الإدارية العليا تستقبل 29 طعنا على نتيجة ال19 دائرة الملغاة بالمرحلة الأولى للنواب    700 مشروع في القليوبية.. رئيس الوزراء يتفقد ثمار «حياة كريمة» ميدانيًا    وزير الكهرباء يتفقد قطاع شبكات المدن الجديدة بمدينة العاشر من رمضان    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    موعد صرف معاشات يناير 2026 بعد زيادة يوليو.. وخطوات الاستعلام والقيمة الجديدة    الخارجية الأردنية تدين مصادقة إسرائيل على إقامة 19 مستوطنة غير شرعية بالضفة الغربية    وزير الخارجية: نرفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين وندعو لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة    إعلام عبرى: اغتيال رائد سعد جرى بموافقة مباشرة من نتنياهو دون إطلاع واشنطن    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عددا من القري في رام الله ويحتجز مواطنين    محافظ الوادي الجديد يشهد الاستعدادات النهائية لختام مهرجان الرياضات التراثية والفنون    لماذا يثير محمد صلاح كل هذا الغضب؟    جماهير ليفربول تصفق ل محمد صلاح بعد مشاركته بديلا أمام برايتون (فيديو)    قائمة الكاميرون لبطولة كأس الأمم الأفريقية 2025    حجز محاكمة 7 متهمين بتهريب العملة للحكم    محافظ الغربية يتفقد الشوارع الفرعية بطنطا لمتابعة رفع مياه الأمطار    نائب محافظ الأقصر يزور أسرة مصابي وضحايا انهيار منزل الدير بمستشفى طيبة.. صور    الإعدام لعامل والسجن المشدد 10 سنوات لمجموعة بتهمة قتل شخص في طوخ    "الزراعة" تضبط 189 طن لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي خلال أسبوع    عالم «تارانتينو» الساحر!    افتتاح معرض «الإسكندر الأكبر: العودة إلى مصر» بمكتبة الإسكندرية    "أزهري يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عدية للقراءة    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    حماس تحذر من كارثة إنسانية بعد عواصف غزة    وفاة والدة الدكتور خالد حمدي رئيس جامعة الأهرام الكندية    نرمين الفقي تهنئ محمد هنيدي بزواج ابنته.. صور    كندا وأمريكا تتأهبان لمزيد من الأمطار والفيضانات    بحوزته 35 كيلو شابو وأسلحة.. مصرع تاجر مخدرات في حملة أمنية بقنا    بدء الصمت الانتخابي غدا فى 55 دائرة انتخابية من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    كلية الدراسات الإفريقية تنظم ندوة عن العدالة التاريخية والتعويضات    لاعب بيراميدز يكشف ما أضافه يورتشيتش للفريق    إدراج معهد بحوث الإلكترونيات ضمن لائحة منظمة الألكسو لمراكز التميز العربية    الموسيقيين تشطب عاطف إمام بعد تحقيقات رسمية تثبت مخالفات إدارية ومالية    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    وصفة الزبادي المنزلي بالنكهات الشتوية، بديل صحي للحلويات    رئيس الوزراء يتفقد مشروع إنشاء مستشفى التأمين الصحي الشامل بالعاصمة الجديدة    محافظ أسيوط يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمستشفى الإيمان العام بنادي الاطباء    تموين الفيوم يضبط محطتين تموين سيارات يتلاعبان في المعيار الخاص بطلمبة سولار    طلعات جوية أميركية مكثفة فوق ساحل فنزويلا    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    إبراهيم حسن يشيد بإمكانات مركز المنتخبات الوطنية.. ومعسكر مثالي للاعبين    جهاز «شئون البيئة» يترأس وفد مصر فى اجتماع جمعية الأمم المتحدة للبيئة فى نيروبى بكينيا    تعرف على إيرادات فيلم الست منذ طرحه بدور العرض السينمائي    صحة دمياط تضرب بقوة في الريف، قافلة طبية شاملة تخدم 1100 مواطن بكفور الغاب مجانا    الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف نهائي بطولة إفريقيا لكرة السلة للسيدات    الأعلى للثقافة: الكشف الأثرى الأخير