رغم كل ما جري وكل ما يا يجري وكل ما قمنا به من كشف صفحات مثيرة من كتاب ألغاز الملك الذهبي توت عنخ آمون إلا أن ما خفي عنا حتي هذه اللحظة هو الاكثر إثارة والاكثر غموضا.. حيث إن كل ما كشفنا عنه من اسرار حتي الساعة هو اربعة اشخاص فقط من عائلة هذا الفرعون الذهبي. أما باقي افراد العائلة فلم تكن مومياواتهم معروفة لنا. ولم يتم عمل اي دراسة عن طريق تقنية الحمض النووي الDNA أوالاشعة المقطعية من قبل للمومياوات الملكية. فقد درس الأجانب من الامريكان والانجليز من قبل المومياوات الملكية عن طريق الX.RAY وأهمهم جيمس هاريس, والذي نشر كتابا مهما بعنوان.X.RAY الفراعنة. وهنا أود أن اشير الي ان دراسة المومياوات بالX.RAY يوجد بها بعض الاخطاء ونتائجها لايمكن اعتمادها والوثوق فيها تماما.. ولكن ثبت أن الاشعة المقطعية تعطي دراسات اكثر دقة.. بالاضافة الي أنه في عام1994 أخذت بعثة من جامعة يوتا عيناتDNA من المومياوات الملكية, ولكن لم تنشر اي نتائج عنها إلي الآن. وأود هنا ان اوضح أنني كنت من معارضي دراسات الDNA تماما وذلك لعدم وجود معامل متخصصة للDNA فقط, بل كانت الاختبارات تتم في معامل لدراسة المومياوات وغير المومياوات, كذلك لم تكن هذه الدراسات تتم تحت إشرافنا ولم يكن في الامكان الوثوق في القائمين علي العمل وهوياتهم, وما يمكن ان يتم الاعلان عنه من اكتشافات وهمية أو نسب المومياوات المصرية الي أقوام آخرين, وندخل بعدها في دائرة مغلقة من التكذيب والتنديد بهذه الدراسات بعدما تكون نتائجها ومعلوماتها الوهمية قد استقرت في أذهان الناس. لقد تحدثنا في المقال السابق عن كشف مومياء الملك أخناتون وذكرنا أن الهيكل العظمي الذي عثر عليه داخل المقبرة55 هو خاص بهذا الملك العظيم, الذي يعتبر احد اهم ملوك مصر القديمة, وهو اول ملك نعرفه في التاريخ يخرج عن دين اسلافه من الملوك والفراعنة ويعلن إيمانه وعقيدته بوجود إله واحد جسد قوته في قرص الشمس واطلق عليه صفات: الاله الواحد الاحد الذي لاشريك له.. وهو آتون المشرق العظيم. والآن اسمحوا لي ان احدثكم عما كان يشغلني ويؤرقني وهو: أين هي مومياء أم الملك أخناتون وزوجة الملك أمنحتب الثالث المعروفة باسم الملكة تي العظيمة, والتي كانت أقوي سيدة ليس فقط في تاريخ الفراعنة, وإنما في الشرق الادني القديم بأكمله, والتي استطاعت بقوتها وسيطرتها ان تجعل الملك أمنحتب الثالث يوافق علي تخصيص مقبرة في وادي الملوك لكي يدفن بها ابوها يويا وأمها تويا, وأن تنحت لها تماثيل تساوي في الحجم تماثيله هو نفسه. وهناك في مواجهة الزائر للمتحف المصري بالقاهرة تمثال ضخم من الحجر الجيري للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي بحجم كبير. وقد شاهدت منذ ايام قليلة تمثالا رائعا للملكة تي كشفته عالمة المصريات سوروزيان هورج وزوجها العالم الأثري راينر شتادلمان داخل منطقة معبد الملك أمنحتب الثالث بالبر الغربي للاقصر.. وقلت ان الفنان المصري القديم قد اوضح تفاصيل جسم الملكة تي وجعلها تكاد تنبض بالحياة, بل وأظهر فيها تفاصيل انثوية مثيرة للغاية. وعندما قررنا ان نبحث عن مومياء الملكة تي.. لم يكن أمامنا غير مومياء واحدة اثبتت بعض الدراسات من قبل أنهاربما تخص الملكة تي, وهذه المومياء كانت ضمن ثلاثة عشر مومياء عثر عليها العالم الفرنسي فيكتور لوريه عام1898 داخل مقبرة الملك أمنحتب الثانيKV35. وقصة كشف هذه الخبيئة مثيرة جدا خاصة اثناء عمل هذا الاثري الفرنسي, ويقال إن أحد افراد عائلة عبدالرسول هو الذي ارشده عن مكان الخبيئة, وهناك كلام آخر يقال إنه كان يضرب بيده علي حائط مرسوم بالمناظر الدينية داخل المقبرة ليعرف هل هناك فراغات داخل مقبرة أمنحتب الثاني أم لا.. لأن هذه المقبرة قد عثر عليها شبه كاملة, بل ووجدت مومياء الملك أمنحتب الثاني داخل التابوت, وكذلك مومياء اخري داخل الصالة المؤدية الي حجر الدفن بالاضافة الي العثور علي مقتنيات اثرية رائعة داخل هذه المقبرة لتجعل علماء المصريات يقررون ان كشف هذه المقبرة يعتبر الكشف الثاني في الاهمية بوادي الملوك بعد مقبرة الملك توت عنخ آمون, وإن كان قد سبقه بسنوات طويلة. أما