«تشكيل أغلبية جديدة أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة» بهذه الاحتمالات تواجه الحكومة المغربية مرحلة مصيرية صعبة، رسم ملامحها قرار حزب الاستقلال المحافظ الذي يعتبر الحليف الرئيسي للإسلاميين الحاكمين في المغرب منذ عام ونصف، بالانسحاب من الحكومة. ويعد قرار حزب الاستقلال بالانسحاب من الحكومة الذي صدر السبت، مفاجأة وصفعة قوية لحزب العدالة والتنمية الذي يخوض أول تجربة له بتشكيل حكومة جاءت كنتيجة لتطورات الربيع العربي في المغرب. وكان حزب الاستقلال ، قد اتخذ هذا القرار بسبب ما اعتبره تجاهل من رئيس الوزراء عبد الإله بن كيران لخطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي واحتكار للقرارات داخل الحكومة. ويشارك الحزب بست حقائب وزارية في الحكومة الحالية، أهمها وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة التعليم والوزارة المنتدبة في الشئون الخارجية، كما يرأس القيادي فيه كريم غلاب مجلس النواب "الغرفة الأولى للبرلمان" بموجب الاتفاق الذي تم بين مكونات التحالف الحكومي. وكان «الاستقلال» قد حل ثانيا في الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 نوفمبر / تشرين الثاني 2011 بحصوله على 60 مقعدا بعد حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي حصل على 107 مقاعد، وشكل الحزبان تحالفا مع كل من حزب التقدم والاشتراكية وحزب الحركة الشعبية. احتكام للدستور واحتكم الحزب في قرار الانسحاب هذا إلى الدستور، حيث قرر اللجوء للفصل 42 من "الدستور"، وسبق للحزب أن قال في بيان آخر السبت: "إنه آمن دوما بالاحتكام إلى الدستور كوثيقة تعاقدية متينة". وينص هذا الفصل في فقرته الأولى على أن "الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي...". وقال حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي في أول تصريح له بعد قرار الانسحاب :"إنه لا بد من الرجوع إلى المؤسسة الملكية بما أن الملك هو الذي يعين الحكومة حسب ما ينص عليه الدستور"، حيث تم رفع مذكرة توضيحية للعاهل المغربي محمد السادس، باعتباره الحاكم وفق ما ينص عليه الدستور، ولم يستبعد بقاء حزبه في الحكومة الحالية "اذا ما تمت الاستجابة لمطالب حزبه". وذكرت قناة "العربية" الإخبارية أن المذكرة المرفوعة للعاهل المغربي، تضمنت شروحات لأسباب اتخاذ الاستقلال المحافظ، لقرار الخروج من الحكومة التي يقودها لأول مرة في تاريخ المغرب حزب إسلامي في نوفمبر 2011. وأكدت قيادة حزب الاستقلال ل«العربية» أن الحزب لم تعد له عمليا، أية علاقة بالحكومة المغربية، وأن وزراءه الستة أصبحوا انطلاقا من السبت، الموافق 11/ 5 /2013، وزراء تصريف الأعمال، في انتظار ما ستؤول إليه أول أزمة حكومية يعرفها المغرب منذ التصويت على دستور يوليو 2011. ويعني قرار الانسحاب أن الحكومة التي يقود تحالفها حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب أصبحت بدون أغلبية برلمانية تساندها، ما يعني أن أي قرار أو قانون ترغب الحكومة في تمريره يمكن للحليف السابق إلى أن يجمده باتفاق مع المعارضة. أسباب ودوافع وجاء قرار الانسحاب هذا بعد اختلافات عديدة وقعت بين حزب الاستقلال وحزب البناء والتنمية، حيث رأى «الاستقلال» أن الحكومة وصلت من الغرور لدرجة أنها جعلت نفسها مقدسة، وهذا ما رفضه الحزب. وانتقد حزب الاستقلال حزب العدالة والتنمية الإسلامي، بتهميشه في العمل الحكومي، واتخاذ قرارات مصيرية تهم المغاربة دون الرجوع للمشورات الداخلية ما بين مكونات الحكومة في إطار ما تسمى هيئة الأغلبية. وسبق للاستقلال أن رفع مذكرة سماها «جهاد الكرامة»، قبل أشهر، طالبت بتعديل حكومي، وصنفت أي زيادات جديدة في الأسعار على المواطنين في خانة المحرمات، وطالبت