يفتح ملف عبادة الشمس ويعزز القيمة العالمية لجبانة منف    محافظ أسيوط يقود مفاوضات استثمارية في الهند لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    لخدمة الشباب والنشء.. رئيس الوزراء يؤكد دعم الدولة للمشروعات الثقافية وتنمية الوعي بالمحافظات    تكريم إدارة الصيدلة بمستشفى الشيخ زايد خلال مؤتمر التفتيش الصيدلي    مواعيد مباريات السبت 13 ديسمبر - بيراميدز ضد فلامنجو.. وليفربول يواجه برايتون    «أسرتي قوتي».. المجلس القومي لذوي الإعاقة يطلق برامج شاملة لدعم الأسر    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    للشباب.. فرص عمل جديدة في عدد من الشركات الخاصة    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    اسعار الذهب اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى محال الصاغه بالمنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط الجندي الذي حكم تونس
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 18 - 01 - 2011

هذا الذي حصل في تونس لا يعني إسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي فقط.. بل امتد أثر الثورة الشعبية الشاملة في الأرض الخضراء إلي إسقاط أصل النظام نفسه منذ أن أقامه الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، الذي تولي الحكم منذ الاستقلال عام 1956، وحتي خلعه بن علي يوم 9 نوفمبر 1987 . ثورة شعبية بدأت رمزيًا بإحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه احتجاجًا علي حالة البطالة التي يعيشها والآلاف غيره من شباب بلده، ويأس من إمكانية الحصول علي وظيفة تحفظ كرامته، وتوفر أوده في الطعام.
أسقطت هذه الثورة الشعبية بتضحيات الشباب نظامًا قمعيًا بدأ منذ أكثر من 23 سنة بما يعطي الشعوب العربية الواقعة تحت أحكام نظم ديكتاتورية ليست أقسي دائمًا ولا أظلم ولا أقل شرعية أو أكثر من نظام بن علي، أملاً وفرصة وحقا بإسقاط الديكتاتوريات العربية في المشرق وفي المغرب العربي حتي لو رافقتها تضحيات عديدة، وقد يكون بين التضحيات كثيرون من أمثال محمد البوعزيزي.. وليس كثيرًا أن يسقط الشعب التونسي ديكتاتورًا بقسوة وإرهاب وفساد وقمع وجهل بن علي عبر تقديم عشرات القتلي ومئات الجرحي، فهذه هي طبيعة الثورات الشعبية، كلما كانت شاملة قل عدد شهدائها وعجلت بتحقيق أهدافها.
إسقاط نظام زين العابدين بن علي في تونس هو درس قدمه هذا الشعب العربي بإمكانية العمل السلمي لإسقاط الديكتاتوريات، دون الحاجة إلي الاستعانة بالأجنبي للحصول علي الحرية أو التخلص من الديكتاتورية.
هذا كلام بمفعول رجعي ينطبق علي حالة القوي السياسية العراقية التي استعانت باحتلالين متقاطعين أمريكي وفارسي لإسقاط نظام بلدها الديكتاتوري ولتقيم نظاماً يقبع في أحضان طهران وواشنطن (دون التذكير بالجرائم والمفاسد والإرهاب وتفتيت الوطن وإسقاط المفاهيم الوطنية لصالح المفاهيم الطائفية والمذهبية).
لو لجأ الشعب العراقي لحالة الشعب التونسي، لكان الثمن الذي يدفعه لإسقاط الديكتاتورية العراقية أبسط بما لا يقاس وأقل ضررًا وطنيًا وقوميًا وأخلاقيًا مما وقع فيه بلدهم بسبب الاستعانة بالأجنبي بدل الخيار الوطني.
كلامنا بمفعول رجعي، لا يعني أن الفرصة ذهبت، بل إن أعداد وأحجام الديكتاتوريات العربية، هي واقع وواجب وحق باستلهام تجربة الشعب التونسي لإسقاط زملاء بن علي بأسماء مختلفة.
من هو زين العابدين بن علي؟
هو من قرية حمام سوسة في 3/9/1936، درس في معهد فني متواضع ودخل الجيش عام 1958، كان زين العابدين بن علي جنديًا بسيطًا عمل مرافقًا لضابط كبير في الجيش التونسي هو اللواء محمد الكافي، حيث عمل بن علي في منزل الكافي خادمًا لأسرته، متابعًا شراء حاجياتها ومرافقة أولاده إلي الأسواق والقيام بزياراتهم، واصطحابهم إلي المدارس والجامعات.