الكشف الثالث المهم فهو خاص بمقبرة يويا وتويا.. وقد استطاع فيكتور لوريه أن يقطع جزءا من الحائط المرسوم داخل مقبرة أمنحتب الثالث ليري بعد ذلك حجرة مخفية بها13 مومياء ملكية, وقد قام هيوارد كارتر كبير مفتشي آثار البر الغربي بالاقصر بنقل عدد تسعة مومياوات منها الي القاهرة, وهي المومياوات التي كانت اسماء اصحابها معروفة من خلال النقوش الموجودة علي التوابيت التي عثر عليها وبداخلها المومياوات, وقد ترك هيواد كارتر داخل المقبرة ثلاثة مومياوات لم تكن اسماء اصحابها معروفة, وكانت ترقد بجوار بعضها البعض في حجرة جانبية, وهي مومياء لسيدة كبيرة, واخري اطلق عليها مومياء السيدة الصغيرة, والثالثة مومياء لشاب كان الاعتقاد انه ابن الملك أمنحتب الثاني صاحب المقبرة. ولقد كانت عادة هيوارد كارتر هي نقل المومياوات المعروف نسبها وترك المجهولة منها في أماكنها الاصلية.. وفعلا ترك بعمله هذا لنا مومياء داخل المقبرة رقم60 بوادي الملوك, والتي كان يعتقد أنها خاصة بمرضعة الملكة حتشبسوت, والتي كان كارتر قد كشف عنها عام1903, وعثر بها علي مومياتين, واحدة للمرضعة نقلها للمتحف المصري, والاخري بدون اسم, وهي التي استطعنا ان نعرفها بانها مومياء الملكة حتشبسوت. قررنا بعد هذا كله ان نبدأ بدراسة المومياء الموجودة داخل المقبرةKV35 والتي يطلق عليها اسم السيدة الكبيرة, حيث كانت هناك دراسات سابقة ربطت بين اجزاء من شعر رأس هذه المومياء, وبين خصلة شعر دفنت ضمن مجموعة الملك توت عنخ آمون. وفي نفس الوقت وضعنا في الاعتبار دراسة مومياء السيدة الصغيرة والتي كانت مدفونة بجوار مومياء السيدة الكبيرة بالمقبرة ذاتها. وكما ذكرنا من قبل كان هناك من الدارسين من يعتقد في أنها مومياء الملكة نفرتيتي, وآخرون نسبوها الي الملكة الاجنبية كيا الزوجة الثانوية ل أخناتون. ولقد وضعنا في الاعتبار دراسة مومياتين عثر عليهما داخل المقبرة رقمKV.21 وكان قد حدث وأن ضربت السيول الوادي ودخلت مياه الامطار الي المقبرة في بداية القرن الماضي, الامر الذي دمر المومياتين تماما, وبينما ظلت احداهما في حالة متماسكة فقدت الاخري الرأس.. وجاء عالم آثار امريكي يدعي دونالد راين واستطاع ان ينظف المقبرة ويتم تجميع بقايا المومياتين ويضعهما داخل صندوق خشبي ليحافظ عليهما, وجئنا بعد ذلك ونقلنا المومياتين للمتحف المصري. وقد وضعت امام نظري ان المومياء الأولي التي يجب ان نبحث عن هويتها هي مومياء السيدة الكبيرة, والتي تظهر فعلا علي أنها لسيدة كبيرة في السن, ويوجد بقايا للشعر موجود بجوار الرأس.. وقد تمت دراسة هذه المومياء عن طريق العديد من علماء الاشعة المقطعية واعطوا لهذه المومياء عمرا يبدأ من ثلاثين عاما الي خمسين. وكما ذكرنا كان هناك من يعتقد بالفعل في أنها للملكة تي بناء علي دراسة الشعر التي ذكرناها من قبل. وقد تم اخذ عينات من هذه المومياء ومقارنتها بعينات من مومياء يويا ومعروف أنهما أبو وأم الملكة تي, وقد اتضح بالفعل وجود صلة مباشرة بين هذه المومياء السيدة الكبيرة وبين مومياء يويا ومومياء وتويا, وأتضح بالفعل زنها مومياء الملكة تي, وقد ثبتت أيضا الصلة بينها وبين المومياءKVSS التي تم تعريفها بانها مومياء الملك أخناتون, وقد ثبت بالفعل ان مومياء السيدة العجوز أو الملكة تي هي جدة الملك الصغير توت عنخ آمون. بعد هذا كله تأكد لنا أهمية البحث العلمي, وهي عدم البحث عبثا في كل المومياوات الموجودة بالوادي, ولكن يجب التركيز علي المومياوات التي يؤكد البحث العلمي هويتها مثل مومياد أخناتون, فقد عثرنا علي القاب أخناتون موجودة داخل المقبرة, والتي عثرنا بداخلها علي المومياء.. ولقد كانت دراسة الشعر الذي عثر عليه داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون وشعر مومياء السيدة العجوز قد رجحت كونها للملكة تي. الامر الذي جعلنا نبدأ بدراسة بهذه المومياء أولا لتؤكد لنا الادلة العلمية الDNAمن المعمل الأول والمعمل الثاني ان هذه المومياء هي لأشهر وأقوي سيدة في العصر الفرعوني الملكة تي.. تحية لك وتعظيم سلام.. يا أعظم الملكات. www.zahihawass.com المزيد من مقالات د. زاهي حواس