بيت الإنسان بمثابة وطنه الثاني الذي ينعم فيه بالراحة والأمان، لكن ما هو شعورك ؟ عندما يفرض عليك أن تهدم بيتك بيدك ، وهذا ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين. ويفرض الاحتلال على الفلسطينيين هدم منازلهم غير المرخصة وتصويرها وتقديمها للمحكمة للتأكد من هدمها ، والا دفع غرامة لا تقل عن 27 ألف دولار فضلا عن هدم المنزل بواسطة الجرافات الإسرائيلية.
ويبرر يجال بالمور المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية موقف بلاده ويقول : "في الدول الأخرى أيضا يبني الناس مطاعم في مناطق خضراء بدون تصاريح، ويتلقون إنذارا وبعد عدة سنوات يتم إزالتها إذا لم يقوموا بتسوية أوضاعهم".
وأضاف : إلا أن هذا بالتحديد ما يصفه الفلسطينيون بالتطهير العرقي: هدم منازل ومباني الفلسطينيين في الضفة الغربية على يد الإسرائيليين.
تقسيم وتشريد
وحسب الأممالمتحدة شرد 1100 فلسطيني في الضفة الغربية من منازلهم في 2011، بزيادة بنسبة 80 في المئة عن عام 2010.
وتقول الأممالمتحدة أن الأرقام تتصاعد في عام 2012، إذ فقد ما يقرب من 600 فلسطيني منازلهم حتى الآن هذا العام.
وتخضع الضفة الغربية للاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 حين خسر العرب حرب الأيام الستة؛ وحسب اتفاقيات اوسلو لعام 1993 تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق كإجراء مؤقت كان يفترض ان يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
المنطقة (أ) وتغطي 17 % من الضفة الغربية وتديرها السلطة الفلسطينية؛ و المنطقة (ب) وتغطي 21 % من الضفة الغربية وتديرها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية.
أما المنطقة (ج) وتغطي 62 % من الضفة الغربية وتديرها إسرائيل تماما؛ وفي المنطقة (ج) حيث تتم معظم عمليات هدم المنازل والإخلاء يصعب على الفلسطينيين الحصول على تصاريح بناء، إذ أن إسرائيل تعتبر المنطقة كلها منطقة عسكرية مغلقة.
أهدم بيتك بيدك
وفضل الفلسطيني نايف كوستيرو هدم منزله في البلدة القديمة للقدس المحتلة بنفسه، قبل أن تقوم بذلك البلدية الإسرائيلية وتحمله نفقات إضافية، ويقول، وهو يقف أمام أطلال المنزل، "كرهت نفسي وأنا أهدم بيتي بيدي".
وحال هذا الفلسطيني كحال كثيرين من سكان القدسالشرقية الذين تصدر بلدية القدس أوامر بهدم منازلهم، لعدم حصولهم على ترخيص لبنائها، وتخيرهم بين أن يهدموها بأنفسهم، أو أن ترسل عمالها ليقوموا بذلك، على أن يتحملوا هم المصاريف التي غالباً ما تكون باهظة.
ويقول كوستيرو35 عاماً لوكالة الأنباء الفرنسية :"أصبت باليأس، بعد أن أصدرت بلدية القدس أوامر عدة، لهدم بيتي بحجة عدم الترخيص، وفرضت علي السجن مع وقف التنفيذ وغرامات جمة".
ويؤكد الرجل أنه عندما تلقى في 2002 أول أمر من البلدية، بهدم منزله "الذي يمثل الأمان الشخصي" بالنسبة إليه، انتابته "كوابيس بسبب حال الرعب" التي سيطرت عليه.
ويقول "بدأت بهدمه، لكي أعرض صور الهدم على القاضية التي أمرت بسجني إذا لم أنفذ أمر الهدم، ومن حسن حظي أن الجلسة التي كانت مقررة في 10 ديسمبر 2009 تأجلت".
