أتعجب كل العجب عندما أسمع أحاديث الوهم والخيال عن الزئبق الأحمر؛ وأتسائل كيف تنتشر الشائعات بين الناس بهذا الشكل؟ بل كيف تم الربط بين هذة الخرافة المسماه بالزئبق الأحمر وبين مومياوات الفراعنة؟! لقد عملت على مدار أكثر من أربعين سنة فى الحفائر الأثرية وقمت بالكشف عن العديد من غرف الدفن والتوابيت التى حفطت المومياوات لألاف السنين، و قمت بدراسة المومياوات الملكية وباستخدام التكنولوجيا الحديثة ومنها الأشعة المقطعية والتى تكشف عن أدق التفاصيل داخل المومياء بدءاً من الرأس والرقبة من الداخل ووصولاً الى أصابع القدمين، وكتبت العديد من المقالات العلمية عن كل ما قمت بالكشف عنه داخل مومياوات الفراعنة وبالطبع لم يكن من بين هذة الإكتشافات بيضه أو تمرة تحوى الزئبق الأحمر وليس هناك أى شىء غامض أو مخفى داخل المومياوات سوى التكنيك المصرى القديم المذهل فى التحنيط . وعندما قمت والفريق المصرى لدراسة المومياوات الملكية بدراسة وفحص مومياء الملك تحتمس الأول وجدنا سهم معدنى داخل القفص الصدرى أدى الى وفاته، وعثر على تميمة صغيرة تعرف باسم عين حورس داخل صدر مومياء الملك رمسيس الثالث – أخر المحاربين العظماء- وقد وضعوا التميمة لكى ترمم الجرح الذى تركة المتأمرين اللذين إشتركوا بقيادة زوجته وإبنه لقتله ونجحوا فى ذلك.. وهذة التميمة تعيد الحياة للملك فى العالم الأخر ليعيش سالماً ضمن مجمع الألهة حسب العقيدة المصرية القديمة. نعم لا يوجد ما يسمى بالزئبق الأحمر داخل مومياوات الفراعنة ولكن توجد تمائم وتعاويذ وحلى جنائزى أراد بها صاحب المومياء أو صاحبتها التزين بها فى العالم الأخر .. فهى وسيلتهم السحرية للوصول بأمان الى عالم الأبدية دون أن تعترضهم الأرواح الشريرة الموجودة به.... أما عن القصة الغريبة التى حدثت لى وأنقلها اليكم فتبدأ أحداثها فى الواحات البحرية عندما كشفت عن وادى المومياوات الذهبية، وهناك قمنا بالكشف عن 300 مومياء مغطاه بالذهب.. وإنتشرت أخبار هذا الكشف فى العالم كله، وأصبح من أهم الإكتشافات الأثرية التى حدثت فى مصر .. وعشنا جميعاً كفريق علمى مصرى من أثرى ومرمم ورسام أثرى نحفر ونعمل على دراسة المومياوات لثلاث مواسم عمل متواصلة؛ وجاءت صحف العالم ووسائل الإعلام المختلفة وأصبحت الواحات البحرية حديث كل مكان بالعالم. وبعد إنتهاء موسم الحفائر الثالث عدت الى منطقة الأهرامات بالجيزة وحدث وأنا منهمك بالعمل فى مكتبى فوق سفح الأهرامات وإذا بجرس الهاتف يضرب وعلى الطرف الأخر مدير مكتب أحد الأمراء العرب وأخبرنى أن الأمير يريد أن يقابلنى لأمر هام.. فقلت على الرحب والسعة.. وجاء الأمير ووجدته شاب لم يتعدى الثلاثين من العمر وبدأ كلامه بالقول: "والدتى مريضه منذ أكثر من ثلاث سنوات وذهبت بها الى أشهر أطباء أوروبا وأمريكا ولكن إحتاروا جميعاً فى علاجها، وعلمت أن هناك شيخ يداوى المرضى فلجئت اليه وقال لى بالحرف الواحد أن علاج أمى موجود عند الدكتور زاهى حواس فى مصر، والعلاج هو الزئبق الأحمر والذى تحتفظ به فى مكتبك!!". ظللت لوهلة أحاول أن أستوعب ما يقوله الشاب الجالس أمامى! وأخيراً تحدثت وقلت له المؤكد أن هذا الشيخ يتحدث فى أشياء لا أعلمها وليس لدى أى دواء أو زئبق أحمر؛ ونصحته بعدم الإنسياق وراء خداع السحرة والدجالين. إنصرف الأمير حزيناً وقد بدا واضحاً على ملامحة أننى قد خيبت أماله.. وسألت نفسى هل سيستمع الى نصيحتى؟ ولم يمر إسبوع على هذا اللقاء الا وأنا أقرأ خبراً منشوراً فى الصحف يقول أن محتالين إستطاعوا بيع الوهم لأمير عربى وأخذوا منه ملايين الدولارات! ولقد علمت أن بعض المحتالين شاهدوا زجاجة صغيرة معروضة بمتحف التحنيط بالأقصر ومكتوب عليها الحكومة المصرية، وأشاع هؤلاء النصابين أن ما بهذة الزجاجة هو الزئبق الأحمر. أما القصة الحقيقية لهذه الزجاجة فهى تعود الى أكثر من خمسين عام عندما عثر الفريد لوكاس – أحد علماء المصريات- ومعه د/ زكى اسكندر - من أهم المصريين اللذين عملوا فى دراسة المومياوات- على تابوت لم يفتح منذ زمن الفراعنة، وعندما فتحوا التابوت وجدوا بداخله مومياء وبجوارها سائل أحمر اللون من الزيوت التى كانت تستعمل فى التحنيط ولم يتم تجفيفها، وقام العالمان بوضع السائل فى زجاجة أرسلت الى المتحف المصرى. وعندما تم إفتتاح أول متحف للتحنيط فى مصر والعالم كله تم نقل الزجاجة لتعرض هناك إلا أن البعض إستغل وجودها للترويج لخرافة الزئبق الأحمر. هذة هى حقيقة موضوع الزئبق الأحمر الذى نؤكد فيه أن هذا وهم وخيال وليس له أى أساس من الصحة وهذه رسالة تحذير الى كل من يعتقد فى وجود الزئبق الأحمر. والذى يتبقى لنا التعريف بكيفية بدأ الخرافة والتى تزامنت مع إنهيار الإتحا السوفيتى وبدأت تظهر سوق سوداء فى العالم كله لأجزاء المفاعلات النووية وأسلحة ذرية بها اليورانيوم المشع والمخصب. وإنتشرت خرافة روجها المحتالون المحترفون وهى أن من ضمن المواد المشعة الموجودة فى هذة الأسلحة ما يسمى بالزئبق الأحمر المشع. وبدأت الشائعات تروج عن الإمكانيات الرهيبة لهذا المعدن السائل ليتم النصب على الاف البشر ولا تزال الشائعة مستمرة والضحايا يتساقطون يوماً بعد أخر وتبقى حقيقة علمية وهى أنه لا وجود فى الطبيعة لما يسمى بالزئبق الأحمر.