«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محيط تونس المغاربي.. هل يستحث الخطى وراء إيقاع "ثورة الياسمين"؟
نشر في المصريون يوم 25 - 01 - 2011

لم تهدَأ بعدُ "ثورة الياسمين" كما وصفها البعض في تونس، لكن أريجها يعطر الفضاء العربي القريب منها والبعيد، ومع أن نسائِمها لم تتحوّل بعدُ إلى رياح عاتية، لكنها تغطي سماء محيطها. وفي الوقت نفسه، يحاول المعنيون بها تمهيد الأجواء الداخلية لتبقى في سمائهم مجرد نسائم ولا تتحول إلى عواصِف.
ومن الطبيعي أن تكون الجغرافيا القريبة (المنطقة المغاربية)، الأكثر تأثرا برائحة الياسمين التونسي. وإذا كانت تجارب الشعوب لا تُستنسَخ، فإن قانون التأثر والتأثير يسري على الجميع، خاصة إذا ما توفَّرت الظروف وهيِّئ المناخ، بعد أن حاول بعضهم استلهام نموذج نظام بن علي لتدبير شؤون بلاده. لذلك، أسرعوا ومن باب الإحتياط والتوقي، باتخاذ سلسلة إجراءات استباقية لإبقاء رائحة الياسمين في حدود موطنها الأصلي على الأقل، وإن كانت هناك تخوّفات من ذهابهم نحو الحدّ منها حتى داخل حدودها، حتى لا تصبح نموذجا يحتذي به الشعب بعد أن كانوا هُم يحتذون ببن علي.
في طرابلس، كما في الجزائر والرباط ونواكشوط، وفَور الإدراك بأن الشعب التونسي أسقط زين العابدين بن علي وأجبره على الفرار واللجوء إلى المملكة العربية السعودية، أعلِن عن قرارات بإلغاء الزيادات في أسعار مواد غذائية أو تخفيض الأسعار وإلغاء الجمارك على عدد من السِّلع وخلق مناصب شُغل لمئات من العاطلين عن العمل، إضافة إلى اتخاذ إجراءات أمنية، لم يُعلن عنها.
لكن كل هذه الإجراءات والقرارات لم تطوق "حلم" تنشُّق رائحة الياسمين، التي غطَّت سماء تونس، ليس فقط لأن شابا اسمه محمد البوعزيزي صبّ البنزين على نفسه وأشعل فيها النيران، احتجاجا على مصادرة عربة الخضار التي كانت مصدر رزقه، وإنما وأساسا لأن المواطن التونسي لم يعُد يحتمل القهر والتسلّط وحرمانه من الحرية، وهو يرى الفساد ينخر دولته وأمواله وخيراته تُنهب لصالح عائلة الحاكم.
صورة من الأرشيف لمأدبة عشاء نظمت في القصر الرئاسي بقرطاج مساء 5 ديسمبر 2003، للزعيم الليبي معمر القذافي من طرف بن علي. (Keystone)
إجراءات وقرارات.. ولكن؟
في ليبيا، أعلن مصدر حكومي إلغاء كل الرّسوم الجمركية وأي رسوم أخرى على المواد الغذائية، خصوصا الأساسية منها، وكذلك على حليب الأطفال، رغم الإرتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية في العالم واضطرار الدولة إنفاق 6 مليارات دولار في 2010 تحت بند دعْم المواد الغذائية الأساسية، علاوة على المحروقات والأدوية، واقتحمت أعداد من المواطنين الليبيين (المعارضة التقليدية للنظام) في عدّة مدن شرق البلاد، آلاف الوحدات السكنية التي وعدت بها الدولة الشعب منذ عدة سنوات ولم تسلمها لأصحابها، خاصة في ظل مشكلة السكن المستفْحلة في البلاد.