المذكرة الحكومة بالدخول في إصلاحات حقيقية تخرج المغرب من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة منطقة اليورو، وتراجع التحويلات المالية للمغاربة المقيمين في خارج البلاد. وكان شباط قد هدد بالانسحاب من حكومة عبد الإله ابن كيران في حال زيادة الأسعار، وقال: "إنه لا يريد أن يشارك في حكومة تعاقب الشعب"، وأضاف أن ما قاله في حق عدد من الوزراء خلال احتفالات يوم العمال يدخل في إطار «حرية التعبير»، التي تريد الحكومة مصادرتها. وانتقد شباط أن حكومة ابن كيران وصلت من الغرور لدرجة أنها جعلت نفسها مقدسة، رافضاً ذلك، حيث أشار إلى أنه حتى الملكية التي كانت في ظل الدستور السابق مقدسة، أصبح الملك اليوم، بمقتضى الدستور الجديد، مثله مثل جميع المغاربة، يجب احترامه فقط. وانتقد شباط، في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» في الرباط، خروج رئيس الحكومة مع نقابة معينة في أول مايو / أيار، وقال: "إن ذلك سب وقذف في حق الحركة النقابية ككل". وأضاف: «مطلبنا من السيد ابن كيران.. هو أن يرقى إلى مستوى رجل دولة، ولا يظل مجرد رئيس حزب». وأشار شباط إلى أن الناس أصبح لديهم حنين للفترة التي كان فيها عباس الفاسي الأمين العام السابق لحزب الاستقلال رئيسا للحكومة، ووصف الحكومة الحالية بأنها حكومة تعميق الأزمة، وأجهزت على مكتسبات الشعب المغربي ككل. وحول ما إذا كان يعتبر نفسه تمساحا من التماسيح التي يتحدث عنها ابن كيران بكثرة، قال شباط: «إذا كان هناك من تمساح فهو داخل الحكومة، ولا يعرف التمساح إلا التمساح». وزاد قائلا: «نصف أعضاء هذه الحكومة تماسيح وعفاريت، يوجدون داخل البركة، هل رأيت تمساحا خارج البركة؟! نحن خارج البركة، وهم الذين يوجدون بداخلها، وقد يأكل بعضهم بعضا إذا لم يجدوا ما يأكلونه». وبشأن مطالبته بالتعديل الحكومي، قال شباط: «إن هدفنا من التعديل الحكومي ليس تغيير شخص بشخص آخر، بل تغيير طريقة التسيير داخل الحكومة، وتسريع الوتيرة، والمصالحة مع الذات أولا». وحول موقفه من حكم الإخوان المسلمين في بلدان الربيع العربي، قال شباط إن حكمهم مجرد سحابة صيف عابرة ستنتهي مثلما انتهت الشيوعية من قبل. تدخل ملكي وفي محاولة ملكية لاحتواء الموقف بين الحزبين وللمحافظة على الحكومة المغربية، والأوضاع السياسية بالمملكة، أجرى الملك محمد السادس الذي يقوم بزيارة إلى فرنسا، اتصالاً هاتفياً بحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال، من أجل الإبقاء على وزراء الحزب في الحكومة، على ما أفاد بيان للحزب في وقت متأخر من أمس. وقال البيان :"إن الملك أكد على الإبقاء على وزراء الحزب في الحكومة حفاظا على السير العادي للحكومة"، مضيفا ان "مذكرة في الموضوع سترفع الى جه". وأضاف بيان اللجنة التنفيذية للحزب أنها تقدر عاليا الاهتمام الملكي لضمان شروط الاستقرار"، معلنة التجاوب الكامل لحزب الاستقلال مع إرادة الملك في خدمة المصلحة العليا للوطن". وأوضح عادل بنحمزة الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال في تصريح له: "طلبنا من وزرائنا البقاء في الحكومة لتدبير الأمور العادية في انتظار عودة الملك، وحتى الآن فإننا لم نتراجع عن قرارنا بالانسحاب من الحكومة الحالية". مؤامرة وابتزاز وبالتوقف قليلا على تعليقات حزب العدالة والتنمية، أعلن مسئول بالحزب السبت، أن انسحاب «الاستقلال» من الحكومة يجعل "كل الاحتمالات واردة" من "تشكيل غالبية جديدة أو الذهاب رأسًا إلى انتخابات سابقة لأوانها". وقال عبد الله بوانو رئيس الكتلة النيابية للعدالة والتنمية، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء المغربية الرسمية: "إن الدستور فيه كل الاحتمالات واردة"، و"قد يتم تشكيل غالبية جديدة أو الذهاب