وضع الشاب الجندي زين العابدين في حياة ومنزل اللواء الكافي أتاح له فرصة الحصول علي طلب بالزواج من ابنة الجنرال نعيمة، بعد أن رفعه الكافي إلي رتبة عريف في الجيش التونسي.
ولأن الجنرال الكافي كان من أركان نظام الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، فإن موقعه كان يسمح له بأن يرسل العريف بن علي بعد ترقيته استثنائيًا إلي رتبة ملازم أول إلي كلية سان سير العسكرية الفرنسية لتأهيله في كل المجالات كي يعود ضابطًا متفوقًا دارسًا كل ما يحتاجه الضابط عسكريًا واجتماعيًا وثقافيًا واستراتيجيًا (الكليات العسكرية الكبري في العالم تخرج طلابها مؤهلين في مجالات الحكم، وفي كليات عرفت كثيرين من حكام العالم.. والثالث تحديدًا).
بطبيعة الحال رأي الجنرال الكافي أن بعل ابنته يجب أن يتمتع بمكانة مميزة في النظام العسكري في بلاده، فبعد أن اشتري له منزلاً مستقلاً ليؤسس فيه عائلته التي تكاثرت حيث أنجبت له زوجته ثلاث بنات، أدخله إلي الاستخبارات العسكرية، حيث مركز القوة الحقيقي في النظام التونسي من جهة وللأسرة التي ينتمي إليها الجنرال، وللشاب الطموح الذي لم يتوقف جموحه عند حد.. وبن علي كان دخل هيئة الأمن القومي في أول دفعة بعد تأسيسه عام 1972، ثم تدرج في هذه الهيئة ليصبح مديرًا عامًا لها عام 1984 ثم وزيرًا للأمن الوطني 1985 .
وجود بن علي في الاستخبارات العسكرية التونسية أتاح له، بطبيعة عمله، لقاءات وعقد اتفاقات وتبادل خدمات مع الاستخبارات العسكرية العربية والغربية، وتحديدًا الأمريكية والفرنسية، وكانت الاستخبارات الأخيرة قد فتحت قنوات جدية مع الطالب بن علي أثناء دراسته في كلية سان سير العسكرية.. لكن العلاقات التي ثبت أنها كانت أكثر عمقًا مع الضابط زين العابدين بن علي هي عمليات التنسيق مع الاستخبارات المركزية الأمريكية C.I.A.
مفاجأة مدوية
غير أن المفاجأة المدوية التي طرحت اسم زين العابدين بن علي علنًا ولأول مرة هي حين اقترح الرئيس الليبي معمر القذافي وزيرًا للداخلية لدولة الوحدة التي أقيمت علي عجل بين ليبيا وتونس في يناير لعام 1974 باسم الجمهورية العربية الإسلامية، برئاسة الحبيب بورقيبة، وهي التي نشأت وفق اتفاقية جربة، الجزيرة التونسية الجميلة ووقعها الرئيسان وسط دهشة العالم.
صحيح أن هذه الوحدة لم تدم أكثر من 48 ساعة، لتجهضها فرنسا المستاءة منها، حين طلبت من صديقها رئيس الوزراء التونسي يومها الهادي نويرة الذي كان في زيارة رسمية لإيران الشاهنشاهية أن يقطع زيارته لها، وأن يعود إلي تونس ليقنع بورقيبة بتمزيقها.. وهذا ما حصل.
وصحيح أن تجربة الوحدة الليبية التونسية المتسرعة هي واحدة من مشاريع العقيد الليبي الوحدوية التي لم تر النور يومًا شرقًا أو غربًا.
لكن الأهم أنها المرة الأولي التي تحدث في تونس، أن يطلب رئيس دولة أخري من بورقيبة تعيين تونسي في هذا الموقع الحساس دون أن يعتبره بورقيبة المتباهي بشخصيته المستقلة له ولبلاده تدخلاً في شئونه وشئونها، ما أثار تساؤلات عن طبيعة المكانة التي كان يحظي بها بن علي في ليبيا، وهو الذي كان قد عمل كملحق عسكري لفترة بسيطة في سفارة بلاده في طرابلس الغرب.
ظل بن علي يتدرج في مناصبه كما أسلفنا داخل تونس، بعد موت الجمهورية العربية الإسلامية عن عمر لم يتجاوز اليومين، ولو أن أمرًا كهذا حصل مع أي ضابط تونسي آخر لكان علي الأقل قد أعفي من منصبه بعد انتهاء الوحدة، أو اعتقل إن لم يكن قتل أو قدم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمي لصلاته بدولة أخري.
العارفون بشئون نظام بورقيبة يومها فسروا صمته مكرهًا بأنه نتيجة التأثير الأمريكي داخل نظامه المتصاعد لمواجهة نفوذ فرنسا الديجولية في عهد جورج بومبيدو.
علي كل.. يشهد التوانسة أن العلاقات الليبية التونسية عرفت في عهد تولي زين العابدين بن علي السلطة في بلاده استقرارًا وازدهارًا حقيقيين، رغم أنها كانت حتي عام 1985 أي قبل تسلم بن علي السلطة في بلاده عام 1987، تشهد توترات وصلت في إحداها إلي تهجير عشرات الآلاف من العاملين التوانسة في ليبيا، ورميهم علي الحدود الليبية التونسية بعد حملهم بشاحنات لم تتسع لحمل أي من أمتعتهم.
فهل هذا ما يفسر ما تردد يوم 14/1/2011 تاريخ هرب زين العابدين من بلاده إثر الانتفاضة الشعبية، عن أن بن علي هرب عن طريق الجنوب إلي ليبيا ومنها تم تسفيره جوًا إلي مالطة، وجالت طائرته في سماوات أوروبا قبل أن تعلن المملكة العربية السعودية موافقتها علي استقباله نظرًا للظروف الاستثنائية التي تمر بها بلاده.
من مآثر بن علي!
في 26 يناير 1978 حدث اضراب عام في الاتحاد العام للشغل التونسي ضد نظام بورقيبة وإجراءاته القمعية وقراراته التعسفية ضد العمال في تونس، واستخدم زين العابدين بن علي الذي كان قد أصبح مديرًا عامًا للأمن الوطني الطائرات لقصف العمال المتظاهرين، وفتحت جماعاته النار علي العمال فحصدت العشرات منهم بين قتيل وجريح.
ولأن الحبيب بورقيبة كان رجل مساومات فقد سعي بعد قمع اضراب العمال لعقد صفقة مع الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل الحبيب بن عاشور، قضت بوقف نشاطات الاتحاد ضد النظام، مع استجابة لطلب عاشور بطرد زين العابدين بن علي من مديرية الأمن الوطني ليتم تعيينه ملحقًا عسكريًا في المغرب.
انعطافة في حياة بن علي الشخصية
أثناء توليه مديرية الأمن الوطني تعرف بن علي إلي زوجته الحالية ليلي طرابلسي، التي كانت مالكة لمحل تزيين شعور النساء «صالون حريمي» في تونس.
كان بن علي يشرف بنفسه علي مداهمات تحصل لمحلات أو أماكن تصل أخبار عنها إلي الأمن، وفي إحدي مداهماته لمحل ليلي طرابلسي، شبك الغرام بين الاثنين وانتهي بعلاقة استمرت سنوات حتي انتهت بزواج مستمر حتي اليوم.
وعندما عين بن علي ملحقًا عسكريًا في المغرب كانت ليلي تزوره دائمًا في منفاه القريب، رغم وجود زوجه وبناته معه في المغرب.
بولندا
من المغرب انتقل بن علي بطلب من الاستخبارات الأمريكية إلي بولندا، ليصبح عينًا لها علي هذا البلد الذي اختارته أمريكا لتبدأ من حركة «التضامن» العمالية برئاسة ليش فاليسا، مشروعها لهدم الاتحاد السوفيتي.
كانت بولندا عبر التاريخ هي عتبة روسيا، ومن أراد دخول هذه الامبراطورية عليه أن يدوس عتبتها، وكان زين العابدين بن علي هو أحد المكلفين من أمريكا أن يدوس هذه العتبة ليحقق لأمريكا ما تريد من هذا البلد.
معلومات صحفية غربية تحدثت يومها عن دور كبير لبن علي في بولندا من زرع مخبرين وتكليفهم نقل معلومات وتوجيهات أمريكية داخل «التضامن» لزعزعة الحكم الشيوعي، وإبراز الطابع الديني الكاثوليكي لهذه النقابة العمالية.
