مر القضاء في السعودية بمراحل من التطوير وبرز الاهتمام بتنظيم هذا القطاع الحيوي بعد توحيد البلاد على يد الملك المؤسس عبد العزيز، ورغم العوائق التي واجهتها عملية تطوير إدارة جهاز القضاء لأسباب اجتماعية، فإن جهودا عظيمة بذلت لتطوير هذا الجهاز خلال 8 عقود وصولا إلى المعاصرة والتحديث الإداري. وتتويجا لمراحل سابقة بذل فيها الملوك والعلماء جهودا كبيرة ومتواصلة لتطوير النظام القضائي في البلاد وتحقيق التخصص والتمايز من خلال أهداف محددة، فقد جاء إنشاء وزارة للعدل ليضع أرضية تطوير منظومة العدالة وتحديث الأنظمة والإجراءات وإدخال التقنية الحديثة والمرافق، أخذا بالجوانب التطويرية التي تتوافق مع أسس الشريعة الإسلامية.
وخلال العقود الثلاثة الماضي شهدت المرحلة إنجازات وتطورات تمثلت في إقرار أنظمة المرافعات الشرعية، والإجراءات الجزائية والتسجيل العيني العقاري، والمحاماة، والتحكيم، والإدارة الإلكترونية للقضاء الشرعي.
وفي إطار إجراءات الإصلاح التي تبناها الملك عبد الله بن عبد العزيز بهدف إحداث تغيرات إدارية واقتصادية كبرى في البلاد، خدمة للتنمية وإخضاع الأنظمة للتطوير المستمر، أطلق الملك مشروعا لتطوير مرافق القضاء والارتقاء به وخصص له مبلغ 7 مليارات ريال، وهو ما يعد نقلة نوعية نحو ترسيخ مبادئ معينة لترفع شأن منظومة القضاء السعودي إلى آفاق عالمية
الترافع الإلكتروني
وبدورها تعتزم وزارة العدل السعودية تطبيق نظام للترافع الإلكتروني يتيح للخصوم الترافع عبر الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" في مكان وجود الخصوم ، وذلك للمرة الأولى في تاريخ القضاء السعودي.
وأكدت مصادر قضائية ل"الشرق" أن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء أسس نظاماً عبر السحابة الإلكترونية للوزارة يتيح لأطراف القضايا تقديم ما لديهم من دوافع واعتراضات عبر الدخول على النظام ورفع ما لديهم من طعون حيال قضاياهم المنظورة.
يذكر أن المشروع وفَّر لكل قاض حقيبة إلكترونية خاصة تتضمن إضافة رقم جوال الخصم وبريده الإلكتروني، ويتولَّى النظام إشعار طرف القضية غير الموجود بالجلسة بمراجعة بريده الإلكتروني والاطلاع على سير القضية وما قدَّمه الخصم للرد عليه عبر نفس النظام، حيث يرفع على النظام في حقيبة القاضي الذي ينظر القضية.
ومن المتوقع أن يتم تفعيل هذه المحاكم قريبا ولأول مرة في تاريخ القضاء السعودي حيث لا يلزم على الخصوم انتظار مواعيد الجلسات وتعطيل أعمالهم بل يقوم الخصوم بالترافع عن قضاياهم من مكان وجودهم داخل المملكة أو خارجها.
وفي ذات السياق أضافت الوزارة نظام الاستخلاف القضائي الذي يعني إجازة الاستماع إلى شهادات الشهود في القضايا والوقوعات دون إجبارهم على المثول أمام القاضي في مكان إقامة الدعوى، حيث تنقل شهاداتهم عبر الأقمار الصناعية من خلال شاشات تم دعم قاعات التقاضي بها، والتي سيتم توفيرها في 500 محكمة على أن يستجوب القاضي الشهود بالصورة داخل القاعة.
وتتزامن منظومة الخدمات القضائية الجديدة مع تبني برامج تدريب ينقل منسوبي الوزارة ويؤهلهم للتعامل مع السحابة الإلكترونية، بعد أن يتمَّ تدريب القضاة في المحاكم على التعامل مع ذلك الجانب.
محاميات بلا مهنة وعلى صعيد آخر ذكرت صحيفة سعودية يوم الخميس الموافق 24 يناير 2013 إن وزارة العدل السعودية رفضت استلام طلبات الحصول على رخص مزاولة المهنة للمحاميات رغم تسلمها اللائحة النهائية لإصدار رخص المحاميات من هيئة الخبراء.
