مع الدخول في موسم الصيف الساخن، وزيادة الشكاوى في الفترة الأخيرة من غلاء أسعار المياه المعدنية في الأسواق، واختلافها من منطقة لأخرى من قبل الشركات المصرح لها بالتعبئة التي تبحث فقط عن الربح، على خلفية نقص المعروض من المياه المعدنية بعد قرار وزارة الصحة بغلق سبعة شركات، طرحت المخاوف من جديد حول انتشار عبوات المياه المعدنية الملوثة في ظل غياب الرقابة من الدولة. ومع زيادة مخاطر الأمن الغذائي المصري، خاصة مع التطورات العالمية التي تتحكم في هذه القضية وتمس الأمن القومي، تصاعدت المخاوف مرة أخرى مع التغيرات المناخية وأثرها على تلوث الموارد المائية، وتعرض المتاح منها للنقص الشديد. وأثيرت علامات الاستفهام حول انتشار المياه المعدنية الملوثة في "مصر" في الفترة الأخيرة، إلى جانب ارتفاع الأسعار وغش التجار (أصحاب هذه الشركات)، الذين استغلوا الانفلات الأمني وغياب الرقابة في ترويج المنتج غير المطابق للمواصفات. وكان السوق الاستهلاكي قد شهد أزمة في عبوات المياه المعدنية، وصلت إلى حد اختفائها في بعض المناطق في "القاهرة" والمحافظات، على خلفية توقف (7) شركات عن الإنتاج بقرار من وزارة الصحة؛ بسبب عدم مطابقة الآبار للمواصفات. أسباب ومشاكل ويكشف ما يحدث في سوق المياه المعبأة في "مصر" حالياً حالة الفوضى والانفلات التي تمر بها البلاد؛ نظراً لغياب الرقابة وعدم تفعيل القانون والمساءلة للمخالفين، ولهذه الأزمة أيضاً تداعيات خطيرة، فبجانب آثارها السلبية المباشرة على الصحة العامة للإنسان، فإنها تهدد أيضاً الاقتصاد القومي بشكل عام، وخصوصاً في قطاع السياحة الذي شهد تحسنًا خلال الأربعة الأشهر الماضية. بيد أن التقديرات الحديثة تشير إلى ازدياد عمليات الغش التجاري بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين، ووصول نسبته إلى ما يقارب (60%)، بما يشكل خطورة كبيرة على الاقتصاد القومي الذي تضرر بصورة مباشرة من محاولات تقليد منتجات الشركات المعروفة، والتي تتم على نطاق واسع خاصة في مجال تعبئة المياه المعدنية. ومن المعلوم أن أزمة المياه المعدنية في "مصر"، ستؤدي إلى خلق سوق سوداء للمياه المعدنية، حيث يطمع التاجر في زيادة (10) جنيهات عن طريق بيع المياه في السوق السوداء، مما سيتسبب في خسائر فادحة للبلاد، فضلاً عن تراجع أعداد السياح. ومن ناحية أخرى، لا تقتصر مخالفات الشركات العاملة في هذه الصناعة فقط على الترويج لمنتج غير مطابق للمواصفات القياسية والاشتراكات الصحية والمعايير الكيمائية التي وضعتها هيئة المواصفات والجودة، بل تعتمد بعض هذه الشركات على آبار قريبة من سطح الأرض وملوثة بمياه الصرف الصحي، مما يشكل خطورة على صحة الإنسان. وفي ظل كل هذه المشاكل التي تواجه فوضى المياه المعبأة في "مصر"، يكمن الخلل الأساسي في الموزع الذي يقوم بترويج منتجات غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وهذا ما يحتم على أجهزة الرقابة بذل جهود مضاعفة في إطار دورها الرئيس، بداية بالتفكير في تغيير قانون حماية المستهلك، ووضع آلية قوية لمراقبة السوق بشكل جيد، وإلزام التجار بالإعلان عن أسعار السلع بشكل واضح. وبدوره أكد "محمود العسقلاني" - رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء - أن هناك مصانع يطلق عليها " تحت بير السلم"، والتي تعمل بكامل طاقتها في إنتاج المياه والمواد الغذائية دون أي رقابة عليها من الدولة، منوهاً بأنه تقدم بالكثير من البلاغات للجهات المسئولة، ولكن لم يتحرك أحد. حلول مطروحة وعلى مستوى الحلول المطروحة لمعالجة هذه المشكلة وتداعيات آثارها السلبية على مختلف الجوانب الصحية والاقتصادية، أجمع الخبراء على ضرورة التحرك المتوازن في عدة اتجاهات مع ضمان التنسيق وعدم التناقض فيما بينها، وذلك على المستوى التشريعي والرقابي المسند إلى الجهات الحكومية، وأيضًا على مستوى التوعية للمستهلكين، وكذلك الدور الاجتماعي للشركات. فعلى المستوى التشريعي هناك ضرورة ملحة لتفعيل الدور القانوني وردع المخالفين بتغليظ العقوبة، خاصة أن مخالفة الغش التجاري لا تتجاوز قيمتها عشرة آلاف جنيه مع الحبس لمدة عام، على أن يتم مضاعفتها حال تكرارها، والمسئولية هنا تقع على الحكومة وسياسيات الرقابة والمتابعة، في إطار ضرورة التعاون بين مديريات الشئون الصحية بمختلف المحافظات، لرصد أية مخالفات في سوق المواد الغذائية وتحرير محاضر بها، أما المواطن فعليه تحري مصادر المياه وسمعة الشركة ومراعاة الاحتياطات الصحية. وعلى الجانب الثاني من التوعية الشعبية، فيجب تحذير المستهلكين من استخدام أي أنواع أخرى غير المرخص بإنتاجها من وزارة الصحة؛ نظراً لعدم مطابقتها للمواصفات وعدم صلاحيتها للاستخدام الأدمي، مما يمثل ضرراً بصحة وسلامة المستهلك، فضلاً عن الأضرار المادية بحقوقه. ومن جانبها، قررت وزارة الصحة غلق جميع آبار المياه الجوفية لبعض الشركات العاملة في تعبئة المياة تجارياً، بعد ثبوت وجود ملوثات لمياه تلك الآبار في العينات المسحوبة منها من قبل القطاع الوقائي بالوزارة، ورخصت اللجنة العليا للمياة بالوزارة ل (18) منتجاً فقط من منتجات المياه المعبأة تجارياً للعمل داخل "مصر". وبالتالي يمكن القول أن المياه المعدنية تعاني من إشكاليتين تتمثلان في طريقة التعبئة غير الصحية وضرورة تحقق المشترى من اسم الشركة، وما إذا كانت حاصلة على تراخيص لضمان سلامتها؟، فضلاً عن أهمية تفعيل أجهزة الرقابة على الأسواق من الجهات المختصة لحماية المستهلك، الأمر الذي يتطلب تطبيق سياسات متابعة منهجية بالوزارات تسهم فى مواجهة الفساد.