رأسًا إلى انتخابات سابقة لأوانها". وأضاف إن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ستجتمع لدراسة الموضوع، وقد تتم دعوة المجلس الوطني للحزب إلى الانعقاد من أجل اتخاذ الموقف المناسب. وفي تحليل لقرار الانسحاب من وجهة نظر "العدالة والتنمية"، رأى النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، أن هذا القرار مؤامرة وعملية انقلابية واستفزاز وابتزاز للتحالف الحكومي". وأضاف أفتاتي حسبما ورد بموقع "الجزيرة نت" أن حزب الاستقلال بذلك يعمل على إيجاد "حالة من عدم الاستقرار" في المغرب، معتبرا اتخاذ مثل هذا القرار "انقلابا على المشروعية وعلى الانتقال الديمقراطي" في البلاد. ودعا أفتاتي حزب الاستقلال إلى أن يكون منسجما مع نفسه وأن يقدم وزراؤه استقالة جماعية من الحكومة، وقال: "إن على غلاب أيضا ألا يذهب يوم الاثنين إلى البرلمان"، في إشارة إلى أن رئاسة البرلمان جزء من الاتفاق الذي تكونت بموجبه الحكومة. ووصف القيادي في العدالة والتنمية قرار حزب الاستقلال بأنه غير مبرر وغير مفهوم ومحاولة لإغلاق قوس الربيع المغربي، وقال: "هؤلاء يريدون أن نعود إلى عهد الاستبداد والتحكم والفساد". وردا على سؤال بشأن السيناريوهات المتوقعة في المستقبل، قال أفتاتي: "رأيي أن علينا أن نذهب مباشرة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها"، وأضاف "هذه الانتخابات نحن أول من نادى بها". وعما إذا كان واثقا من أن حزبه سيفوز في انتخابات من هذا النوع قال: "لا يهمني أن أضمن التصويت لحزبي حتى أدعو للانتخابات، بل المهم بالنسبة لي هو الاحتكام إلى الشعب وإرساء قواعد الشفافية والعدالة الاجتماعية". وأضاف أفتاتي أن المغاربة: "سيصوتون على من يقاسمونهم همومهم كل يوم، وعلى المخلصين لمواقفهم المبدئية والرافضين للاستبداد والفساد، ولن يصوتوا على من كذبوا عليهم لعقود وسرقوا المال العام". سيناريوهات محتملة وحول ما ستواجهه الحكومة في الفترة المقبلة، فرأى عدد من الأكاديميين أن أمامها أمامها ثلاثة سيناريوهات محتملة. ووفق ما شرحه الأكاديميون ل"العربية"، فإن السيناريو الأول هو: "خروج الاستقلال من الحكومة المغربية بصفة نهائية، وتعويضه من قبل التحالف الحكومي بحزبين من المعارضة الحالية، لشغل 60 مقعدا في مجلس النواب الغرفة الأولى في البرلمان المغربي". والسيناريو الثاني بحسب الأكاديميين، الذي يظل مستبعدا، هو جلوس حزب الاستقلال وبقية التحالف الحكومي، للمفاوضات والتي يشترط فيها الاستقلال تعديلا حكوميا، طالب به منذ وصول حميد شباط لمنصب الأمين العام للاستقلال، ويجمع المراقبون على أن العلاقة ما بين الاستقلال وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة، وصلت للباب المسدود. ويبقى السيناريو الثالث هو حضور رئيس الحكومة للبرلمان، بعد إخبار مسبق للعاهل المغربي، وفق ما ينص عليه الدستور، لإخبار البرلمان بقرار رئاسة الحكومة بحله مع تعليل للقرار، ما سيعني انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، ستأتي وأول حكومة يقودها الإسلاميون في تاريخ المغرب، لم تكمل سنتها الثانية. ويتزامن قرار حزب الاستقلال في وقت سيطر شعور اليأس والخيبة على جزء كبير من الرأي العام الوطني بسبب تردد حكومة ابن كيران في فتح ملفات الفساد الكبرى التي لوح بها الحزب في المعارضة وعملا الآن على التستر عليها رغم أنه يتولى وزارة العدل عبر مصطفى الرميد. ويوجه نشطاء الشبكات التواصل الاجتماعي الكثير من الانتقادات لابن كيران معتبرينه خان المبادئ. وحتى الآن نجد أن مستقبل الحكومة والحياة السياسية المغربية يحيطه الضباب .. فهل تتغير الأمور مع عودة الملك المغربي محمد السادس من زيارته لباريس، أم ستزداد الأمور تعقيداً خلال الأيام المقبلة؟.