وكانت الرياض سمحت للمحاميات في السعودية بمزاولة المهنة في ديسمبر/كانون الأول الماضي حيث أكدت وزارة العدل إمكانية إعطاء المرأة رخصة محاماة مشروطة، للترافع أمام الأجهزة القضائية، ومُقيدة بالترافع عن المرأة فقط، على أن تعمل وفق ضوابط المحاكم الشرعية لدخول النساء في أروقتها.
ونقلت صحيفة "الوطن" اليومية عن المستشارة القانونية بيان زهران قولها إن وزارة العدل ممثلة في الإدارة العامة لرخص المحاماة، رفضت تسلم طلبات الحصول على "رخص المحاماة" للنساء المؤهلات، معللة رفض الوزارة بأنها لم يصلها أي تعميد رسمي باستلام الطلبات أو مطابقتها.
وجاء ذلك في حين أعربت المستشارة القانونية شهد عبد الجواد، عن قلقها من أن يكون التأخير بناء على معارضة بعض غير المتقبلين لوجود المرأة أمام القضاء، مشيرة إلى أن 40 بالمئة من القضايا المنظورة في المحاكم تتعلق بقضايا أحوال شخصية للنساء.
وأكد فهد البكران المتحدث الرسمي لوزارة العدل أن تأخر إصدار رخصهن يأتي بسبب عدم انتهاء الوزارة حتى الآن من وضع آليات "قيد المحامية" في سجل المحامين بالإدارة العامة للمحاماة، لافتا إلى أن الوزارة تعمل حالياً على توفير "بيئة عمل" للمحاميات.
يذكر أن عمل المحاميات السعوديات يتركز غالباً على تقديم استشارات قانونية في قضايا العنف الأسري بالدرجة الأولى، تليها قضايا الطلاق والباحثات عن حقوقهن.
إصلاحات قانونية وفي خطوة إنهاء جمود عملية إصلاح النظام القانوني المحافظ في المملكة الذي ينظر إليه على أنه يعرقل الاستثمار، أعلن العاهل السعودي الملك عبد الله عن تعديلات في النظام القانوني عام 2007 وإنشاء محاكم متخصصة في القضايا الجنائية والتجارية وقضايا الأسرة والعمل وتوسيع نطاق السلطة القضائية وإعادة تدريب القضاة.
لكن محامين إصلاحيين يقولون إن علماء دين وقضاة وموظفين محافظين في وزارة العدل عرقلوا التغيير. ولم تنشأ حتى الآن المحاكم المتخصصة وعارض بعض القضاة إعادة التدريب.
وربما تعطي التعيينات الجديدة في سلك القضاء والتي أعلنت هذا الأسبوع قوة دفع جديدة للإصلاحات لكن التغيير لا يرجح أن يحدث سريعا ولا أن يمس الخصائص الأساسية للقانون السعودي التي توجه إليها انتقادات واسعة في الخارج ومنها الوضع القانوني للمرأة وتطبيق عقوبات مثل ضرب العنق وبتر الأيدي.
وعين الملك عبد الله الشيخ غيهب الغيهب رئيسا جديدا للمحكمة العليا والشيخ سلمان بن نشوان رئيسا لمجلس القضاء الأعلى. ويمثل الرجلان جيلا أصغر سنا إلى حد ما ربما يكون أكثر تقبلا لتغيير متواضع. كما عين الملك تسعة قضاة جدد في المحكمة العليا.
وقال المحامي السعودي ماجد قاروب المعروف بنشاطه في مجال إصلاح القانون إن التعيينات الجديدة تثبت أن الملك مستمر في إصلاح النظام القضائي.
ويشير المنتقدون للنظام القانوني الحالي إلى اختلافات واسعة بين أحكام صادرة في قضايا متشابهة ويقولون إن القضاة ينظرون قضايا في بعض الأحيان دون السماح للمتهمين بمتثيل قانوني. ويحدد القضاة الأحكام تبعا لتفسير كل منهم الشخصي للشريعة الإسلامية دون خطوط إرشادية عريضة للأحكام تحددها وزارة العدل ولا الاسترشاد بأحكام في قضايا سابقة.