كعادته.. يستعد د.زاهي حواس لإبهار العالم والذي سيضطر لأن يحبس أنفاسه من الإثارة وهو يتابع القنبلة المدوية التي يطلقها غداً (الأربعاء) أمين عام المجلس الأعلي للآثار في المؤتمر الصحفي العالمي الذي يعقده في مدينة الأقصر.. فبعد أن أعلن منذ فترة عن تحديد مومياء الملكة حتشبسوت، وبعد كشفه سبب وفاة توت عنخ آمون، يعود حواس ليعلن عن مجموعة من الاكتشافات العلمية المذهلة التي تحل العديد من ألغاز نهايات الأسرة الثامنة عشرة وخاصة الفترة التي تعرف ب"عصر العمارنة" أو "الآتونية"، والتي شهدت العديد من الشخصيات الشهيرة المثيرة للجدل مثل الملك المهرطق "إخناتون" الذي لقبه البعض ب"أول الموحدين"، و الملكة الجميلة "نفرتيتي" والملك الذهبي "توت عنخ آمون".. حيث ثارت حول كل منهم الكثير من التكهنات بل والكثير من الأساطير والخرافات، وذلك بسبب قلة المعلومات الأثرية المتعلقة بهذه الفترة وخاصة فيما يتعلق بعلاقاتهم الأسرية ببعضهم البعض، وعدم معرفة أماكن مومياوات أغلبهم، وبالتالي غموض ملابسات الوفاة وظروف انتقال العرش. حتي أن الشطط قد أخذ البعض فاعتبروا أن اخناتون هو نبي الله موسي، وفسروا اختفاء موميائه علي أن صاحبها كان علي عقيدة التوحيد السماوي التي ترفض فكرة التحنيط ، بل واعتبره آخرون أنه فرعون الخروج الذي تبع موسي وقومه فأغرقه الله في البحر عند انطباقه عليه فاختفي جثمانه!! وآخرون اعتبروه "ذو القرنين" أو "مؤمن آل فرعون" الذي جاء من أقصي المدينة يسعي ليحذره من تآمر القوم عليه. بل لقد وصل الافتراء والتخريف إلي حد أن اعتبر أحدهم (وهو مصري يعيش في لندن) أن توت عنخ آمون هو "المسيح" وأنه ارتكب خطيئة الزني فأعدم في سيناء... الي آخر هذه الخزعبلات التي كان لها للأسف كثير من المريدين.. حتي جاءت اكتشافات زاهي حواس التي سيعلنها غداً والمدعومة بدراسات علمية دقيقة وفحوصات مصرية ألمانية لتسكت كل تلك الخرافات، وإن كنت شخصياً لاأظن أن أصحابها سيرتدعون. أصل الإشكالية تبدأ مشاكل العلاقات الأسرية عند الملك أمنحتب الثالث تاسع ملوك الأسرة الثامنة عشرة ( 1405- 1367 ق. م.) الذي تولي الحكم طفلاً بعد الوفاة المبكرة لأبيه تحتمس الرابع، وبسبب عدم وجود وريثة لعرش الملك المتوفي تزوج الملك الصغير من واحدة من الشعب وهي "تي" ابنة يويا أحد كبار رجال البلاط الملكي وزوجته تويا واللذين اكتشفت مقبرتهما (رقم 46) والمومياوتان الخاصتان بهما عام 1903 عند مدخل الوادي الشرقي لوادي الملوك بالأقصر علي يد الأثري كويبل بتكليف من تيودور ديفيز. وبرغم العثور علي مومياء أمنحتب الثالث ظلت مومياء زوجته "تي" مجهولة. بعد وفاة والده أمنحتب الثالث ارتقي أمنحتب الرابع العرش، وما لبث بعد بضع سنوات أن دخل في صراع مع كهنة آمون ترك علي أثره طيبة ونقل العاصمة إلي تل العمارنة (آخت آتون) بالمنيا وغير اسمه إلي "إخناتون" نكاية في آمون وكهنته وتمجيداً للإله آتون، فاعتبره البعض أول الموحدين رغم أن عداءه المتأخر نسبياً لآمون كان ذا طابع سياسي في الأساس. لسبب غير معروف لم يتزوج إخناتون من اخته "ست آمون" وريثة