ويقول كوستيرو، إنه اكتشف أنه أصبح لديه ملف جنائي بسبب البناء من دون ترخيص "إذ توقفني الشرطة والجنود ويتعاملون معي كما يتعاملون مع المجرمين".
ويتكرر الأمر نفسه في حي عقبة التوتة في البلدة القديمة، حيث يقول محمد غوشة 37 عاماً، وهو أب لأربعة أولاد، "وسعت بيتي على السطح قبل أشهر ، وتلقيت أمر هدم إدارياً من البلدية ينفذ فوراً، وهو أمر تعسفي".
وأضاف "اتصل بي محام في المساء، وأخبرني بأن البلدية ستهدم بيتي في الصباح، وفي السادسة صباحاً، قدمت قوات كبيرة من الشرطة مع موظفي البلدية وأغلقوا الشارع، وكان معهم مقاول وعمال للهدم. قام أصدقائي وأولاد عمي بهدم البيت لأن تكلفة الهدم من قبلهم 100 ألف شيكل ما يعادل27 ألف دولار".
ويضيف "لم أشارك في الهدم. كنت مقهورا وأتفجر من الغضب. والدي نقل إلى المستشفى، وأخي الصغير ونسيبي اعتقلا".
وبحسب البلدية، فقد تم حتى 13 ديسمبر 2009 تنفيذ 112 من أوامر هدم المباني الصادرة عنها، 49 منها في الجزء الغربي من المدينة، و63 في الشطر الشرقي "العربي".
معاناة إنسانية
وفي هذا السياق ، قال "راميش راجسنجام" من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة: "عمليات الإزالة تسبب معاناة إنسانية هائلة للفلسطينيين، وأكثر من نصف المشردين هم من الأطفال، وبالتالي يفقد هؤلاء فرصة دخول المدارس وتضيع عليهم فرص التعليم".
وأضاف راجسنجام وفقا ل"بي بي سي" العربية، من بين المدارس المعرضة لخطر الإزالة مدرسة في جنبة، وهي منطقة فلسطينية قليلة السكان لا يزيد تعدادها عن 200 نسمة إلا قليلا، في منطقة جبال الخليل في الطرف الجنوبي تماما من المنطقة.
ومن جانبه قال عضو المجلس البلدي في القدس مائير مرغليت، العضو في حزب ميريتس اليساري المعارض للحكومة، إن "البلدية تخدع العالم وتضلله"، في استخدام مصطلح هدم مبان في القدسالشرقيةوالغربية معا، لتوحي للعالم كأن الهدم يطال بيوت اليهود ايضا.
ويضيف "لكن الحقيقة هي أن البلدية لم تهدم يوما أي بيت لليهود في القدسالغربية، وإن فعلت، فهي تهدم درجا أو شرفة أو بناء صغيرا في ساحة، بينما تهدم للفلسطينيين ما يصطلح على تسميته مبنى، وهو في الواقع يتكون من طوابق عدة".
ويقول المحامي مهند جبارة، المتخصص في قضايا أنظمة البناء، إن البلدية تنتهج طريقتين باستصدار أوامر الهدم، فهناك الأمر الإداري الذي يصدره رئيس البلدية، ويوقع عليه المستشار القضائي للبلدية، بعد زيارة أحد مهندسيها للموقع.
ويضيف "هذا النوع من الأوامر سهل جدا إصداره، كأن يكون البناء من دون رخصة، ولم يمر على انتهاء بنائه 60 يوما، أما إذا بني وسكن خلال 30 يوما، فلا يستطيعون هدمه بأمر إداري".
ويتابع المحامي" أوامر الهدم القضائية تصدر عن قاضي محكمة، وإذا اقتنع القاضي بأن هناك مخططا للبناء قيد الانتهاء، يعطى فرصة قبل الهدم. وهناك بيوت تستمر إجراءاتها لسنوات طويلة، بسبب تقديم صاحب البيت مخططات عدة.