عاد إلي تونس
وبعد أن نضجت ثمرة بولندا، وبدأ حكم الجنرال الشيوعي ياروزلسكي يتهاوي كان زين العابدين بن علي قد أدي دوره وعاد إلي تونس ليبدأ مرحلة جديدة في بلده، بعد أن ضعف الاتحاد التونسي للشغل ومرض الحبيب بن عاشور.
عينَّ بورقيبة بن علي وزيرًا للداخلية يقمع كل خصوم النظام، ثم وزيرًا أول «رئيس وزراء» ليخلع الرجل المريض الحبيب بورقيبة الذي لم يكن يصحو إلا دقائق كل يوم.
كان بورقيبة قد خلع أحد أهم مراكز القوي التونسية وهي زوجه الماجدة وسيلة بنت عمار، التي لم تكن تحب زين العابدين بن علي وكان صراع النفوذ بين مراكز القوي حول بورقيبة يمهد الطريق أمام بن علي، ولم يبق حوله سوي ابنة اخته سعيدة ساسي ومدير ديوان الرئاسة منصور الصغيري، وكان ابنه الحبيب بورقيبة وزير الخارجية الاسبق مبعدًا ومبعدًا نفسه.
وكان صراع الماجدة وسيلة مع أبرز شخصية سياسية في تونس الوزير الأول محمد مزالي قد انتهي بعزل مزالي ونفيه خارج تونس إثر تدبير مكائد عديدة ضده، ثم جاء عزل الماجدة نفسها، وصراعات ما تبقي من أهل النظام بين بعضهم البعض، فرصا توافرت ل «بن علي» ليخلع بورقيبة نفسه.
انزوي بورقيبة في قصره، مرددًا كلما صحا من حالة الزهايمر التي اصابته عبارة حفظها كل من حوله كان يقولها بالفرنسية التي يتقنها كأحد أبنائها:
Je nest Jamais donner confiance au militaire, Le seule fois que Jai donner confiance a un militaire, il ma eu.
وعبارة بورقيبة بالعربية، هي:
أنا لم أعط ثقة ابدًا لعسكري، والمرة الوحيدة التي أعطيت ثقة لعسكري.. خوزقني «خلعني».
بعدشهر واحد من توليه رئاسة الوزراء ذهب بن علي إلي قصر المونستير في تونس ليبلغ رئيسه الحبيب بورقيبة انه في وضع صحي لا يسمح له بأن يظل رئيسًا، فألزمه علي التنازل عن سلطاته له، وتسلم بن علي صلاحيات رئيس الجمهورية، وأقفل أبواب القصر علي الرئيس الذي رحل بعد سنوات كان خلالها بن علي حريصًا علي زيارته عندما يبلغه الحرس بأن بورقيبة مستيقظ من غيبوبته.
زواجه من ليلي
لم يشهد حما زين العابدين بن علي الجنرال الكافي كيف أصبح صهره ومرافقه السابق رئيسًا للجمهورية في تونس، كان الكافي قد رحل عن الدنيا، وكان من سخرية الزمان أن تحتل مكانة ابنته نعيمة، الكوافيرة التونسية الجميلة ليلي طرابلسي.
وكان رد الرئيس الجديد للجمهورية انه يحتاج إلي صبي بعد أن عمرت له نعيمة منزله بالبنات، وها هو زواجه من ليلي يفتح له باب الأمل في أن يكون وريثه ربما صبيًا يحمل اسمه.
كان المحامي الشاب عبدالرحيم زواري هو الذي عقد قران زين العابدين بن علي علي ليلي طرابلس، ومكافأة له علي هذا العقد، عين بن علي زواري وزيرًا للعدل.. لكن عبدالرحيم زواري وفي لحظة غفلة قاتلة تحدث بالسوء عن ليلي طرابلسي، حيث أوصل «أبناء الحلال» حديث السوء هذا إلي الرئيس.
في أول جلسة لمجلس الوزراء جاء عبدالرحيم حاملاً محفظته كوزير للعدل، ومد يده ليصافح الرئيس الذي بادره بلكمة علي وجهه، ثم دفعه من قدمه فرماه أرضاً، وظل يدوسه بقدميه والوزير يصرخ طالبًا العطف والشفقة، حتي حمله زملاؤه خارج المجلس.
صدر قرار بنقل عبدالرحيم من الوزارة إلي السفارة في المغرب، وأدي خلال وجوده فيها دورًا مهمًا في تعزيز العلاقة بينها وبين بلاده، حتي شفع له الملك الحسن الثاني ليعود إلي تونس، طالبًا الغفران من الرئيس وإعادة الاعتبار بتعيينه وزيرًا مرة أخري.
