الصلاة هي عبادة فعلية تلزم ان يكون الانسان مدركا لما يقول ويفعل عاقلا وعلى قيد الحياة، وكثير منا لا يستطيع فعل اي شيء إذا دخل في حالة غيبوبة او ما شابه، فهل نتصور ان هناك من يصلي في قبره وهو ميت صلاة فعلية وليست روحية فقط!،نعم ، إنهم الانبياء صلوات الله عليهم، والشهداء ممن رخص الله لهم ذلك، إذ أنهم أحياء يُصلُّون في قبورهم. فقد أخرج البزار في مسند بسند صحيح عن ثابت البناني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأنبياء صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يُصلُّون" (السلسلة الصحيحة:2/187، ح 621).
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مررت على موسى، وهو قائم يصلى في قبره" وفي رواية: أتيت على موسى ليلة أُسريَ بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يُصلِّى في قبره" (مسلم)
وقد ألَّف البيهقي رسالة بعنوان "حياة الأنبياء في قبورهم" وقال في دلائل النبوة: "الأنبياء أحياء عند ربهم كالشهداء"
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لقد رأيتني في الحجر وأنا أُخبر قريشاً عن مسراي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كرباً ما كربت مثله قط، فرفعه الله U لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة الأنبياء، فإذا موسى قائم يُصلِّي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى بن مريم قائم يُصلِّي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يُصلِّي أشبه الناس به صاحبكم يعنى: نفسه فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلِّم عليه، فألتفت إليه فبدأني بالسلام" (مسلم)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى":" وأما كونه رأى موسى قائماً يُصلِّي في قبره، ورآه في السماء أيضاً، فهذا لا منافاة بينهما، فإن أمر الأرواح من جنس أمر الملائكة في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط كالملك، ليست في ذلك كالبدن.
وهذه الصلاة ونحوهما مما يتمتع بها الميت، ويتنعم بها، كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح، فإنهم يُلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النَفَس، فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به.
وأخرج أبو نعيم في " الحلية " عن سعيد بن جبير قال: " أنا والله الذي لا إله إلا هو أدخلت ثابتاً البناني لحده، ومعي حميد الطويل، فلما سوينا عليه اللبن، سقطت لبنة، فإذا أنا به يُصلِّي في قبره، وكان يقول في دعائه: " اللهم إن كنت أعطيت أحداً من خلقك الصلاة في قبره فأعطينيها، فما كان الله تعالى ليرد دعاءه".وقد كان ثابت البناني دائماً ما كان يدعو بهذا الدعاء.
وقد أخرج أبو نعيم في "الحلية" بسند صحيح عن يوسف بن عطية قال: "سمعت ثابتأً يقول لحميد الطويل: هل بلغك أن أحداً يُصلِّي في قبره إلا الأنبياء؟ قال: لا، قال: ثابت: اللهم إن أذنت لأحد أن يُصلِّي في قبره، فَأْذن لثابت أن يُصلِّي في قبره."
وأخرج ابن سعد في " الطبقات" وابن أبي شيبة في " المسند " عن ثابت البناني قال: " اللهم إن كنت أعطيت أحداً الصلاة في قبره فأعطني الصلاة في قبري".
ولهذه الحقيقة المؤكدة شرّع الله تعالى ان يوضع الميت في قبره مستقبلا القبلة وكأنه يصلي ليكون علي الفطرة مستقبلا قبلته التي كان يصلي عليها ولكي يكون مستعدا لمعاودة الصلاة بعد موته إن أراد له الله ذلك، اللهم اجعلنا ممن يصون لوجهك الكريم في قبورهم واجعل قبور المسلمين روضة من رياض الجنة .. آمين.