ثلاثة اعتداءات جوية في شهور قليلة... هذه هي حصيلة أعداد الهجمات الإسرائيلية على الدولة السورية منذ اندلاع الثورة، حيث شنت اسرائيل ثلاثة اعتداءات جوّية على سوريا استهدفت مواقعَ سوريّة مختلفة تقع في محيط "دمشق" في الشهور الثلاثة الماضية. فحدثت الهجمة الأولى في يناير 2013، حين قصفت طائرات إسرائيلية أهدافًا في سوريا شملت قافلة ادّعت "إسرائيل" أنّها حملت منظومة صواريخ روسيّة الصنع متطوّرة مضادّة للطائرات من نوع "SA 17"، كانت في طريقها إلى "حزب الله" في لبنان، أما الهجمة الثانية فكانت في مايو 2013، حين قصفت طائرات إسرائيلية شحنة من صواريخ "أرض - أرض" إيرانيّة الصنع من نوع "فاتح 110"، ادّعت إسرائيل أنّها وصلت إلى مطار دمشق مؤخرًا، كما شنّت هجومًا واسعًا وغير مسبوق سواء على صعيد المواقع المستهدفة في جبل "قاسيون" ومحيط دمشق، أو من حيث القوّة التفجيرية التي هزّت العاصمة السوريّة، حيث سُمعت أصوات الانفجارات في أنحائها المختلفة. وفي هذا الصدد، سنعالج أهداف الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة على "سوريا" من ناحية، وأسباب عدم ردّ النظام السوريّ المتكرّر على هذه الاعتداءات، وإلى أي مدى ستصل هذه الهجمات؟ أهداف متنوعة ومن خلال متابعة المشهد السياسي الحالي، نلاحظ أن الموقف الإسرائيليّ من الأوضاع في "سوريا" مركّب ومعقّد، فيدفع بعضها نحو الحفاظ على النظام، في حين يدفع بعضها الآخر نحو اتّجاهٍ معاكس، ولكن الهدف الأساسي لإسرائيل في كلّ الأحوال هو إضعاف سوريا الدولة والشعب والجيش والنظام والثورة إلى أقصى درجة ممكنة، وإطالة أمد الصراع في "سوريا" أطول فترة ممكنة. وعن الاعتداءات المتكررة، فيؤكد معظم المراقبين بأنها تهدف إلى إيقاف تدفّق أسلحة إستراتيجية إلى أيدي الحركات الجهادية في سوريا وإلى "حزب الله"، كما أنّ إسرائيل تجد فيه فرصة سانحة لضرب مقدّرات سوريا الإستراتيجية والعسكرية، بما يتلاءم مع مصلحتها الإستراتيجية، ولإلغائها من حساباتها المستقبلية، سواء بقي النظام أو لم يبق، حيث تهتم إسرائيل منذ اندلاع الثورة السوريّة بمسألة إمكانية انتقال أسلحة كيماوية وأسلحة تقليدية ذات نوعيّة متطوّرة من الجيش السوريّ إلى "حزب الله" في لبنان، أو إلى بعض المجموعات المسلّحة في سوريا على رأس هذه المسائل، والتي تمثل الأهمية القصوى في سياستها. خط أحمر فكثيراً ما أبدت قلقها من إمكانية عدم قدرة أجهزة الدولة السوريّة على السيطرة كلياً على الأسلحة الكيماوية التي تعتقد إسرائيل أنّ سوريا تمتلك كميّات كبيرة جداً منها، فهي لا تخشى من هذه الأسلحة عندما تكون في يد النظام السوري بقدر ما تخشى (كما يصرّح قادتها مرارًا وتكرارًا) من تسرّب جزء من الأسلحة الكيماوية - في ظلّ استمرار الصراع في سوريا - إلى "حزب الله"، أو بعض المجموعات المسلّحة التي تقاتل النظام، والتي تجد إسرائيل صعوبة كبيرة في ردعها، فضلاً عن خوفها من إمكانية نقل أسلحة تقليدية متطوّرة من سوريا إلى "حزب الله" في لبنان. فأوضحت الحكومة الإسرائيليّة بصورةٍ مباشرة أنّ إسرائيل حدّدت خطاً أحمرَ بشأن نقل أسلحة متطوّرة من سوريا إلى "حزب الله"، وإذا تعدّاه النظام السوريّ، فإنّ إسرائيل ستتدخّل عسكرياً، فقد حدّدت إسرائيل أربع منظومات سلاح ستتدخّل عسكريًّا لمنع انتقالها لحزب الله؛ وهي: السلاح الكيماوي، ومنظومات الدفاع الجوّي المتطوّرة، وصواريخ أرض - بحر، وصواريخ أرض - أرض متطوّرة بعيدة المدى. ومن ناحية أخرى، تذهب بعض التحليلات إلى أنّ الاعتداء الإسرائيليّ الأخير حصل بالتنسيق المباشر مع الولايات المتّحدة، وأنّه كان يهدف، إضافةً إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية، إلى توجيه رسالة أمريكية إلى النظام للضغط عليه من أجل تغيير حساباته (وفق منهج كيري)، للدخول في الحلّ السياسي الذي بدأ يتبلور من خلال التوافق الأمريكيّ الروسيّ الأخير. ضعف سوري وفي محاولة لتفسير أسباب عدم رد النظام السوري حتى الآن على مثل هذه الاعتداءات، رغم امتلاك النظام السوريّ ترسانةً من الصواريخ البعيدة المدى التي بإمكانها الوصول إلى العمق الإسرائيليّ وإصابة أهدافها بدقّة وإلحاق الأذى بها. يرى المحللون أن النظام السوري كعادته في الماضي، لا يفضل عدم الردّ عسكرياً على العدوان الإسرائيليّ؛ حرصاً على ألا يتفاقم الموقف أكثر مما ينبغي، ولعدم توازن الكفة السورية، فيبدو أنّ النظام السوريّ يخشى من أن يمنح من خلال قيامه بردّ عسكري - حتّى وإن كان محدودًا للغاية – "إسرائيل" الفرصة أو "الشرعية" للقيام بهجمات ضدّ العناصر الأساسية لقوّة النظام العسكرية، والتي هو في حاجةٍ ماسّة إليها في حربه ضدّ قوى الثورة السوريّة. ويفسر البعض عدوان إسرائيل المتكرّر لإدراكها مدى ضعف هذا النظام وفقدانه إرادة المواجهة معها، ومدى عمق انغماسه في الحرب ضدّ الثورة السوريّة، ومنحه ذلك الأولويّة القصوى، علاوة على استناد إسرائيل إلى تجربتها الطويلة معه، ولا سيّما في العقد الأخير؛ فقد قامت إسرائيل بسلسلة من الاعتداءات على سوريا قبل اندلاع الثورة السوريّة، ولم يردّ نظام الأسد عليها (مثل الاعتداءات على موقع "عين الصاحب" أواخر عام 2003، وتدمير المنشأة النوويّة بالقرب من "دير الزور" في عام 2007، واغتيال العميد "محمد سليمان" - مساعد الرئيس السوريّ - في "طرطوس" في عام 2008). تقدير إسرائيلي وفي تقدير آخر، يبدو أنّ إسرائيل تدرك أنّ النظام السوريّ لا يستطيع فتح جبهة ضدّ إسرائيل من لبنان بواسطة "حزب الله"؛ ف"حزب الله" وإيران ليسا معنيّين بجولة حربٍ مع "إسرائيل" في هذه المرحلة بالذات، فمصلحة إيران العليا ومصلحة "حزب الله" - المنغمس هو أيضًا في القتال في "سوريا"- تقتضيان الحفاظ على قوّة "حزب الله" العسكرية، ولا سيّما الصاروخية، كقوّة احتياط وقوّة ردع ضدّ "إسرائيل" في حال شنّت الأخيرة عدوانًا على المنشآت النووية الإيرانية، فضلاً على ذلك لم يكن هناك ردٌّ إيرانيّ على "إسرائيل" بعد عدوانها مباشرةً على دمشق، التي تُعدّ الحلقة المهدّدة من جانب الثانية، والتي يُفترض أن يحميها التحالف المعلَن بين النظام السوريّ وإيران، غير أن ذلك لا يمنع إمكانية توجيه ضربة عسكرية إيرانية إلى "إسرائيل" في حالة استمرارها في نهجها، فعادة ما يصرح النظام الإيراني بأنه سيردّ فورًا على أيّ عدوانٍ إسرائيلي مستقبلي. خلاصة القول، ربّما تنجح إسرائيل في ردع النظام السوريّ، ولا سيما مع الإستراتيجية المفترضة والقائمة على معرفتها بعدم رغبة حليف النظام السوريّ إيران في الردّ، أو عدم قدرة نظام الأسد على المواجهة حالياً؛ نظراً للعوامل سالفة الذكر، غير أن هذا لا يمنع من إمكانية رد النظام السوري، المرتبط إلى حد كبير بكل من "إيران" و"حزب الله" ودخوله في حرب، وذلك إذا ما كثرت تلك الاعتداءات وهددت النظام السوري بشكل ضخم أو أحد حلقاته المشتركة معه.