زعيم التيار الإسلامي المعارض والذي كان يقيم في لندن منفيا، ما أثار غضب الرئيس بن علي بشدة الذي لم يكن يعلم أن الانقلاب سيأتيه من حيث لا ينتظر.