العرش، بل تزوج نفرتيتي ابنة خاله "آي" الذي تولي العرش لاحقاً بعد توت عنخ آمون، لكنه كعادة الملوك كان له بخلاف الزوجة الرئيسية حريمه الخاص اللواتي كان منهن "كيا" التي كانت زوجة ثانوية أو محظية. ثم ارتقي العرش لمدة لاتزيد علي أربع سنوات الملك "سمنخ كارع" الذي يعتقد أنه إما كان أخاً للملك الراحل إخناتون أو ابناً له واشترك معه في الحكم لمدة ثلاث سنوات، خاصة أنه تزوج مريت آتون ابنة إخناتون ونفرتيتي ليكتسب حق اعتلاء العرش. ثم تلاه الملك الطفل توت عنخ آتون (1355- 1346 ق. م.) الذي تولي العرش في سن التاسعة ثم غير اسمه إلي "توت عنخ آمون" ليرتد عن عبادة آتون ويعيد لآمون وكهنته مجدهم القديم. ثم تزوج هو أيضاً من ابنة أخري لإخناتون ونفرتيتي هي "عنخ إس إن با آتون" التي غيرت اسمها مع زوجها إلي "عنخ إس إن با آمون". ثم ما لبث الملك توت أن توفي في سن الثامنة عشرة بسبب حادثة تعرض لها، وجري دفنه في مقبرة متواضعة بوادي الملوك.. لكن أثاثها الجنزي شبه الكامل وروعة صناعته هو ماأكسب الملك تلك الشهرة الكبيرة، كما عثر بها علي مومياوتين لجنينين محنطين لم يعرف بالتحديد مدي قرابتهما بالملك. كانت علاقة قرابة كل من إخناتون وأبيه أمنحتب الثالث بالملكين توت و سلفه سمنخ كارع غامضة، لكن الطريف أنه عند فحص رفات الأخير (والتي عثر عليها في المقبرة 55) ومومياء الملك توت صار راجحاً حتي وقت قريب أنهما أخوين نظراً للتشابه غير العادي بين جمجمتيهما المفلطحتين، كما أثبت العالم هاريسون بتحليل الدم أن فصيلة دمائهما كانت واحدة.. ومع هذا يبقي التساؤل: إذا كانا أخوين فمن هما والداهما؟ سر مومياء المقبرة 55 عثر الاثري البريطاني ادوارد ايرتون علي المقبرة رقم 55 بوادي الملوك عام 1907 والذي كان يعمل لحساب الامريكي تيودور ديفيز، وهي مقبرة صغيرة فيها غرفة واحدة للدفن تقع بالقرب من مقبرة توت عنخ آمون. وتبين ان تلك المقبرة هي احدي ثلاث مقابر فقط وجدت مغلقة في وادي الملوك، الي جانب مقبرة يويا حمو امنحتب الثالث عام 1905 ومقبرة توت عنخ آمون عام 1922. ورغم وجود ختم الملك توت عنخ آمون علي بابها، فهناك ما يدل علي ان المقبرة اعيد فتحها في الازمنة القديمة ربما لإضافة اجزاء أخري من الاثاث الجنائزي.. فقد وجد التابوت الملكي وما يتبعه من ادوات الدفن في ناحية، وفي جانب آخر من المقبرة بعيدا عن التابوت، عثر علي قطع من اثاث جنائزي صنعه اخناتون ليوضع في مدفن امه الملكة تي. وللوهلة الاولي اتضح للأثريين تلف غالبية محتويات المقبرة، نظرا لتسرب مياه السيول عن طريق بعض الشقوق الموجودة في جدرانها، كما وجد غطاء التابوت مفتوحا تظهر مومياء مكشوفة بداخله. فقد كان التابوت موضوعا فوق بعض الحوامل الخشبية عند الدفن منذ حوالي 33 قرنا، وعندما تآكلت الحوامل سقط التابوت علي الارض وانفتح، فتحللت المومياء وتحولت عظامها الي رماد بمجرد لمسها ولم يبق من المومياء الآن سوي الجمجمة. ونظرا لصعوبة قراءة الكتابات الهيروغليفية المنقوشة علي التابوت واثاث الدفن بسبب تلفها، اختلف الباحثون حول تحديد هوية صاحب المقبرة 