عندما اراد خليفة المسلمين الاول ابو بكر الصديق رضي الله عنه تجهيز الحملات لحروب الردة، قام بمناداة داهية العرب عمرو بن العاص، وقال له انه يثق برأيه بالرجال فما رأيك بخالد؟.فأجابه عمرو: "انه سيد الحرب، وصديق الموت، له جرأة الاسد، وصبر القط". فعمرو بن العاص بدهائه، وعمق ذكائه جمع بين صفتين ميز بهما سيد الحرب وصديق الموت، هاتين الصفتين هما الجرأة، والصبر. فالصبر، ودراسة العدو، ومراقبته، ثم تحين الفرصة المناسة لقنصه باستخدام الجرأة.
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يغز غزوة، كان قد اخبر صحبه عن وجهته الا غزوة تبوك لبعد المسافة ومشقة السفر، ومتطلبات الاعداد لذلك.
ذلك كان مما مضى، فما هو حالنا اليوم؟!.
ما دعا الى هذه المقالة، وهذه المقدمة شيئان هما:
-- اما الاول فهو هجوم القوات الفرنسية على المقاتلين في مالي.
بالنسبة لهذا الامر فالمسلحين الذين خرجوا عن نظام الحكم في مالي خرجوا منذ اشهر عدة. امر استفز فرنسا باعتبار ان دولة مالي هي منطقة نفوذ فرنسي.
فرنسا لم تسرع في الرد، ولم تهدد، ولم تتوعد، لكنها وعلى مبدأ "صبر القط"، كانت تراقب، بهدوء، وقد يكون هناك تقارير يومية عبر الاقمار الصناعية. وقد تكون قد فرغت خلية ازمة لمراقبة صور الاقمار الصناعية، وصور وتقارير المتعاونين معها على الارض لعدة اشهر متتالية. صبر اكسبها معرفة بدقائق تحرك قيادات عدوها وعاداته، وطرق مواصلاته، واتصالاته.
الغرب لا يهتم لحقوق الانسان الا أناسه، واما العالم الثالث فهم عدد لا معنى له، لذا فتكلفة الصاروخ وسعره له اهميته اكثر من مئة انسان قد يقتله ذلك الصاروخ. لذا عندما تحركت، وكما تتحرك الطائرات بدون طيار في غير مكان من العالم، فقد تحركت وضربت كل صاروخ في مكانه.
-- واما الامر الثاني فهو التهديد الغربي بهجوم على اهداف داخل سوريا مع سقوط النظام، هدفها كما هو معلن السيطرة على الاسلحة الكيماوية.
روسيا تحشد سفنها، والقوات الامريكية والبريطانية في دول الجوار، تقوم بمناورات مشتركة، والكل يهدد ويتوعد بالتدخل بعد السقوط مباشرة.
يحلمون بتدخل على شكل ضربات جراحية، تضرب القيادات الميدانية ومراكزها ضربة رجل واحد، في عدد من الطلعات قد تبلغ الآلاف يوميا. ضربات سيكون مبررها القضاء على فلول القاعدة والسيطرة على الاسلحة الكيماوية كي لا تقع في ايدي "الارهابيين".
الغرب يراقب الاتصالات، والتحركات، ويدرسها. بينما المذيعين الفضائيين، ومراسلي الصحف بمختلف مشاربهم الاستخباراتية يزورون كل الساحات، ويوثقون الحدث والمكان بالصوت والصورة.
صورة مناقضة تماما لتاريخ الامة الذي يقدس اسرار الحرب، ويتقن دروبها وتعرجات مسالكها.
الغرب والشرق لن يجرآ على تدخل بري، بل جل ما سيفعلوه ضرب الطيران، لكن ضربهم مؤلم، لانه لاهداف مدروسة بعناية، وفيه كثافة في الطلعات ودقة في اصابة الاهداف، لذا يجدر بالجيش الحر وقياداته توخي الحذر دوما، وعدم التقليل من اهمية السرية والاقلال من الظهور الاعلامي، فكما يقول المثل "الظهور قاصم الظهور".
على الهامش
--------
الغرب يقاتل قتال رجل واحد، ولا يستهين بعدوه مهما بلغ من الضعف، بل يحسب لكل قوة حسابها كي لا يفاجأ، ويخسر مالا او ارواحا. فعندما حدثت مشكلة في احدى الجزر المغاربية اوائل الالفية الحالية بين اسبانيا ومواطنين مغاربة، وقفت كل اوروبا مع اسبانيا وقفة رجل واحد. واليوم بريطانيا تعلن دعم فونسا في مالي.
بينما في ثوراتنا من العراق فيما مضى الى الثورة السورية، تعمل كل كتيبة لوحدها، وان اتحدت فكل يضمر انه اتحاده مرحلي، فنياتنا توحدت على اسقاط النظام، لكنها لم تتوحد على مصلحة كلنا، رغم ان الكل يعلن ليل نهار عداؤه لوجودنا، وبكل صلف يحاول شق صفوفنا، ويمنع السلاح والمال، ولو استطاع الماء والهواء لوأد ثورتنا بعد ان شبت عن الطوق، فهلا خلونا خلوة صدق، ووحدنا القلوب كي يهبنا الواهب نصر كرمى لتضحيات اهلينا؟.
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه