بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب:70] الأنشطة الإنسانية - علي تعددها وتنوعها وتفاوتها من حيث الأهمية والاتساع - لا بد لها من قواعد تنظمها .. وهذه القواعد تحدد مهام وواجبات وحقوق المشاركين في النشاط كما تنظم العلاقات البينية للمشاركين وكذلك علاقاتهم بالمتفاعلين مع النشاط من خارجه .. ولذلك تشرع القوانين وتوضع اللوائح لضبط ممارسات المشاركين وحثهم علي الالتزام وعدم مخالفة القواعد المنظمة للنشاط. وضمان انتظام النشاط يستلزم مراقبة المشاركين فيه ومتابعتهم متابعة مستمرة وتقييم أدائهم في إطار إتباعهم للقواعد المنظمة .. فمن يلتزم يثاب ومن يخالف يعاقب - طبقاً للوائح والقوانين - لعله يرتدع فيما هو آت .. وقد يستبعد المخالف نهائياً وقد يمنح أجلاً لتصحيح أدائه والرجوع عن مخالفاته. ولذا فمن الضروري التأكد من إلمام المشاركين في النشاط بالقواعد المنظمة وإحاطتهم - كلما لزم الأمر - بما قد يطرأ عليها من تطوير لتساير التطور الطبيعي والحتمي لبيئة النشاط وعناصره ومستلزماته. ولله المثل الأعلي .. فإن الله هو الخالق والمالك لهذا الكون وما فيه .. وشاء الله أن يستخلَف الانسان في الأرض قال تعالي: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ...﴾ [البقرة:30]. ومع أن الإنسان مستخلف في الأرض وليس مالكاً لها .. فهو من الناحية العملية يتصرف وكأنه المالك بما أودع الله فيه من طاقات ومواهب وكفايات وتسخير ما في السموات وما في الأرض جميعاً له .. قال تعالي: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية:13]. ولكن ذلك لا يعني أن الانسان مطلق الحرية والتصرف .. فهو في نفسه خاضع ومحكوم بما قدَّر الله له وعليه .. واستخلافه في الأرض له قواعد تنظمه مثله مثل أي نشاط إنساني. وأول نشاط انساني كان سكني آدم وحواء الجنة .. وأول ما فرض الله علي الانسان من قواعد كانت القواعد المنظمة لسكني آدم وحواء الجنة : 1. قال تعالي: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف:19]. 2. قال تعالي: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَيٰ﴾ [طه:117]. وبما أن آدم وحواء كانا حينئذ علي الفطرة بلا أدني خبرة فيما هم مقبلون عليه .. لذا كانت قواعد سكناهما الجنة بسيطة ولا تتعدي الآتي: 1. الأكل من ثمار كل أشجار الجنة مباح عدا شجرة واحدة. وحتي لا يتعرض آدم وحواء لمغالبة الشهوة الفطرية - إذا ما أصبحت ثمار الشجرة المحرمة في متناول ايديهما - فقد نهاهما الله عن الاقتراب من هذه الشجرة ''وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ''. 2. الشيطان عدو لهما وسيسعي لإخراجهما من الجنة. واستمر آدم وحواء يتمتعان بسكناهما الجنة إلي أن خالفا القواعد استجابة لوسوسة الشيطان .. فاقتربا من الشجرة المحرمة .. فأكلا من ثمارها .. فحق عليهما الخروج من الجنة. وتعلم آدم وحواء الدرس وأدركا - بالتجربة العملية - أن الله لا يخلف وعده وأن طاعته واجبة وأن الشيطان عدواً لهما. وكما كانت سكني آدم وحواء الجنة فترة تدريب عملي وتهيئة لما هما مقدمان عليه .. فإنها عظة لكل بني آدم وعبرة لمن يعتبر .. قال تعالي: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:27]. وقبل الخروج من الجنة تلقي آدم وحواء - من الله سبحانه وتعالي - القواعد المنظمة للنشاط الانساني الأكبر والأهم والذي يشارك فيه كل إنسان وهو "استخلاف الانسان في الأرض" : 1. قال تعالي: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَيٰ حِينٍ﴿24﴾ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴿25﴾﴾ [الأعراف:24-25]. 2. قال تعالي: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًي فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَيٰ ﴿123﴾ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَيٰ ﴿124﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَيٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ﴿125﴾ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَيٰ ﴿126﴾ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَيٰ ﴿127﴾﴾ [طه:123-127]. وعلي ما تقدم .. فإن القواعد المنظمة لحياتنا والتي يجب علينا أن نلم بها ونعيش في إطارها لا تتعدي الآتي: 1. حياة الناس في الأرض محدودة المدة ''وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَيٰ حِين''. 