55. ففي البداية ساد الاعتقاد بأن المومياء التي وجدت داخل التابوت، للملكة تي زوجة امنحتب الثالث ووالدة الملك اخناتون. اذ عثر علي اسمها منقوشا علي عدة بقايا في المقبرة، مما جعل ديفيز يؤكد انه عثر علي مقبرة الملكة. ومع هذا فعندما كشف جرافتون اليوت سميث ثم ديري استاذا التشريح حينذاك بكلية طب القصر العيني، علي الجمجمة، تبين لهما انها لرجل لا يزيد عمره علي 23 او 24 سنة، نظرا لأن اضراس العقل بدأت في الظهور ولم يكن نموها قد اكتمل بعد عند الوفاة. ثم جاء هاريسون استاذ التشريح بجامعة ليفربول البريطانية ففحص الجمجمة مرة أخري في سبعينات القرن الماضي، واكد ما سبق ان توصل اليه مواطناه ايليوت سميث وديري من قبل، فصار الغالبية العظمي من علماء المصريات يعتبرون أن مومياء المقبرة 55 تخص الملك سمنخ كارع. مرض خلقي لكن صمم بعض الباحثين ايضا علي ان مومياء المقبرة 55 هي لاخناتون نفسه، وهؤلاء يعتقدون بأن هذا الملك كان مريضا بمرض غريب جعله مثل المخنثين وصار جسده يشبه النساء. فرغم ان فحص جمجمة المقبرة 55 قد رجح ان صاحبها لم يتجاوز الرابعة والعشرين من العمر عند الوفاة، اصر بعض الباحثين وعلي رأسهم الاسكتلندي سريل ألدريد علي انها لاخناتون الذي بلغ 32 عاماً عند نهاية حكمه. وحتي يبرر الدريد هذا الفارق في السن، افترض ان اخناتون كان مصابا بمرض اسمه «فروليتش»، يجعله عاجزا عن ممارسة الحياة الجنسية او الانجاب، ويؤدي الي بطء في النمو والاعاقة، وهو مايبرر التقدير الخاطئ لعمر المومياء. واعتمد الدريد في استنتاجاته علي الشكل الفني الغريب الذي ظهر في ايام اخناتون الذي يتميز بالمبالغة في تقديم الملامح، واعتبره يمثل حقيقة جسدية للملك نفسه. ولما كان من المعروف ان اخناتون أنجب ست بنات من زوجته نفرتيتي، ذهب ألدريد الي ان هؤلاء لسن من صلب الملك، وانما من صلب ابيه امنحتب الثالث الذي حل محل ابنه في علاقته بزوجته!! لغز مومياوات المقبرة 35 عثر الفرنسي فيكتور لوريه عام 1898علي 12 مومياء مخبأة خلف حائط ملون داخل المقبرة رقم (35) بوادي الملوك والخاصة بالملك أمنحتب الثاني . وفي هذه المقبرة، وعندما فتح جزء من الحائط عثر علي حجرة خلف الجدار وبداخلها هذه المومياوات. بعد ذلك نفذ هيوارد كارتر مشروعاً لنقل المومياوات الملكية التي يوجد دليل علي اسم صاحبها من وادي الملوك للمتحف المصر واستطاع أن ينقل من هذه المقبرة عدد تسع مومياوات ملكية منها مومياوات لأشهر ملوك مصر , وترك داخل المقبرة ثلاث مومياوات .. واحدة يطلق عليها اسم ( السيدة العجوز ), والأخري لصبي صغير , والثالثة لفتاة صغيرة . وقد حازت المومياء الأخيرة للفتاة علي اهتمام وكالات الأنباء والصحافة العالمية ومحطات التليفزيون عندما أعلنت عالمة مصريات إنجليزية تدعي جوان فلتشر أن هذه المومياء خاصة بالملكة نفرتيتي , ويومها عارض د.