الإنسان خليفة الله فى الأرض لقوله تعالى: {إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: من الآية 30)، والشيطان عدو الله فى الأرض حيث قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 34)، الإنسان مكرَّم من الله لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70)، والشيطان مجرَّم ملعون من الله لقوله تعالى للشيطان: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ} (ص: 78)، الإنسان هو صانع العمران مجدد الحضارات لقوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: من الآية 61)، وقال النبى صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلةفليغرسها" (مجمع الزوائد للهيثمى: رجاله أثبات ثقات)، والشيطان مدمر العمران صانع الفساد لقوله تعالى على لسان الشيطان: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (ص: 82)، وقوله تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (النساء: من الآية 119)، الإنسان صاحب فطرة تدلُّه على الخير وتحثه عليه؛ قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم: من الآية 30)، لكن الشيطان منتكس الفطرة، مظلم الطبع كما قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (الكهف: من الآية 50)،الإنسان يتحرك فى الأرض فهى ميدانه كما قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ} (طه: 55)، لكن الشيطان يتحرك بين أجرام عدة ويحاول أن يسترق السمع من السماء فيتبعه شهاب ثاقب، ويحمل خصائص الجن فى الخفة والتلون والتغير والتشكل، والعجيب المثير للذهن أن يكون هذا مقام الإنسان، وهو مدعو إلى الاقتراب من الله لقوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق: من الآية 19)فإذا بالإنسان ينحو نحو الشيطان؛ إذ رفض أمر الله بالسجود، فيغترب الإنسان عن الله، ويبتعد عن إنسانيته، وينخر فى كرامته، وينتقص من عزته؛ فيسلب الكثير من إنسانيته ويتشيطن حتى يصير أستاذا للشيطان كما قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} (الأعراف: 175 ومن الآية 176)، فهل يليق بالإنسان المكرَّم الذى سخر الله له الكون كله كما قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (الجاثية من الآية 13)، وقال تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان: من الآية 20)، وقال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم: من الآية 34) أن يتبع الشيطان؟ عجيب حقا أمر هذا الإنسان الذى أسجد الله له ملائكته، وأرسل له رسله، وأرسل له كتبه، وهداه النجدين، ووعده الحسنيين، ونادى من زلت به القدم بعد ثبوتها فقال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53)، وقال النبى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "قال الله تبارك وتعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالى، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ولا أبالى، يا ابن آدم إنك لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" (سنن الترمذى)،وحذرنا ربنا سبحانه من الشيطان فقال: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِى آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِى هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (يس: 60، 61)، لكن الإنسان يأبى إلا أن يعرض وينأى عن الله بجانبه، ويتبع الهوى والشيطان، ويتحالف معه كما قال تعالى: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (الأنعام: من الآية 112)،والنتيجة لهذا الإعراض والتشيطن أنه يلقى مصيره: {هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (يس: 63-65)، وبهذا يكون الإنسان كما قال تعالى: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (الحج: من الآية 11)، والأكثر ألما لأتباع الشيطان أو المتشيطنين هو يوم القيامة عندما يتبرأ الشيطان من أتباعه، ويتجرد عن مسئوليته عن غواية الإنسان، فيخطب فى جهنم مواجها جمهور اللائمين له من بنى الإنسان فيقول كما قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِىَّ} (إبراهيم: من الآية 22)أى ما أنا بمنقذكم وما أنتم بمنقذى، فهل من حسرة أشد من هذا؟!!! ولم هذا الجفاء من الإنسان لربه وهو سبحانه القائل: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطر: 15)؟ فهل من توبة وأوبة إلى رب كريم يعفو عن الكثير من السيئات، ويضاعف القليل والكثير من الحسنات، حتى تصير كأوزان الجبال؟ هل يليق بالإنسان أن يدع الرحمن ويتبع الشيطان، ويرد الإنسان إلى أسفل سافلين؟!!! ليس أمامنا إلا مخرج واحد وهو توبة نصوح تمسح السيئات، وتحولها إلى رصيد ضخم من الحسنات، ونلتمس الهدى والبينات من رب الأرض والسماوات، ونجمع بين النور والفرقان، الرؤية والقرار، العلم والعمل، ونهتف من الأعماق هتاف الإنسان المحب للرحمن: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} (طه: من الآية 84)، فاقبل توبتى وأحسن عاقبتى لألقاك إنسانا مكرَّمًا لا شيطانا مجرَّمًا، فليس أمامنا إلا أمران: أن يظل كل منّا الإنسان التابع لآيات الرحمن، أو نعرض متبعين نزغات الشيطان، وكل ميسر لما خلق له، وإذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك، والله وحده المستعان على إغواء الشيطان. www.salahsoltan.com