وحسب شهود عيان، فإن عمليات الإقتحام التي جرت في بنغازي ودرنة والبيضا وسَبها، تمّت أمام قوات الدعم المركزي وكتائب الشرطة، التي انسحبت من المكان وتركت المجال مفتوحا للمُقتحمين لاستخدام هذه الشقق السكنية، حيث يُعتقد أن "أوامر عُليا صدرت من طرابلس لقوات الأمن بعدم اعتراض المواطنين ومنعهم من اقتحام هذه المساكن، وذلك بهدف كسْب الوقت وتطويق أي غضب متوقع من قبل الجماهير". وتحدثت مصادر عن عمليات سلْب ونهْب لمقر شركة بريطانية تعمَل في إنشاء مشروع سكني في بنغازي. وقالت مصادر ليبية معارضة، إنه تمّ اعتقال 214 شخصا على خلفية عمليات السَّطو والنهب التي رافقت اقتِحام المشاريع الإسكانية في مختلف مدن ليبيا.
ولتطويق ذُيول الاقتحامات للشُّقق السكنية، أمرت السلطات الليبية جميع أئمة المساجد بتوحيد خطبة صلاة الجمعة، لتشمل موضوعها "الشغب" الذي أحدثته. وقالت أوساط المعارضة الليبية، إن السلطات بصدد تشكيل لِجان في القوات المسلحة الليبية لشنّ حملة اعتقالات في صفوف ضباط الجيش الليبي، بعد يوميْن فقط من توجيه وكالة أنباء ليبية محسوبة على المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد القذافي، انتقادات نادرة وغيْر مسبوقة للجيش الليبي، مطالبة بإعادة هيكلته وتحديثه.
ومنذ خطاب الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي (وجهه يوم 16 يناير 2011) إلى الشعب التونسي، الذي أدان فيه ثورة الياسمين وطرد زين العابدين بن علي، تُبرِز وسائل الإعلام الليبية مظاهر الفوضى وأحداث العنف، التي شهدتها بعض المدن التونسية بعد فِرار بن علي، إلا أن أوساطا متعدِّدة تُبدي خِشيتها من أن تمتد مناهضة الرئيس الليبي لثورة تونس إلى احتضان بقايا أتباع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وإمدادها بالسلاح، وهو ما تحدّثت عنه تقارير صحفية عربية ونفاه مصدر ليبي مسؤول، مؤكِّدا أنها معلومات "خاطئة وغيْر حقيقية، لأننا لا نقوم بأي عمل يمكن اعتباره تدخّلا في الشؤون الداخلية للشعب التونسي"، وأضاف المصدر نفسه أن "مَن يروِّجون لهذه الشائعات، لا يريدون الخير للعلاقات الليبية التونسية ولا يريدون أمْن واستقرار تونس. بالتأكيد، نحن نراقب الوضع هناك ونشعر بالقلق لِما يجري، لكننا لا نتدخّل في شؤون الآخرين".
وأدانت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة محاولات العقيد معمر القذافي بثّ "الفتنة والفوضى" في تونس، محذِّرة كافة الأطراف السياسية والمدنية والعسكرية في تونس من مغبّة هذه التحرُّكات التي تستهدِف ضرب الإنتفاضة التونسية وإفشال حركة التغيير الجِذري، الذي تحققه الإنتفاضة الشعبية في تونس.
وإذا كان الاحتجاج بالانتحار حرْقا على طريقة البوعزيزي لم يصِل إلى ليبيا أو لم يُعلَن عن ممارسته، فإن مواقف مُشابهة شهِدتها مدن جزائرية ومغربية وموريتانية، دون أن تتبعها احتجاجات واسعة، وإن كانت هذه الإحتجاجات انطلقت بأشكال متعددة.
