هل يمكن أن تشهد اليمن حربا أهلية بعد عودة الرئيس علي عبد الله صالح المفاجئة للبلاد بعد غياب ثلاثة أشهر، حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومية والمعارضة أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا وسط اتهامات حكومية للمليشيات التابعة للواء علي محسن صالح وأولاد الأحمر وحزب الإصلاح بعدم الالتزام بالهدنة ووقف إطلاق النار واتهام الرئيس اليمني للمعارضة في الخطاب الذي وجهه مساء الأحد الماضي في الذكرى التاسعة والأربعين للثورة اليمنية بالفساد وتقديم المعلومات والمال والسلاح لتنظيم القاعدة بمحافظة "أبين "أجل عدم الاستقرار وسعيا للاستيلاء على السلطة ونهب ثورة الشباب الذين يسعون للتغير وفي أول حديث له للتليفزيون اليمني منذ عودته للبلاد أكد صالح على ضرورة التداول السلمي للسلطة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة معربا عن استعداده لتنفيذ مبادرة دول الخليج الهادفة إلى حل الأزمة اليمنية والتي رفضها من قبل. ولكن يبدو من هذه التصريحات أن صالح يحاول أن يسوِّق بها نفسه عبر الإعلام وكأنه عاد صانعا للسلام رغم تصاعد عمليات القصف وبكافة أنواع الأسلحة والمدفعية الثقيلة لساحات التغيير والاعتصامات بعد ساعات من رجوعه للبلاد؛ الأمر الذي يعكس أن عودته باتت تنذر بنشوب حرب أهلية ستؤدي إلى كارثة اقتصادية وتعليمية وسياسية من شأنها عودة اليمن للخلف لسنوات ودخولها في دوامة من العنف لا يعرف مداها إلا الله، خاصة مع الانتشار الكبير للسلاح في مختلف القبائل، حيث يملك نصف سكان اليمن البالغ عددهم 23 مليون نسمة قطع سلاح مختلفة. وبالنظر إلى أهمية اليمن في المنطقة وموقعها الجغرافي المتميز الذي يشرف على ممر باب المندب البحري ذي الأهمية الإستراتيجية للتجارة العالمية، فإن أي تدهور للأوضاع فيها سيعود بها إلى الوراء لسنوات طويلة بل سيمتد تأثيره السلبي إلى الإطارين الإقليمي والدولي وهو ما يعكس حجم المخاطر التي يمكن أن تحدث حال نشوب حرب أهلية في اليمن، ونذكر منها : 1على المستوى الداخلي ستشهد البلاد مزيدا من أعمال العنف والإرهاب والانقسامات بين القبائل، وانهيارا اقتصاديا يرجع باليمن إلى الوراء لسنوات عديدة. فمنذ بداية التظاهرات وحتى الآن شلّت تماما أعمدة الاقتصاد اليمني وتوقفت مصفاة نفط عدن عن العمل بعد تفجير خطوط الإمداد التي تغذيها من قِبل مسلحين قبليين، فما بالنا إذا ما دخلت البلاد في حرب أهلية بالطبع سيزداد الحال الأمني والاقتصادي سوءا إلى درجة أبعد من ذلك بكثير. 2 تصاعد حدة التوتر في الأوضاع الأمنية سيؤدي بكل تأكيد إلى اتجاه كافة الدول الإقليمية والدولية لتبني النهج الكويتي بسحب بعثتها الدبلوماسية من اليمن، وقد يصل الأمر إلى غلق السفارات الأجنبية بصنعاء إلى أجَل غير مسمى. 3 سيشكل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تهديدا خطيرا على أمن واستقرار دول الخليج العربي، خاصة السعودية التي ترتبط مع اليمن من الحدود الجنوبية، وقد يمتد الأمر إلى التأثير على الأمن الدولي خاصة مع زيادة قوة معاقل الإرهابيين في اليمن مما يدفع القوى الإقليمية والدولية إلى التدخل في الشأن اليمني بموجب قرارات دولية. لذلك ولتجنيب دخول اليمن في حرب أهلية يجب أن تتحرك دول مجلس التعاون الخليجي تحركا فعليا على أرض الواقع للتوسط بين أطراف الأزمة، ونخص بالذكر المملكة العربية السعودية بما لها من ثقل سياسي في المنطقة يمكّنها من أن تلعب دورا رئيسيا وفعالا في تحقيق الإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية التي تتوافق وتطلعات الشعوب العربية من خلال فتح قنوات الحوار بين أطراف الأزمة بما يحقق الاستقرار الأمني والسياسي بالمنطقة، خاصة وأنها ترتبط بعلاقات قوية وقديمة مع القبائل اليمنية.