"فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" الزمر- 49. مجمل تفسير الآية : فإذا أصاب الإنسان شدة وضُرٌّ، طلب من ربه أن يُفرِّج عنه، فإذا كشفنا عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا عاد بربه كافرًا، ولفضله منكرًا، وقال: إن الذي أوتيتُه إنما هو على علم من الله أني له أهل ومستحق، بل ذلك فتنة يبتلي الله بها عباده؛ لينظر مَن يشكره ممن يكفره، ولكن أكثرهم- لجهلهم وسوء ظنهم وقولهم- لا يعلمون؛ فلذلك يعدُّون الفتنة منحة.
يقول تبارك وتعالى مخبراً عن الإنسان أنه في حال الضراء يتضرع إلى اللّه عزَّ وجلَّ، وينيب إليه ويدعوه، وإذا خوّله نعمة منه بغى وطغى، وقال: { إنما أوتيته على علم} أي لما يعلم اللّه تعالى من استحقاقي له، ولولا أني عند اللّه خصيص لما خولني هذا، قال قتادة: { على علم عندي} على خير عندي، قال اللّه عزَّ وجلَّ: { بل هي فتنة} أي ليس الأمر كما زعم، بل إنما أنعمنا عليه بهذه النعمة لنختبره فيما أنعمنا عليه أيطيع أم يعصي؟ مع علمنا المتقدم بذلك فهي { فتنة} أي اختبار { ولكن أكثرهم لا يعلمون} ، فلهذا يقولون ويدعون ما يدعون، { قد قالها الذين من قبلهم} أي قد قال هذه المقالة وادعى أن هذه الدعوى كثير ممن سلف من الأمم، { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} أي فما صح قولهم ولا نفعهم جمعهم وما كانوا يكسبون، { فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء} أي من المخاطبين { سيصيبهم سيئات ما كسبوا} ، أي كما أصاب أولئك { وما هم بمعجزين} ، كما قال تبارك وتعالى مخبراً عن قارون { قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} ؟ وقال تعالى: { وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين} ، وقوله تبارك وتعالى: { أو لم يعلموا أن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} أي يوسعه على قوم ويضيقه على آخرين، { إن في ذلك لقوم يؤمنون} أي لعبراً وحججاً.