2. حياة كل إنسان محدودة المدة ''فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ''. 3. كُلَّمَا أتي من الله هُدًي فعلي الناس اتِّباعه ''فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًي فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَيٰ''. 4. الشيطان عدو الإنسان. 5. يبعث الله الناس ويحشرهم للحساب .. فإما ثواب وإما عذاب. ومنذ أن هبط آدم وحواء إلي الأرض أتانا هُدي الله من خلال الوحي والأنبياء والرسل .. وشاء العليم الحكيم أن يأتينا "الهُدي" علي فترات وبالقدر الذي يناسب تطور ظروف الحياة الانسانية وتفتح مدارك الانسان واتساع مجال حركته في الحياة .. وهذا ما أعلنه الله لأبوينا قبل خروجهما من الجنة ''فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًي'' .. ولا يقبل العقل والمنطق المزاعم بأن تعدد المرسلين وتَعدد الرسالات يعني تَعَّدُد الأديان .. وبما أن "الله واحد" فلا بد أن "الدين واحد" وبالتالي "الرسالة واحدة" .. قال تعالي: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّيٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَيٰ وَعِيسَيٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَي الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ [الشوري:13]. وبما أن لكل انسان عمر محدود يعقبه موت ثم بعث ثم حساب .. إذاً العمر المحدود للانسان في هذه "الحياة الدنيا" ما هو إلا فترة ابتلاء وامتحان لما يليها من حياة في "الدار الآخرة" والتي هي "الحيوان" .. قال تعالي: ﴿وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت:64]. ولذلك فإنه يتعين علي كل إنسان عاقل أن يسأل نفسه: "علي ماذا أحاسَب يوم الحساب؟" .. لأن إجابة هذا السؤال ستحدد له ما يجب عليه فعله في حياته حتي ينجو يوم الحساب. ومن المعلوم أن المرؤ يُحاسَب علي مدي التزامه وأدائه لواجباته في إطار ما يكلف به .. وطبقاً للقواعد المنظمة لاستخلاف الإنسان في الأرض فإن "التكليف الوحيد" هو "اتِّباع الهُدي" الذي يأتينا من الله سبحانه وتعالي .. وعلي ذلك فإن ما نحاسب عليه هو: مدي اتباعنا لهدي الله وما شرع لنا من الدين. ومن المعلوم - أيضاً - أن المرؤ لا يُحاسَب علي ما يُرغَم عليه .. ولذلك فإن الله لم يرغمنا علي طاعته .. بل ترك لنا أن نخضع لأمره وأن نطيعه باختيارنا .. قال تعالي: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ...﴾ [الكهف:29]. ومن المعلوم - أيضاً - أن المرؤ لا يُقْبِل علي العمل دون معرفة الفائدة التي تعود عليه من أدائه .. ولذلك فإن الله قد بيَّن لنا أن الذي يَتَّبع الهدي لا يَضِل 'في الدنيا' ولا يَشقي 'في الآخرة' .. قال تعالي: ﴿... فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَيٰ﴾ [طه:123]. ومن المعلوم - أيضاً - أن المرؤ لا يوفَّي أجر عمله إلا بعد الانتهاء من أدائه أو إنقضاء المهلة المتاحة له .. ولذلك فإن الله قد أجل لنا استيفاء أجورنا إلي ما بعد انتهاء فترة استخلاف الإنسان في الأرض .. فمن أحسن أدخل الجنة ومن أساء فمصيره إلي النار .. قال تعالي: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران:185]. ولقد أنبأنا الله العليم الخبير بوقوع حدث جلل .. وهو أمر عجيب يستوجب منا التأمل والتفكر .. فإن كل ما ينجزه الانسان من "المَدَنيٌّة" 'مظاهر العمران والتقدم المادي والعلمي' مآله الي الدمار!! يا الله!! المدن وناطحات السحاب والطرق السريعة ... إلخ! المصانع والمحطات النووية والأقمار الصناعية ... إلخ! الجامعات ومراكز البحوث والمكتبات ... إلخ! دور الأوبرا والمسارح والملاهي ... إلخ! الفنادق والمنتجعات والقري السياحية ... إلخ! الاختراعات والإبتكارات ... إلخ! .. قال تعالي: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴿13﴾ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴿14﴾ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴿15﴾﴾ [الحاقة:13-15]. وبما أنه لن يبقي شئ من "المَدَنيٌّة" التي تنجزها الانسانية عبر تاريخها في الأرض .. فإن كل تلك "المَدَنيٌّة" ليست "غاية" استخلاف الإنسان في الأرض .. ولكن الله جعلها "وسيلة" لابتلاء الانسان واختباره .. قال تعالي: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَي الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴿7﴾ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴿8﴾﴾ [الكهف:7-8]. وحيث أن الله أمرنا بالعمل .. فعلي كل انسان أن يعمل ويجتهد .. ولكن يجب أن يكون العمل طاعة لله وبما يرضيه لأن الله يعلم سرائرنا وعلانيتنا ولا يخفي عليه شيء من باطن أمورنا وظواهرها .. قال تعالي: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَيٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة:105]. ولذا فليس من الحكمة أن يكون همنا الأكبر ومضمار التنافس والصراع هو إنجاز أكبر قدر من "المَدَنيٌّة" علي حساب طاعتنا لله وبمخالفة القواعد التي شرعها لاستخلافنا في الأرض .. لأن الله لن يحاسبنا علي مقدار "المَدَنيٌّة" التي تحققت ولكنه سبحانه محاسبنا علي "سعينا" في إطار ما كلفنا به وهو: اتباعنا لهدي الله وما شرع لنا من الدين .. قال تعالي: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَيٰ﴿39﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَيٰ﴿40﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفيٰ﴿41﴾﴾ [النجم:39-41] .. ويصبح من العبث التفاخر بمقدار "المَدَنيٌّة" المحققة إذا لم نتلمس ونتبع السبل المشروعة لتحقيق هذه "المَدَنيٌّة". وعلي مر التاريخ الانساني قد يضيق بعض الناس بما شرع الله لهم من "الدين" لما يفرضه عليهم من قواعد منظمة لحياتهم .. لأنها تحملهم من التكاليف ما يستنزف جزء غير قليل من أموالهم وأوقاتهم وجهدهم .. كما أنها تلزمهم جهاد النفس وترويض الشهوات. فإذا ما حسب أولائك أن "الدين" يقيد حركتهم في الحياة ويحد من إشباع شهواتهم وسعوا إلي "التحرر" مما شرع الله - بعضه أو كله - يضل "سعيهم" وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وقد نبأنا الله بأمر أولائك "المتحررين" وبأنهم الأخسرين أعمالاً وجزاؤهم يوم القيامة أن تحبط أعمالهم ويلقون في جهنم .. لأن "تحررهم" مما شرع الله - بعضه أو كله - هو كفر بآيات الله وبلقائه .. قال تعالي: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴿103﴾ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴿104﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴿105﴾ ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا '106'﴾ [الكهف:103-106]. إن الله شرع لنا "الدين" وأمرنا ''أَنْ أَقِيمُوا الدِّين'' في كل شئون حياتنا 'الأمر شوري - الحكم بالعدل - احترام العهود والمواثيق - عدم العدوان - الجنوح إلي السلم - الاقتصاد تنموي غير ربوي - طلب العلم والأخذ بالأسباب - إتقان العمل - المجتمع يتراحم ويتكافل - المعاملات بالإحسان ومكارم الأخلاق - نبذ العنصرية والتعصب - حرية الرأي والاعتقاد - حرمة النفس والعرض والمال - ... إلخ' .. وهو سبحانه محاسبنا علي مدي اتباعنا لما شرع لنا .. فأما من اتبع شرع الله 'أقام الدين' فأطاع أوامره وانتهي عما نهي عنه فإن مصيره إلي الجنة .. وأما من خالف شرع الله 'لم يقيم الدين' فعصي أوامره ولم ينتهي عما نهي عنه فإن مصيره إلي النار ولو كان أثري الأثرياء أو أعلم العلماء أو أبرع المخترعين أو حائز علي نوبل أو الأوسكار أو ميدالية أوليمبية ... إلخ. وباطل كل ما قد يُدْرَك من تقدم وتفوق وسبق و"مَدَنيٌّة" نتيجة "التحرر" مما شرع الله لنا من "الدين" .. ويصدق عليه قوله تعالي: ﴿إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلونَ﴾ [الأعراف:139] .. فما بني علي باطل فهو باطل .. والغاية لا تبرر الوسيلة .. ولكن يجب اتباع الوسائل المشروعة لإدراك الغايات وإن تأخر تحقيقها أو تعثر أو حتي تعذر. ولنتذكر دائماً أننا مستخلَفون في الأرض .. لا ملاك . اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد