وضع انهيار الريال الإيراني أمام الدولار الأمريكي، طهران في مأزق لا تحسد عليه، فأصبحت داخل دائرة محاطة بالعقوبات الدولية ، بالإضافة إلى ضغوطات الشارع على الحكومة نتيجة لما آلات اليه الأوضاع الاقتصادية في البلاد . وانخفض الريال الإيراني ليصل سعر الدولار قبل يومين قرابة 40 ألف ريال إيراني، وهو أعلى مستوى له منذ فرض الغرب عقوبات على إيران في بداية العام 2012 أدت إلى تدهور سعر العملة الإيرانية.
وليست تلك المرة الأولى التي يشهد فيها الريال الإيراني تراجعا حادا أمام الدولار الأمريكي، ما يشير إلى أن العقوبات الأمريكية والأوروبية على طهران بدأت تؤثر سلبا بالفعل على الاقتصاد الإيراني.
ربما تمكنت إيران، نتيجة خبرتها الطويلة مع العقوبات الأمريكية، من الالتفاف على العقوبات بما يقلل تأثيرها إلا أن العقوبات الأوروبية الأخيرة بحظر استيراد النفط الإيراني إضافة إلى تشديد العقوبات المالية على طهران بدأت تؤثر في حياة الإيرانيين.
واعترف وزير المالية الإيراني شمس الدين الحسيني نهاية العام الماضي بتأثير العقوبات في اقتصاد بلاده، حين قال في مقابلة تلفزيونية إن إيران تواجه انخفاضا بنسبة 50 % في عائدات النفط مضيفاً أن ذلك سيؤدي إلى تراجع عائدات الحكومة للعام المالي الحالي الذي ينتهي في مارس 2013 إلى 77 مليار دولار مقابل ما كان مستهدفاً عند 117 مليار دولار لهذا العام المالي.
ويتسق كلام وزير المالية مع تقديرات مؤسسات كثيرة بأن صادرات إيران النفطية تراجعت بمقدار النصف تقريبا لتصل في المتوسط إلى 1 .1 مليون برميل يومياً خلال عام 2012 بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية على الجمهورية الإسلامية .
وما لم يحدث تطور درامي في العلاقات بين إيران والغرب، ستستمر تلك العقوبات في التأثير السلبي في الاقتصاد الإيراني وربما بمعدل أكبر بكثير من العام المنصرم، بحسب رأي كثير من المحللين.
الضغط العالمي
وتعقيبا على ما سلف قالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن هبوط العملة الإيرانية بشكل حاد يعكس ضغطا دوليا لا يلين على طهران بسب برنامجها النووي.
وأضافت إن العقوبات الدولية تنال بشكل متزايد من الاقتصاد الإيراني وإن على طهران أن تعيد حساباتها بشأن البرنامج النووي.
ويرى المحللون أن من شأن خفض قيمة العملة الريال الإيراني رفع قيمة الواردات والأسعار على المواطنين في الداخل.
ويمكن أن يؤدي التراجع الكبير في قيمة العملة المحلية، إلى ظهور أسواق غامضة يسعى من خلالها المتعاملون إلى جمع العملة الصعبة على أمل تحقيق مكاسب أكبر من خلال ارتفاع قيمتها.
وتواجه إيران حظراً مصرفياً دولياً شبه كامل نتيجة العقوبات التي تقودها في الغالب الولاياتالمتحدة.
ارتفاع التضخم
وأدى استمرار تراجع العملة الإيرانية الريال إلى ارتفاع التضخم، وبدأ رجال الأعمال يتململون من القيود المفروضة على التعامل الخارجي مع البنك المركزي الإيراني.
وحمّلت اتحادات تجارية حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية في البلاد نتيجة العقوبات الغربية التي فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي.
وذكرت وكالة مهر للأنباء، وهي وكالة إيرانية شبه رسمية، العام الماضي أن اتحادات تجارية تمثل قطاعات الإنتاج والتوزيع والخدمات قالت إن حكومة أحمدي نجاد دمرت الاقتصاد من خلال إصدار قرارات سياسة خاطئة.
