في السابع من نوفمبر عام 1987 انتزع زين العابدين بن علي رئاسة جمهورية تونس من الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبه بعد انقلاب غير دموي أطلق عليه البعض "الانقلاب الطبي" حيث تعلل بن علي بعجز بورقيبه عن تولي الرئاسة نتيجة مرضه وكبر سنه لينصب نفسه حاكماً شرعياً للبلاد بعد شهر واحد من تعينه رئيساً للوزراء. استقبله الشعب التونسي بالبشري والترحاب بعد أن عاني طويلاً من قبضة بورقيبه وأسرته الذي أحكم سيطرته علي البلاد ل21 عاماً منذ استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956 وحتي انقلاب بن علي عليه ، وبعد مواجهات دامية بين قوي المعارضة وحكومة بورقيبه سهلت الطريق لبن علي وقدمت له رئاسة تونس علي طبق من فضة ونجح في الظهور بصورة المختار المنتظر الذي جاء ليخلص تونس من الحكم الديكتاتوري واعداً شعب التونسي بربيع ديمقراطي لم تستمر فصوله طويلاً.. واستطاع مهادنة الشعب التونسي لفترة من الوقت عبر تقديم بعض الاصلاحات الاقتصادية والافراج عن الكثير من المعتقلين السياسين والتصالح مع قيادات الحركات التونسية المعارضة وإلغاء الرئاسة مدي الحياة والخلافة الآلية – الأمر الذي تراجع عنه بعد ذلك بإجراء تعديل دستوري يمكنه من الترشح لفترة رئاسية جديدة للمرة الرابعة في 2004- كما قام بتعزيز وضع المرأة التونسية واعطائها العديد من الامتيازات وأجري بعض الإصلاحات للخروج من الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها تونس عند توليه مهام الرئاسة والتي كادت تعصف بها. لكنه لم يستوعب دروس التاريخ التي تؤكد أن الحكام لا تستطيع الإستمرار في خداع شعوبها طويلاً ولابد أن يأتي يوماً للحساب حتي لو تأخر هذا اليوم ل23 عاماً كما حدث مع بن علي وكما سيحدث مع غيره ممن لم يستوعبوا دروس التاريخ بعد .. ولم يلبث بن علي أن كشر عن أنيابه للشعب التونس الذي كان يصفه "بجلاد البلاد" مستعيناً بالعديد من الاجراءات لإحكام السيطرة علي الساحة السياسية وتضيق المجال أمام الحريات وتهميش دور المعارضة وتزوير الإنتخابات وتزوير إرادة الشعب والحرب علي رموز الإسلام السياسي بحجة منعهم من الوصول إلي سدة الحكم ، عن طريق السيناريوهات المكررة الجائفة التي يتناسخها حكام الشعوب لإحكام سيطرتهم علي البلاد العربية التي تنوء من قبضتهم الدامية كما قام بإصدار قانون ينظم ارتياد دور العبادة وفرض غلقها خارج أوقات الصلاة كما منع ارتداء الحجاب- الذي كان يعده زياً طائفياً- في أماكن العمل والدراسة. كما تزايدت ممارسات الرقابة التي تستهدف الصحف التونسية والأجنبية في تونس مما دفع العديد من الهيئات الحقوقية الدولية بتوجيه الانتقادات الحادة لنظام بن على إزاء الانتهاكات لحقوق الإنسان وقمع المعارضين وفرض رقابة شبه كلية على الإعلام وحرية التعبير واتهامه بالديكتاتورية والاستبداد ووضعه سنة 1998على قائمة أسوأ عشرة أعداء لحرية الصحافة بالعالم. واصل بن علي فرض قبضته الحديدية على المجتمع التونسي سامحاً لزوجته ليلي الطرابلسي وعائلتها وأصهارها وأصدقائها بأن تهيمن علي كل شيء في تونس والقيام بصفقات فساد كبري في شبكات الهاتف الخلوي والبنوك والتعليم الحر وشركات الطيران بينما لم تنجح خططه التنموية في استيعاب أعداد الشبان العاطلين من العمل وتحسين ظروف حياتهم ، فارتفعت نسب البطالة والفقر وأصبح التونسي يحلم بالهجرة وهذا هو السبب التي تمخضت عنه الإنتفاضة الشعبية في جميع أنحاء تونس احتجاجاً على سرقة الأموال التونسية وانتشار الفقر والبطالة وتردي الأحوال في كافة المجالات بالإضافة للمارسات القمعية وانتهاك الحريات. و جاء انفجار الشعب التونسي في أواخر عام 2010 بالاحتجاجات في كافة المدن التونسية علي الفقر والبطالة والمحسوبية التي راح ضحيتها عشرات الأفراد حتي جاء يوم 17 ديسمبر 2010 وهو يوم فاصل في تاريخ تونس حين قام الشاب التونسي محمد البوعزيزي بإحراق نفسه تعبيراً علي غضبه علي بطالته ومصادرة عربته التي يبيع عليها الخضار ورفض السلطات الاستماع لشكواه ومن هنا وصل التوانسة إلي عنق الزجاجة بعدما فاض بهم الكيل وكانت النار التي احترق بها بوعزيزي هي الشرارة التي أشعلت الثورة الشعبية في تونس فاحرقت بن علي وحاشتيه وجعلته يفر هارباً من تونس علي طائرته يبحث عن دولة تستضيفه ذليلاً منكسراً يتجرع مرارة الكأس الذي شرب منه شعب تونس 23 عاماً وأخيراً وافقت السعودية علي استضافة الرئيس المخلوع ولكن كلاجيء سياسي وليس رئيساً لتونس .. وهكذا انتهت قصة بن علي الذي وصل الي الحكم بانقلاب ورحل عنه بثورة شعبية.