علمنا القرآن الكريم قيمة العدل والإنصاف حتى مع أعدائنا ، حين قال سبحانه وتعالى [ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ] ، فإذا كان هذا هو الأمر الإلهى مع الأعداء والمعتدين فما باله مع أخوة لنا فى الدين والوطن ، أنزل هذا القول هنا على جماعة الإخوان المسلمين والتى كنت - ولا أزال - من المختلفين معها فى قضايا الداخل والخارج ، إلا أن العدل والإنصاف واحترامنا للأمانة الوطنية تدفعنا إلى إنصاف الإخوان بشأن موقف إسرائيل منهم وموقفهم منها ، حيث نجد أن الموقف الإسرائيلى خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 المصرية ، موقفاً انتهازياً بامتياز ساهم فى إظهاره وكأن الإخوان متعاونين معه، سواء فى إدارة الإخوان لقضايا الحكم والسياسة والعلاقات الدولية بعد الثورة ، وخلطهم بين المؤامرات التى جرت ولاتزال تجرى فى المنطقة باسم الثورات خاصة فى سوريا وليبيا ، وبين الثورات الحقيقية كما جرى فى مصر وتونس ، رغم هذا جميعه فإن العدو الصهيونى يكره الإخوان بالمعنى السياسى والاستراتيجى للكلمة وليس بالمعنى العاطفى، إن الحقائق تؤكد أن الإسرائيليين لايزالون يرون فى الإخوان عدو استراتيجى لهم ، ولايزالون غير مطمئنين لمواقفهم تجاه فلسطين ومساندتهم لحركات المقاومة بها خاصة (حماس) ، الذى يؤكد هذا الخوف والقلق الإسرائيلى من الإخوان (رغم تحفظنا على طريقة إدارتهم للصراعات الوطنية والإقليمية) هو دراسة جديدة صدرت عن (مركز بيجن – السادات) فى تل أبيب وهو مركز تابع لصانع القرار وللمخابرات الإسرائيلية ، ترى ما هى أبرز نتائج هذه الدراسة الوثائقية ؟ تقول الدراسة بداية إن الحكومة المصرية، بقيادة الإخوان المسلمين، عندما تتوجه إلى العالم فإنها تؤكد التزامها بالمحافظة على اتفاقية السلام مع الدولة العبرية، ولكن عندما تتحدث الحركة إلى الرأي العام العربي فإنها لا تخفي رغبتها في إلغاء المعاهدة، وترى في إسرائيل تهديدا إستراتيجيا، الأمر الذي دفعها للضغط على الرئيس محمد مرسي بتكثيف تواجد القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء. وزادت الدراسة قائلة إنها تستبعد وقوع مواجهة عسكرية مع مصر، ولكنها بموازاة ذلك، تُحذر صناع القرار في تل أبيب أنْ يأخذوا على محمل من الجد اللغة المعادية للدولة العبرية والتي يستعملها قادة الإخوان المسلمين في مصر.
***
وأكدت الدراسة المخابراتية الإسرائيلية أنه منذ صعودها إلى السلطة تقوم حركة الإخوان بتوجيه رسائل متناقضة، ولكنها في الحقيقة لم تُغير من مواقفها المبدئية المعادية لإسرائيل، فمن ناحية، الرئيس مرسي يؤكد على أنه سيُحافظ على المعاهدة مع إسرائيل، أما قادة الحركة فيؤكدون مرة تلو الأخرى، أن المعاهدة ستبقى إذا توافقت مع المصالح الوطنية لمصر، ولكنهم بالمقابل يؤكدون على أن المعاهدة لا تخدم المصالح الوطنية لمصر، وبالتالي فإنهم يُطلقون التصريحات القاضية بإجراء استفتاء لإلغاء معاهدة (كامب ديفيد) كليا، وبالتالي، تقول الدراسة، إن موقف حركة الإخوان المتناقض يجب أنْ يدق ناقوس الخطر في الغرب في ما يتعلق بالنوايا الحقيقية للإخوان المسلمين.
وأشارت الدراسة إلى أن الجماعة تأسست في مصر في عام 1928 وتعد أكبر منظمة في العالم الإسلامي السياسي، وأن الرئيس مرسي انضم إليها أواخر العام 1970، عندما كانت هناك معارضة لأي اتفاق سلام مع إسرائيل، وهو الموضوع الذي أشغل الحركة في ذلك الوقت، وبعد ذلك تم تعيين مرسي رئيسا للجنة معارضة المشروع الصهيوني، وفي العام 2000 انتخب البرلمان ممثلا مستقلا للإخوان، وبقي في هذا المنصب حتى عام 2005، عندما تمت ترقيته إلى وظيفة في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين. في عام 2011 تم اختياره رئيسا للحزب الإخوان السياسي الرسمي، حزب العدالة والحرية، وهو الحزب الذي نافست الجماعة من خلاله في الانتخابات المصرية الأولى بعد ثورة 25 يناير.
ولفتت الدراسة أيضا إلى أنه في الفترة التي أعقبت مباشرة الإطاحة بمبارك، أعلن الإخوان أنهم لن يرشحوا أحدا من قبلهم لخوض الانتخابات، ومع ذلك، قبل حوالي شهرين من الانتخابات غيرت المنظمة موقفها، مدعية أنها قررت خوض الانتخابات لمكافحة القوى التي كانت تحاول عرقلة العملية الانتخابية والطابع الديمقراطي للدولة، وهكذا بات مرسي رئيسا لمصر في (يونيو) من العام 2012.