وافق بن علي علي تعيين عبدالرحيم زواري وزيرًا لكن العقبة التي واجهته أن زوج الرئيس، كانت تريد رد اعتبارها بعد أن تحدث عنها زواري بالسوء مشترطة عليه أن يطلق زوجه، واصفة إياها بالصفات نفسها التي كان الوزير تحدث فيها عن زوج الرئيس.
وهذا ما حصل.. طلق عبدالرحيم زواري زوجه ليصبح وزيرًا.. وهو وزير نقل الآن في تونس.. طبعا قبل هرب بن علي.
لم تنجب ليلي ل «بن علي» صبيًا إلا بعد أن أتحفته بابنتين، وابنه الآن في الخامسة من عمره.
بن علي مريضًا
أثناء زيارة ل «بن علي» إلي المملكة العربية السعودية، عرض نفسه في المستشفي الألماني علي الأطباء ليكشفوا عن مرض يعاني منه، فنصحه أطباء المستشفي الألماني بالتوجه إلي ألمانيا ليعرض نفسه أمام أطباء مختصين، حيث تبين في ألمانيا أن الرئيس يعاني من مرض البروستات.
حرص بن علي علي متابعة علاجه بدقة، فكان يتوجه أسبوعيًا علنًا وسرًا إلي ألمانيا ليتابع علاجه من البروستات حتي تم خلاصه من هذا المرض الخبيث وهو الآن في سن ال75 يتمتع بصحة جيدة تؤهله للحكم فترة خامسة وسادسة.
الوراثة
مريضًا معافي من البروستات.. في سن الخامسة والسبعين، كان زين العابدين بن علي يطمح لرئاسة جديدة، وباكرًا كان يهيئ المناخ لهذا بتعديل دستوري ممنوع، لأن الدستور الحالي أقفل الباب علي أي تجديد أو تعديل أو تمديد.
ومع هذا خرجت الاهازيج والشعارات واللافتات في كل أنحاء تونس تردد: «بن علي ما كيفه حد بن علي إلي الأبد» «لله أحد الله أحد بن علي إلي الأبد» حملة توقيعات بدأت في أنحاء تونس ومنذ ستة أشهر للمطالبة ببن علي رئيسًا لفترة سادسة رغم أن هناك أربع سنوات تفصل بين فترته الخامسة الحالية والفترة التالية التي لن تأتي.
شملت لوائح التواقيع قيادات مهنية، أطباء، محامين، صيادلة، أساتذة جامعات فنانين، أدباء، مثقفين، مطربين، رياضيين.
لماذا الآن؟
ككل نظام فردي أمني تنشأ علي جوانبه مراكز قوي تبدأ من داخله ثم تتحول شيئًا فشيئًا إلي جبهات قتال تخوض معاركها لتثبت قدرتها علي الامساك بالسلطة وحدها فتتصارع وتتسابق لتقديم الولاء للحاكم، وقد ينجح بعضها، بما يعني نهاية بعضها الآخر.. وقد تكون العجلة داء إحداها حتي يفاجئها السقوط.
أول المنافسات التي حرقت سفنها ومراحلها قبل الأوان، صداقة بن علي لأحد مريديه عبدالرحمن التليدي، الذي كان محسوبًا دائمًا علي التيار الناصري القومي في تونس.
قرب بن علي التليدي إليه، وأقنعه بالدخول إلي حزب السلطة الحزب الدستوري التونسي، ثم التجمع الدستوري الديمقراطي فكان نديمه وصديقه.. ثم طلب منه الانسحاب من الحزب الرسمي لتشكيل الحزب الديمقراطي الوحدوي «الناصري» قاطعًا الطريق علي قيادي ناصري آخر هو بشير الصيد الذي سجنه بن علي ليفتح الطريق أمام التليدي لاستقطاب الناصريين الذين كانوا يشكلون قوة حقيقية في تونس بعد سحق الإسلاميين وانقراض اليساريين.
دفع بن علي نديمه التليدي للترشح ضده في الانتخابات الرئاسية في دورتي 1999 2004، ولم يكن نصيب النديم أكثر من 0.05% في كل مرة ومع هذا لم يخسر التليدي.. فالسلطة تعوض والمال تعويضه أكبر.