"أيها النظام ارحل" ، شعار مشابه لما رفعه المتظاهرون في تونس يحمله أحد المحتجين الجزائريين يوم 22 يناير 2011 وسط الجزائر العاصمة (Keystone)
هم السابقون.. فمن هم اللاحقون؟
في الجزائر، التي تزامنت انطلاقة ثورة الياسمين التونسية فيها مع احتجاجات جزائرية مُشابهة أسفرت عن سقوط خمسة قتلى وأكثر من 800 جريح (معظمهم من رجال الأمن)، ثم هدأت بعد أن تراجعت السلطات عن زيادة في أسعار المواد الغذائية بعد أن حمَّلت مسؤوليتها للتجار وفوضى السوق، إلا أن احتجاجات سياسية بدأت تطل برأسها. وشهد وسط العاصمة يوم السبت 22 يناير الجاري، مواجهات دامية بين قوات السلطة ومتظاهرين، تجمّعوا بناءً على دعوة من حزب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، أسفرت عن جرح واعتقال العشرات، أفرجت عنهم السلطات بعد ساعات من احتجازهم.
وإذا كان الحزب قد عجز عن تنظيم مسيرته وانفلات المحتشدين من أمام مقره إلى مبنى البرلمان بسبب الطوق الأمني غيْر المسبوق الذي ضربته الحكومة على مداخل العاصمة لمنع المتظاهرين من الإلتحاق بنقطة انطلاق المسيرة، فإن المظاهرة تحوّلت إلى اعتصام أمام مقر الحزب تَم خلاله رفع شعارات ومطالب سياسية متّصلة برفع حالة الطوارئ وفتح مجالات التعبير السياسي والإعلامي للمعارضة وإطلاق سراح مئات الشباب الذين اعتقِلوا على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية التي وقعت بالبلاد، وليقرر الحزب بعد ذلك تنظيم مسيرة مماثلة يوم التاسع من فبراير المقبل.
مصير مغاربي مُشترك؟
وفي نداء يشيد بالثورة التونسية وقّعته مجموعة من الجامعيين والصحفيين والشخصيات الجزائرية، من بينها الصحفي فوضيل بومالة، النائب السابق وحيدر بن دريهم والجامعيون زبير عروس وإحسان بشاني وسعيد بوضياف من قُدامى محاربي حرب التحرير الجزائرية، والناشر وادي بوسعد والجامعي يوسف الأخضر حمينة، ابن المخرج السينمائي محمد الأخضر حمينة، الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان سنة 1974 عن فيلمه "سنوات الجمر"، وأطلقوا عليه اسم نداء إلى التغيير الديمقراطي في البلاد، قال هؤلاء إن "التحرك العادل للشعب التونسي يفتح وضعا سياسيا جديدا في المغرب العربي، الذي يربطه مصير مُشترك"، ودعَوا إلى الوحدة وضرورة "تضافُر كافة مبادرات المواطنين والجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية في اتجاه رفع القيود عن الحياة العامة ومن أجل تحقيق التداول الديمقراطي في الجزائر".
وانتقد النِّداء، الحكومة الجزائرية لأنها لم تعط الإحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أسابيع "سوى تفسيرا واحدا، وهو ارتفاع أسعار المواد الأساسية"، رغم أن "أزمة يناير لا تنصهر في الزيت"، مشيرين إلى أن "التحركات الاجتماعية بلغت في السنوات الأخيرة عددا غير مسبوق"، مما جعل "الحكم وجد نفسه وحيدا أمام ارتباك وغضب الجزائريين"، في ظل فرض حالة الطوارئ و"القمع الأمني والتضليل والقيود على الإعلام".
في السياق نفسه، حذّر سيد أحمد غزالي، وهو رئيس حكومة سابق، من عدم قيام حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتغييرات سياسية، ونقل عنه قوله أن "أحداث تونس ستُساهم في إحياء الضمائر وإخراج الجزائريين من حالة القنوط واليأس حِيال تغير الأوضاع وسيعيد الأمل لهم، وهو أمر إيجابي في حدّ ذاته وسيكون ذلك بمثابة تسونامي سياسي''.
وقال غزالي: ''لم أكُن يوما من المتحمِّسين للتغيير بالفوضى، ولقد حاولت مِرارا إقناع المتحكمين في النظام في الجزائر بضرورة التغيير في هدوء ونظام، وهذا النظام قرّر عدم التغيير، لأنه يظُن أن الجزائر محصَّنة بحُكم أنها تشهد يوميا أعمال شغب، لكن أخشى أن يأتي يوم تنتشر فيه التظاهرات بصفة معمّمة، وحينها سيكون تسونامي سياسي".