زاهي حواس بشدة هذا الرأي نظرا لعدم وجود أدلة كافية تدعمه ; وهو ما دفعه لفحص هذه المومياوات الثلاث , واتضح أن المومياء التي يطلق عليها اسم ( السيدة العجوز ) محنطة بطريقة جيدة ولها شعر مموج . وقد اقترحت الدراسات السابقة أن تلك المرأة قد توفيت عن عمر يقارب الخمسين عاما , وهو ما جعل العديد من العلماء يعتقدون أن تلك المومياء هي للملكة تي أم الملك إخناتون وزوجة الملك أمنحتب الثالث. وقد دعم نظرية نسب هذه المومياء للملكة الشهيرة تي هو عمرها المتقدم والوضع الملكي المحتمل ليديها حيث الذراع اليسري مضمومة علي الصدر والذراع اليمني مستقيمة بجوار الجسد . بالإضافة إلي ذلك فقد قام الأمريكي جيمس هاريس (والذي قضي وقتا طويلا في دراسة المومياوات الملكية ونشر كتابا عن أبحاثه وكان ثالث من قاموا بفحص مومياء توت عنخ آمون) بعمل دراسة مقارنة في عام 1977 لمقارنة خصلة من شعر مومياء السيدة العجوز مع خصلة أخري عثر عليها داخل صندوق صغير منقوش عليه اسم الملكة تي في مقبرة الملك توت عنخ آمون واستنتج وجود توافق بين الخصلتين , وعلي الرغم من ذلك فإن تلك النتائج ظلت محل جدال , كما أن بعض العلماء يرون أن تلك السيدة العجوز قد تكون أيضا الملكة نفرتيتي . الأشعة المقطعية: بداية الخيط أما نتائج الكشف بالأشعة المقطعية والمسح الطبقي المحوري والتي لجأ إليها فريق العمل فلم تؤكد أو ترفض تحديد مومياء السيدة العجوز بأنها للملكة تي ; ولكن المؤكد أن المومياء محنطة بأسلوب جيد ووضع الذراعين يشير إلي أنها مومياء ملكية . واتضح أن الوفاة حدثت في سن ما بين 40 60 عاما , اعتمادا علي وجود تغييرات متوسطة بفقرات العنق والركبتين. أما المومياء الثانية الخاصة بالشاب الصغير والتي عثر عليها بجوار مومياء السيدة العجوز , فقد اعتقد بعض علماء المصريات أن هذه المومياء هي لابن الملك أمنحتب الثاني وبن سنو . ولكن دراسة المومياء بالأشعة المقطعية لم تقدم دليلا جديدا لنسب هذه المومياء. أما مومياء المرأة الشابة والتي عثر عليها بجوار مومياء الطفل واعتقد أنها للملكة نفرتيتي، فعن طريق جهاز الأشعة المقطعية تأكد لحواس وفريقه أن مومياء المرأة الشابة لا تخص الملكة نفرتيتي . وأحد الأدلة التي قدمها أصحاب الرأي القائل بأنها مومياء الملكة نفرتيتي هو وضع الذراع اليمن وفي الحقيقة عندما عثر علي المومياء كانت ذراعها اليمني مفقودة في الوقت الذي عثر علي ذراعين منفصلتين بالقرب منها. الأولي مستقيمة والأخري منحنية . وقد اعتقد العلماء أن الذراع المستقيمة هي الخاصة بالمومياء إلا أنه وباستخدام قياسات المومياء الدقيقة وكذلك دراسات اللأشعة السينية X-Ray تأكد أن الذراع المستقيمة لا يخص المومياء بينما الذراع المنحنية هي المنتمية للمومياء. وفي تلك الحالة فإن المومياء كان وضعها كالآتي : ذراع يسري مستقيمة بطول الجسد واخري يمني منحنية علي الصدر , وهو وضع خاص بالملكات وغير الملكات سواء في النقوش أو التماثيل أو عند تحنيط مومياواتهن . وطبقا لعملية الكشف بالأشعة المقطعية CT-Scan فإن عظام كل من الذراعين المستقيمتين متماثلتان من حيث الكثافة , وبالإضافة إلي ذلك فإن وجود اختلاف في طول الذراعين يمكن تفسيره بسبب وجود حالتي كسر في الذراع اليمني إلا أنه في الشكل العام ظهر الذراعان بالطول نفسه . ويبدو أن المرأة الشابة قد دفنت وذراعاها مستقيمتان وليست أحداهما متقاطعة علي صدرها . وهناك ملاحظة أخري قادت البعض إلي الاعتقاد بأن المرأة الشابة هي نفرتيتي وهو الجزء السفلي من الوجه الذي يظهر مدمرا إلي حد كبير . وقد اقترح بعض العلماء أن ذلك الأمر يعكس مدي الانتقام منها نتيجة قوتها وبأسها ومكانتها هي وزوجها هذا التهشيم يعد أقصي انتقام يمكن أن تناله مومياء . لكن أكد الدكتور أشرف سليم أنه إذا كان الوجه قد دمر بالفعل بعد عملية التحنيط فإنه من المتوقع أن نري كسورا بالعظام الجافة وبشرة ذات جروح . وقد كشفت عملية الكشف بالأشعة المقطعية عن وجود قطع صغيرة جدا من العظام المكسورة من فجوة الجيوب الأنفية مما يؤكد أن الإصابة البالغة التي لحقت بالوجه قد حدثت قبل عملية التحنيط وبالأحري قبل الوفاة وليست بعدها. وقد حددت الأشعة عمرها بين 25 35 عاما , وهذا الأمر يتشابه مع العديد من نساء الدولة الحديثة . لذلك فإن هذه المومياء لا يمكن أن تخص الملكة نفرتيتي .. لكن من تكون صاحبتها؟ يبدو ان جميع الإجابات تكمن في تحاليل فحص الحامض النووي DNA الذي يعتبر بحق "رسائل من الماضي السحيق" تحمل شفرات الزمن الغابر، وهو ما لجأ إليه فريق البحث. ثورة الحامض النووي بدأ فريق حواس عملية الحصول علي عينات من الحامض النووي DNA من المومياوات المعروفة لعائلة الملك «توت عنخ آمون»، وبدأ بمومياء صاحب اللغز وهو «توت عنخ آمون» نفسه، الذي لا تزال مومياؤه موجودة داخل مقبرته منذ أن كشفها هيوارد كارتر عام 1922م. وهي المومياء الملكية الوحيدة الباقية داخل مقبرتها بوادي الملوك بالأقصر. أما السر الذي جعل هيوارد كارتر يترك مومياء «توت عنخ آمون» داخل المقبرة ولم ينقلها إلي المتحف المصري مثل باقي المومياوات، فهذا بسبب فعلة كارتر الشعناء. فعلي الرغم من اكتشافها سليمة وفي حالة حفظ ممتازة، فإنها دمرت بسبب قيام كارتر بقطعها إلي 18 جزءا، وذلك عند محاولته فك لفائف المومياء ونزع القناع الذهبي الموجود علي وجه الملك، إضافة إلي التمائم والحلي الذهبية الموجود علي جسم المومياء.. مع ملاحظة أن فريق العمل قد حرص علي إجراء التحاليل في معمل خاص بتحليل الحمض النووي DNA لا يتم عليه أي أبحاث أخري إلا فيما يختص بأبحاث المومياوات المصرية ; وذلك لنتحاشي أي أخطاء قد تحدث نتيجة التلوث بأي أنسجة أخري حديثة، وكذلك مقارنة النتائج مع معمل آخر لمطابقتها والتأكد من دقتها. ولمعرفة عائلة الملك «توت عنخ آمون» بدأ الفريق في الحصول علي عينات ال«DNA» للمومياوات التي يعرف أصحابها، وهي مومياوات «يويا» و«تويا»، أبو وأم الملكة «تي»، وذلك للتعرف من خلال العينة علي مكان مومياء الملكة «تي» زوجة الملك «أمنحتب الثالث»، وكذلك علي عينات من مومياء الملك «أمنحتب الثالث» لتحديد هل هو والد الملك «توت عنخ آمون» أم جده؟ وكذلك تحديد ماهية المومياء الموجودة بالمتحف المصري التي عثر عليها بالمقبرة (55) بوادي الملوك؟ وكذلك دراسة تحليل عينات الحمض النووي لجنينين يتراوح عمرهما ما بين خمسة أو سبعة شهور (كان "دوجلاس ديري" أستاذ الطب بالقصر العيني ضمن الفريق الذي يعمل مع "هيوارد كارتر" مكتشف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922 وقام وقتها بنقل الجنينين إلي كلية الطب بالقصر العيني وبقيا بالكلية منذ ذلك الحين)، فقام الفريق بإجراء فحص بالأشعة المقطعية لأول مرة من خلال فريق عمل مصري يضم الدكتور "أشرف سليم" في مجال الأشعة المقطعية والدكتور"يحيي زكريا" من المركز القومي للبحوث في مجال تحليل الحمض النووي . وكان الدكتور "زاهي حواس "و الدكتور"أحمد سامح فريد" عميد كلية الطب جامعة القاهرة قد وقعا اتفاقية علمية لإقامة معمل لتحليل الحمض النووي داخل كلية الطب ليكون المعمل الثاني بعد المعمل الموجود بالمتحف المصري بالقاهرة لدراسة وفحص العينات الخاصة بالمومياوات المصرية. النتائج المذهلة توصل د. زاهي حواس وفريقه من العلماء المصريين بعد الفحوصات والتحاليل الدقيقة المختلفة إلي ان صاحب مومياء المقبرة 55 توفي وهو في ال 35 من عمره وهذا العمر قريب من عمر اخناتون عند وفاته، ولم يكن عمره 23 عاماً كما اعتقد البعض من قبل. والمفاجأة أن الشفرة الوراثية (الحامض النووي) قد أثبت أن هذه المومياء تخص والد الملك توت عنخ آمون وليست مومياء "سمنخ كارع" كما كان يعتقد من قبل. وبعد البحث العلمي توصل حواس إلي لوحة أثرية منسية من هرموبوليس (الأشمونين) كان قد نشرها العالم "رودر" منذ أكثر من خمسين عاماً تذكر أن "الملك توت عنخ آتون هو ابن اخناتون من صلبه"، وكذلك زوجته "عنخ إس إن با آتون ابنة إخناتون من صلبه" التي تصبح بهذا اختاً لزوجها توت.. لكنها غير شقيقة له لأنها ابنة نفرتيتي التي لم تلد سوي ست فتيات ولم تنجب أي ذكور.. فيكون اخناتون بهذا هو صاحب مومياء المقبرة 55 وهو والد الملك توت وليس أمنحتب الثالث (الذي اعتبره توت "أباً" له في نص منقوش علي أسد جرانيتي بالمتحف البريطاني كلقب شرفي يطلق علي "الجد").. فمن تكون أم الملك توت؟ أثبت تحليل الشفرة الوراثية أن مومياء "الفتاة الصغيرة" بالمقبرة 35 هي لوالدة الملك توت، وباعتبار أنه قد تأكد أنها ليست الملكة نفرتيتي، فتكون أم الملك توت هي واحدة من الزوجات الثانويات لأبيه إخناتون وربما كانت "كيا". بينما أثبت تحليل الحامض النووي لمومياوتي "يويا وتويو" أن مومياء "السيدة العجوز" بالمقبرة 35 هي لابنتهما الملكة "تي" جدة الملك توت عنخ آمون وزوجة أمنحوتب الثالث. كما أثبت التحليل أيضاً أن مومياوتي الجنينين المحفوظتين بطب القصر العيني هما لابنين من أبناء الملك توت من زوجته وأخته عنخ إس إن با آمون، لكنهما توفيا قبل ولادتهما فحنطهما أبوهما ودفنهما معه. وبهذه الاكتشافات المدوية التي تنفرد القاهرة بنشرها، قد تطوي إحدي أكثر الصفحات غموضاً وتشويقاً في التاريخ المصري القديم، وقد ينفتح باب أكبر من الجدل والخلاف حول هذه النتائج.. لكن المؤكد أن مروجي الخرافات والخزعبلات من مدعي العلم والمعرفة بخبايا الحضارة المصرية قد يهدأون ويتوارون لفترة ضيقاً أو خجلاً، لكنهم بالتأكيد سيعاودون الكرة باعتبار أن الحضارة المصرية هدف سهل ومستباح لكل ساع للشهرة وللكسب السريع من خلال تشويهها لمن يدفع أكثر.