حتي جاءت أنباء المرض الذي أصاب الرئيس فتوهم التليدي انه يمكن أن يكون الوريث.
ذهب التليدي إلي ألمانيا يسأل في المستشفي الذي يعالج فيه الرئيس عن مدي خطورة مرضه ليهيئ نفسه بناء علي ما سيعرف للرئاسة وللوراثة.. الأمن والمعلومات لعبة بن علي الأساسية، فوصلته أنباء استقصاء التليدي عن صحته، فكان جزاؤه دخوله السجن 10 سنوات، حتي إذا جاءت والدة التليدي تستعطف الرئيس الرأفة بصديقه القديم قال لها: بن علي ابنك أراد أن يغدر بي.. هل يرضيك هذا؟
سقط أحد الموهومين
ليصبح هم الوراثة منذ فترة داخل البيت الرئاسي نفسه.. فليلي طرابلسي طموح جدًا، وهي تريد الاستمرار في السلطة إذا ما فاجأ القدر بعلها في صحته، خاصة أن ابنهما ما زال صغيرًا علي الوراثة، ومن يضمن أن يعيش الرئيس حتي سن المائة حتي يصبح ابنهما مؤهلاً وفق الدستور التونسي ليصبح وريث والده كما في عدد من الاقطار العربية ذات الحكم الجمهوري اسمًا؟
ليلي طرابلسي تريد أن تحكم تونس سواء من خلال بعلها زين العابدين بن علي أو من خلال صهرها صخر الماطري «29 سنة».
فتحت ليلي الطريق أمام الصهر في كل المجالات المؤثرة، فهو صاحب أول مصرف إسلامي في تونس وأول إذاعة للقرآن الكريم في تونس رغم علمانية الدولة، وهو صاحب جريدة «الصباح» الواسعة الانتشار، وهو وكيل سيارات «فولكس فاجن» و«كيا» وشركات كبري أخري، وهو أقام من خلال موقعه صهرًا للرئيس علاقات وطيدة مع كبار رجال الأعمال الخليجيين العرب، وهو صاحب مشاريع فنادق ومنتجعات سياحية بالمشاركة مع المال الخليجي.
مال + مصاهرة + إطلالة علي الإسلاميين + عضوية اللجنة المركزية للحزب الحاكم.. كلها مؤهلات مهمة ليكون صخر الماطري وريثًا لزين العابدين بن علي.
وكمال مرجان
لم تكن معركة وراثة بن علي لتقتصر علي صهره وفق رغبة زوجه ليلي، فالغرب الذي جاء ببن علي للرئاسة يملك هو المجيء بوريثه وهو كان مهيئًا واسمه كمال مرجان.
تسلم مرجان رئاسة الوزراء «وزيرًا أول» حين كان بن علي مريضًا يعالج أسبوعيًا.. فلما استعاد الرئيس عافيته أصرت ليلي علي خلع مرجان، من رئاسة الوزراء ليعينه بن علي وزيرًا للدفاع فتسلم المهمة الأصعب والأدق لسنوات، ثم أصبح بعدها وما زال وزيرًا للخارجية.
وحتي لا تتكرر مأساة عبدالرحمان التليدي فإن كمال مرجان وصخر الماطري لم يكونا مستعجلين للوراثة، خاصة أن الرئيس كان يتحدث الآن عن استمراره في السلطة إلي ما شاء الله.
وحتي لا تتكرر مأساة وزير الداخلية التونسي، وهو الموقع الذي قفز منه بن علي إلي رئاسة الوزراء والسلطة الأولي.
سمع بن علي مسئولين فرنسيين يشيدون بوزير داخليته واصفينه بأنه ديمقراطي فاستدعي بن علي وزير داخليته ليسأله هل سمعت عن وزير للداخلية وديمقراطي؟ عاقب بن علي علي وزير داخليته علي ديمقراطيته وعينه سفيرًا في إيطاليا.
لم يكن الماطري ومرجان مستعجلاً الوراثة.. فالحي لا ينتظر حيًا، وبن علي مر بكل المراحل التي مر بها الاثنان وهو ذو خبرة في الأمن وفي الوصول خاصة الوصول إلي السلطة.
وإن كان عجز عن كيفية المحافظة عليها كما كان يشتهي.
*رئيس تحرير مجلة الشراع اللبنانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.