ليست الجزائر وحدها التي تعتبِر نفسها محصّنة من "فيروس" الياسمين التونسي، ففي المغرب أيضا (الذي شهِدت مدنه 3 محاولات الانتحار حرقا) تستخف السلطات من هذه المحاولات، وهناك مَن يعتقد أن الوضع المغربي مختلف عن الوضع التونسي، سواء تعلق الأمر بشرعية النظام أو بمستوى التطور السياسي أو بهامش الحريات الذي توسّع كثيرا في العشرية الماضية.
المسؤولون حريصون على عدم التعليق على ما جرى في البلد الشريك بالجغرافيا والدِّين والتاريخ وأيضا الاتحاد المغاربي، مكتفين ببيان وزارة الخارجية الذي أكدت فيه احترام إرادة الشعب التونسي ودَعت المجتمع الدولي لمساعدته، للوصول إلى الأمن والاستقرار. والموقف شِبه الرسمي الذي برز من خلال تغطية وسائل الإعلام المغربية شِبه الرسمية، ليس فقط يؤكد على الاختلاف وعدم التشابه، بل أن ما جرى في تونس ليس بعيدا عن تدبير القِوى الكبرى والحركة الصهيونية وإسرائيل".
أما الأحزاب، فأصدرت بيانات تؤيِّد فيها الشعب التونسي وتتمنى له انتقالا ديمقراطيا سلِسا، وناشطون حقوقيون احتشدوا قبل سقوط بن علي أمام السفارة التونسية بالرباط لإعلان دعمهم للشعب التونسي ونظَّموا تجمُّعا حاشدا يوم الخميس 20 يناير وأعلنوا ميلاد جمعية مغاربية للديمقراطية.
"انهيار نموذج وليس سقوط نظام فقط"
من جهته، يعتقد المحلل السياسي المغربي علي انوزلا، أن ما حدث في تونس ويحدث في الجزائر "يُمكن أن يحدث غدا في المغرب، هذا إذا لم يكن قد حدث في أوقات سابقة مع اختلاف في الخلفيات السياسية والاجتماعية التي حركت تلك الأحداث المأساوية، إذ لا يكفي أن نقول بأن المغرب محصَّن ضد كل عدوى خارجية ونركن إلى التحليلات المطَمئِنة".
ويضيف أنوزلا، أن أصواتا بالمغرب، وهي التي صمتت طيلة فترة الإنتفاضة التونسية على جرائم النظام التونسي البائد، ارتفعت اليوم لتتحدّث عبْر منابر إعلامية محسوبة على جهات مقرّبة من السلطة، عن "الخصوصية المغربية" المفترى عليها، وهي نفس الخصوصية التي كان يقولها نظام بن علي. كما أن "ثورة الياسمين" كشفت أن الإستخفاف بقدرة الشعب على التغيير، هي التي أسكرت النظام السابق حتى تهاوى مثل قصر من رمل نسفته رياح الثورة، التي لم يكن يتوقعها.
ويؤكِّد انوزلا أن "ما سقط في تونس، ليس هو نظام بن علي فحسب، وإنما الأهَم من ذلك هو انهيار النموذج، نموذج النظام القمعي البوليسي الفاسد، الذي كان يحكم بالخوف والترهيب، ومعه تمّ تكسير حاجز الخوف في المنطقة العربية برمَّتها، والمغرب لا يمكن أن يشكل الإستثناء داخل هذه المنطقة، بل إن المغرب هو أقرب بلد مرشَّح لتِكرار تجربة تونس، إذا لم يتم استيعاب الدرس التونسي".