***
ووفقاً للدراسة الإسرائيلية والتقارير المستندة إليها فإن جماعة الإخوان، ترى أن سيناء هي أرض مصرية وإسلامية والدولة لم تمارس بعد سيادتها الكاملة عليها، وبالتالي فإن الحركة تعتقد بضرورة التحرر من الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وتحديدا اتفاق السلام مع إسرائيل، الذي ينص على أن سيناء هي منطقة منزوعة السلاح.
ولاحظت الدراسة أن قضية تطوير سيناء كانت قضية رئيسية في مبادئ الإخوان السياسية خلال الانتخابات، على نطاق أكبر بكثير من تنمية المناطق المحتاجة الأخرى في مصر، فالجماعة طلبت بأنْ تضع الحكومة سيناء في جميع الجوانب، بما في ذلك بناء البنية التحتية المدنية، وخلق صناعة، وتعزيز الأمن الداخلي ونشر الجيش، كما تُقر الجماعة بأهمية تأمين مصر لحدودها مع إسرائيل، وتريد أنْ ترى المزيد من القوات المنتشرة في المنطقة، وبرأي الدراسة فإن رغيتها في تطوير سيناء في جوهره، ليس سوى في جوهرها حلقة أخرى من حلقات الصراع بين الجماعة وبين إسرائيل.
كما لفتت الدراسة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تؤمن بأن إسرائيل هي دولة عدو، ولا يُمكن الاعتراف بها بشكلٍ رسمي، ذلك أنه وفق معتقداتها فإن فلسطين هي أرض إسلامية مقدسة، وبالتالي فإن الحركة تستعمل حماس لتكون رأس الحربة في مواجهة إسرائيل عسكريا، ولكن الحركة تؤمن بأن الحرب يجب أنْ تكون تدريجية وأنه يجب التحلي بالصبر والحذر في المحاولات لتحقيق هذا الهدف، على حد تعبيرها.
***
وأكدت التقارير المخابراتية داخل الدراسة الإسرائيلية أنه في الأشهر الأخيرة بدأت تُسمع الأصوات داخل جماعة الإخوان حول الجهاد في فلسطين، فالمرشد العام للجماعة في مصر، محمد بديع، اعتبر إسرائيل مغتصبة لأرض الفلسطينيين المسلمين، ودعا المسلمين إلى تحرير القدس من خلال الجهاد، كما عرف فلسطينوالقدس والأراضي المقدسة بأنها وقف إسلامي، لافتا إلى أنه يجب استعمال جميع الوسائل لتحرير الأرض، كما لفتت الدراسة إلى أنه في 22/11/2012 ، بعد يوم واحد من التوصل لاتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية، خرج المرشد د. محمد بديع وأعلن مرة أخرى أن الجهاد كان واجبا لجميع المسلمين، وقال إن إسرائيل لا تعرف إلا لغة القوة، على حد تعبيره.
وخلصت الدراسة المخابراتية الإسرائيلية إلى القول إنه بالإضافة إلى سيطرة الإخوان المسلمين على النظام، تمكنت الجماعة من إقناع الشارع المصري بأن إسرائيل لم تعد عامل استقرار في المنطقة، كما أقنعت الجماهير المصرية بأن معاهدة مع إسرائيل تضر بالأمن القومي المصري وتُهدد الاستقرار الداخلي المصري، وهذا الأمر يتناقض جوهريا مع روح معاهدة السلام الموقعة بين البلدين " .
***
* هذه هى أبرز نتائج دراسة (مركز بيجين – السادات) التى أصدرها من تل أبيب قبل أيام، وهى تعكس إلى حد كبير موقف الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية ، ومهما قدم الإخوان من (خدمات) أو تفاهمات سواء تلك المتصلة مباشرة بهذا (السلام المدنس) مع العدو الصهيونى أو بذلك الربيع الأمريكى المسمى خطأ فى بعض بلدان (بالثورات) ، وهى كلها ليست كذلك إذ أن بعضها كما فى مصر وتونس هو الثورات وما عدا ذلك مؤامرات من أجل النفط والغاز وتفكيك المقاومة والمنطقة لبناء الشرق الأوسط الأمريكى بالقشرة أو اللحية الإسلامية ، نقول مهما قدم الإخوان من دعم لهذا المشروع الأمريكى الجديد لإعادة تفكيك وترتيب الوطن العربى ، فإن الأمريكان رغم ذلك سيظلون يعتبرون (الإخوان) و(حماس الداخل) وكل من يؤمن بالجهاد المسلح والسياسى وبفلسطينوالقدس ، عدو لهم ، ذلك لأنه لن ترضى عنهم واشنطن وتل أبيب حتى يتبعوا ملتهم كاملة، وفى اتباعها حتماً يكون حتفهم وهو ما لا نرضاه أو نتوقعه من الإخوان ، فهل يتوقف الإخوان وكل تيارات الإسلام السياسى عن لعبة المرونة والصفقات مع الأمريكان بحجة (المعونات) و(القروض) ويلتفتوا أكثر لثورات بلادهم ولتوحيد القوى الوطنية حولهم فى مشروع قومى للنهضة والثورة الحقيقية ، ذلك هو فى ظنى الطريق الصحيح وما عداه باطل والله أعلم !! .