على الرغم من إعلان حلف الناتو - عبر تصريحات أمينه العام "أندرس راسموسن" - في وقت سابق عن عدم إدراجه لسوريا في جدول أعماله، واستبعاده للتدخل العسكري، إلا أن الموقف تغير تماماً خلال الأيام القليلة الماضية وبدأ الحلف يعلن بحثه عن مصادر لتمويل الخطة العسكرية للإطاحة بنظام الأسد. وصرّح القائد الأعلى لقوات الحلف الأطلسي الأميرال الأمريكي جيمس ستافريدس، أن بعض دول الحلف تنوى بشكل فردي القيام بعمل عسكري في سوريا لكن أي تحرك للحلف سيتبع ما حدث في ليبيا، ولابد أن يتجاوز الشروط التي قد تحد من تدخله ومنها حصوله على قرار من مجلس الأمن ودعم دول المنطقة وموافقة الدول ال28 الأعضاء في الحلف الأطلسي على الإقدام على هذا القرار.
وفي ضوء ذلك سنتعرف على أهم السيناريوهات المتوقعة في حال التدخل أو عدم التدخل.
حسابات حاكمة: بداية يجب أن نؤكد على أن مسألة التدخل العسكري من عدمه ليست عملية سهلة بطبيعة الحال، بل هناك حسابات عسكرية وسياسية واقتصادية تحسم هذا الأمر.
أول هذه الحسابات يتعلق بالعقيدة الأمنية الجديدة لحلف الناتو بشأن تدبير الأزمات خارج الحدود الجغرافية لأعضائه.
ومنذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، شهد حلف الناتو تحولات وظيفية من منظمة تهتم فقط بالدفاع المشترك – ضمن المجال الجغرافي فقط- إلى منظمة تعطي اهتماماً متزايداً لقضايا الأمن الجماعي، حيث أصبح يشارك في تدبير الأزمات وعمليات حفظ السلام خارج الحدود، ويطور علاقات شراكة مع عدد من الدول غير الأعضاء؛ لذا يمكن للناتو أن يتدخل وفقاً لهذا المعيار.
ولكن هناك حسابات أخرى تتعلق بمدى وجود علاقة بين النزاع والأمن الأطلسي، بالإضافة إلى وجود شرعية قانونية للتدخل العسكري، بمعنى أن الناتو لا يسعى لأن يكون بديلاً عن الأممالمتحدة، وإنما يشترط مسبقاً ضرورة التعاون مع المنظمات الدولية، خاصة الأممالمتحدة، وأيضاً منظمات إقليمية كالجامعة العربية من أجل بناء تصور شامل للتدخل العسكري للحلف، علاوة على موافقة أحد أطراف النزاع على الأقل.
وبناءً على هذا المرتكز، يشترط الناتو وجود تفويض واضح من مجلس الأمن الأممي حتى يكون التدخل في إطار قواعد القانون الدولي، كما حدث في ليبيا بعد تبني القرار (1973) لعام 2011 .
وفيما يخص الدعم الداخلي لأطراف النزاع، ظهر جدل دائر حول هذا الشأن وبخاصة بعد إعلان المعارضة عن تشكيل حكومة تمثل الشعب السوري، فهل ستتفق المعارضة وتطلب تدخل الناتو أم لا؟
صعوبة التدخل: أشار عددٌ من المحللين إلى وجود عدة اعتبارات قد تدفع بإمكانية عدم تدخل الناتو لحل الأزمة في سوريا، من بينها الانقسامات المتواجدة داخل مجلس الأمن بين الدول الكبرى حول مسألة التدخل العسكري في سوريا (رفض روسيا والصين).
وبالمقارنة بليبيا، فإن الوضع مختلف تماماً عما كان عليه الحال في ليبيا، فحينما لجأ الناتو لاستعمال قواته الجوية لتطبيق قرار مجلس الأمن (1973) لعام 2011؛ لأن روسيا والصين لم يستخدما حق الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين نظام القذافي على عكس عدم اتخاذ مواقف عنيفة ضد النظام السوري.
ومن المؤشرات التي توحي بصعوبة فكرة التدخل العسكري هي عدم توفر الدعم الإقليمي لأي تدخل عسكري يقوده الناتو أو أية جهة أخرى.
وترفض مصر أي تدخل أجنبي في سوريا، فيما طالبت قطر بإرسال قوات عربية لحفظ السلام، بينما ترفض الجزائر مبدأ التدخل جملةً وتفصيلاً باعتباره يتعارض مع مبدأ السيادة، أما المغرب يؤكد من جهته، على أهمية الحل السياسي وإعطاء أهمية أكبر للدور الإنساني داخل سوريا وداخل مخيمات اللاجئين، وقد أدى هذا التضارب في المواقف إلى فشل الجامعة العربية في القيام بدور يذكر في تدبير هذا النزاع.
وأثرت انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية وسياسات التقشف التي اعتمدتها أغلب دول الناتو بشكل مباشر على ميزانيات الدفاع، وبالتالي على الاعتمادات المخصصة للحلف الأطلسي من الأشياء التي تحجم من تدخل الحلف، فأغلب ميزانيات الدفاع الأوربية تتجه نحو الانخفاض، وعلى سبيل المثال، فإن ألمانيا ستقلص ميزانيتها الدفاعية بنسبة الربع خلال السنوات الأربع القادمة، وسيتم تقليص ميزانية الدفاع البريطانية إلى أكثر من 8 بالمائة من قيمتها الحالية بحلول عام 2015.
مما لاشك فيه أن هذه الاعتبارات تضعف من قدرة الناتو على التدخل العسكري الخارجي.
وعليه، فإن التدخل في سوريا يطرح من جديد إشكالية التمويل، خاصة وأن هناك تعدداً في جبهات الصراع، فبعض دوله منهمكة في قضايا أخرى فرعية مثل فرنسا وانشغالها بالشأن المالي.
احتمالية التدخل: وهناك عدة أمور قد تدفع بإمكانية التدخل العسكري في سوريا وخاصة بعد ظهور عدد من المتغيرات الجديدة مثل توحد المعارضة إلى حد ما وتشكيل حكومة معارضة على الأراضي التي تستحوذها، واحتمالية طلب المعارضة من الدول الكبرى بأن تتخذ قراراً جماعياً للتدخل العسكري.
وبترحيب أطراف المعارضة السورية للتدخل الخارجي الأجنبي، علاوةً على موافقة الدول العربية الكبرى إلى جانب موافقة الجامعة العربية، كل هذا يدفع بالتأكيد إلى إمكانية قبول التدخل العسكري.
غير أنه يصعب ترجيح كفة موافقة الدول العربية الكبرى على هذا التوجه لمعارضتها من قبل أي تدخل أجنبي خارجي، خاصة من طرف الناتو.