وانسحب ذلك إلى حد ما بين الجماهير العادية التي أصبحت تقارن بين البرنامج النووي وغلاء المعيشة نتيجة انهيار قيمة العملة وارتفاع معدل التضخم. وخسر الريال أكثر من ثلثي قيمته امام الدولار منذ الصيف قبل الماضي.
وأدى هذا الانخفاض في قيمة العملة إلى تراجع مستويات المعيشة وأجبر إيران على خفض وارداتها وتسبب أيضا في خسارة وظائف في القطاع الصناعي.
وتقدر الحكومة معدل التضخم السنوي الرسمي بنحو 25 % لكن محللين يقدرون أن معدل التضخم يصل إلى نسبة 50 أو 60 % في الواقع.
ويقول بعض الإيرانيين إن أسعار بعض السلع، ومنها سلع أساسية، تضاعفت مرتين في العامين الأخيرين.
تظاهرات واتهامات
وعلى صعيد الرد الشعبي على انخفاض قيمة العملة الإيرانية ، اندلعت تظاهرات احتجاج في حي الصيارفة وسط العاصمة طهران في أكتوبر 2011 ، وحدثت شجارات مع قوات الأمن التي اعتقلت 16 شخصًا.
واقتحم مئات من رجال شرطة مكافحة الشغب حي الفردوسي الذي تنتشر فيه محلات الصرافة، واعتقلوا عددا من الصرافين غير القانونيين وأمروا بإغلاق مكاتب الصرافة المرخصة وغيرها من المتاجر .
وشوهد رجال شرطة يرتدون الزى الرسمي والملابس المدنية وهم يقومون باعتقال العديدين.
وارتفعت أعمدة الدخان من موقعين في المنطقة، وبدا أن الدخان يتصاعد من حاويتي قمامة كانت أحداهما بجانب السفارة البريطانية التي أخليت العام الماضي بعد أن اقتحمها متظاهرون مؤيدون للحكومة.
وهذه المظاهرات لم تقتنع بتبريرات الحكومة الإيرانية، التي أرجعت أسباب التدهور إلى العقوبات الغربية على البلاد بسبب ملفها النووي، بل رأى المتظاهرون في انحياز النظام الإيراني إلى نظيره السوري ودعمه اللامتناهي له، مادياً وعسكرياً وسياسياً، سبباً رئيساً لتراجع قوة الريال الإيراني وارتفاع أسعار المواد الأولية بشكل جنوني.
وفي هذا السياق ، تناول العدد الأخير من جريدة "عنب بلدي"، التي تنشط في الريف الدمشقي الغربي وتحديداً في داريا، تداعيات أزمة الريال الإيراني على الثورة السورية والدعم الإيراني لنظام الأسد ومآلاته، في ظل تصاعد استياء المرشد العام للثورة الإيرانية علي خامنئي من رئيس جهاز المخابرات قاسم سليماني لفشله في تحقيق وعده له بالإجهاز على الثورة السورية بعد سبعة عشر شهراً من الحراك المستمر.
نجاد والأسد
ويقول نشطاء الثورة السورية: "بعدما أغدق أحمدي نجاد بالمال على نظام الأسد لمساعدته في قمع ثورة شعبه الطامح للحرية، وجد النظام الإيراني نفسه بعد عام ونصف من الدعم المتواصل في مأزق كبير يكاد لا يعرف للخروج منه سبيلًا".
يؤكد نشطاء الثورة تداعيات الأزمة الإيرانية على الثورة السورية، أولها التحذير العلني الإيراني للأسد من مغبة استخدام السلاح الكيميائي، السلاح الوحيد الذي لم يستعمله الأسد حتى الآن، بعدما كانت إيران قد منحت نظام الأسد الضوء الأخضر لاستخدام كافة أنواع الأسلحة والأساليب القمعية لوأد الثورة.
ويُبدي نشطاء الثورة تفاؤلهم بامتداد الاحتجاجات التي انطلقت من السوق في طهران، على غرار الثورة السورية، إلى مشهد وغيرها، متوقعين أن يكون القادم الإيراني أعظم، لا سيما أن واحدًا من أهم شعارات المظاهرات الإيرانية كان "اتركوا السوريين في حالهم واهتموا بشؤون الإيرانيين".