ولا يتردد أنوزلا في القول: "في المغرب يوجد فساد أكثر من ذلك الذي كان يوجد في تونس، فإذا كان الفساد في تونس في عهد بن علي محصورا داخل أسرته وأصهاره، فإن الفساد في المغرب يعُمّ جميع المؤسسات والإدارات في المدن والقرى. وفي المغرب، يوجد أكثر من نموذج لأسرة ليلى الطرابلسي وأكثر من نموذج لصخر الماطري، وحتى هامش الحرية الذي عرفه المغرب نهاية التسعينات، أصبح يضيق حتى أصبحنا نقترب من "النموذج" التونسي في محاصرة الإعلام ومضايقة الحريات وتدجين السياسة، حتى أفقدنا الناس الثقة فيها".
الناشطة النسائية اليمنية توكل كرمان تقود إحدى المظاهرات المؤيدة للثورة التونسية في العاصمة صنعاء يوم 23 يناير 2011 قبل اعتقالها من طرف قوات الأمن التي أفرجت عنها في اليوم الموالي. (Keystone)
"إرادة الشعوب لا تموت"
أما موريتانيا، التي شهدت تغييرا، يبْدو أنه حتى الآن لم يقنع الشباب الموريتاني، ورغم أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يؤكِّد أن الوضع في بلاده "مختلف عن البلدان الأخرى، حيث لدينا معارضة حرّة تنتقد وتقوم بعملها. معارضتنا تثير المواضيع كافة وليس لدينا محّرمات"، فإن حركة الإحتجاجات تتصاعد ومحاولات الإنتحار تتكرّر.
ويوم الأحد 23 يناير، أقدم شاب موريتاني في العقد الثالث من عمره على الانتحار، حيث وجِد مُعلقا على عمود كهربائي في الملعب الأولمبي وسط العاصمة نواكشوط، ثم عُلم أن الأسباب التي دعته إلى الانتحار، تتلخص في الجوع والحرمان وجاءت هذه التطورات بعد الإعلان عن وفاة يعقوب ولد دحود (43 عاما) في مصحة السلامة بالدار البيضاء بالمغرب متأثرا بحروقه جرّاء إضرام النار في جسده قُرب القصر الرئاسي الأسبوع الماضي "احتجاجا على الظلم والحرمان".
ووصف الرئيس محمد ولد عبد العزيز، المُنتحر يعقوب ولد دحود الذي نقل يوم الخميس 20 يناير إلى المغرب بعد تدهور حالته، بأنه رجل أعمال وأن الدافع إلى إحراق نفسه، ليس الفقر والحرمان، وهو ما أثار انتقادا واسعا في صفوف المعارضة، خاصة وأن صحفيين أبلغهم داود قبل دقائق عزمه إضرام النار في نفسه، تعبيرا عن "استيائه من الوضع السياسي في البلاد وغضبه من النظام الحاكم". وتقول المعارضة الموريتانية، إن المُنتحر تصرّف "بدافع من الظلم. لقد فقد السيطرة على أعصابه بسبب تجاوزات النظام الظالم".
المسؤولون الرسميون أو المقربون منهم في نواكشوط ينأون ببلادهم عن فيروس "الياسمين التونسي" ويتحدّثون عن الوضع المختلف، لكن معارضيهم يؤكدّون بالتشابه في الأوضاع والتدبير ويؤكِّدون أن عوامل الثورة التونسية، هي الفقر والقهر والقمع وتفشي الفساد والعزوف السياسي، بعد تدهور مصداقية الأحزاب السياسية وتميع صورتها، وهي سمات مغاربية مشتركة والإختلاف اختلاف بالدرجات.
وبدوره يؤكِّد علي انوزلا أن المغاربيين يستطيعون إنجاز ثورة هادئة "لو عرفنا كيف نستفيد من الدرس التونسي، قبل أن تهبّ العواصف التي لا نعرف من أي قُمقم ستخرج. يكفي فقط وجود إرادة التغيير عند السلطة، وإذا ما تأخرت، فإن الطبيعة لا تحب الفراغ، وإرادة الشعوب مَهْما استكانت، فإنها لا تموت".
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.