* العريان يستخدم تكتيك الرسائل السياسية بطريقة تفتقد للحرفية * تاريخ مصر لم يكن تاريخ طوائف ولا فرق * اليهودي علي قناعة دينية يمنعه من الانصهار بين الأمم * اليهود هم الذين عاملوا العالم كأكثرية ولم يعاملهم العالم كأقلية * اليهودي فى رحلة عبر الزمن ويحلم بالعودة لمجده فى فلسطين * صراع المصريين كان مع مشروع الصهاينة وليس اليهودية * ورطت الصهيونية يهود مصر فى العداء لمصر * اليهود شاركوا فى الحركة الماركسية منذ بدايتها وتبنوا أفكارها العمالية * اليهود عبر تاريخهم كانوا يفكرون بعقلية التاجر * من أشهر عائلات اليهود المصرية موصيرى وشيكوريل * اليهودى لم يكن مقاتلا صنديدا يضحى بالنفس مثلما يحاولون الترويج له * الفنانة المصرية راقيه إبراهيم أمنت بالصهيونية داخل المجتمع المصري * المشهد السياسي يصدر أهل التنظيم علي أهل الفكر
حوار عمرو عبد المنعم
فجرت دعوى القيادي الإخواني د عصام العريان لعودة اليهود المهاجرين إلي أرض مصر العديد من الملفات الملغومة والمسكوت عنها في علاقة اليهود بالدولة المصرية ، ومنها أملاك اليهود وكيف خرجو ومن الذي ساهم في خروجهم .
وهل كانت هجرتهم بدافع من شعورهم بالاضطهاد أو بمعني أدق دفعوا إلي الهجرة أم وصلوا لظرف تاريخي عبئوا بعدها لدولتهم التي حلموا بها كثيرا في الماضي وجاءت ساعة السفر لتطبيقها في الحاضر .
حاورنا أحد المتخصصين في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وهو الباحث "حاتم الجوهرى" صاحب كتابي : "خرافة الأدب الصهيونى التقدمي"، و "المصريون بين التكيف والثورة" ، لنتعرف علي خبايا وأسرار تهجير اليهود من مصر ، أهو حقيقة أم خرافة ، تهجير أم هجرة وإلي تفاصيل الحوار :
كيف تري وضع يهود مصر الآن؟
من اختار البقاء فى مصر منذ أواسط القرن الماضى، مدرك تماما لأبعاد اختياره وتبعاتها وظروفها، ومن اختار مصر وظل بها فى ظروف حملت الكثير من العدائية لظروفها التاريخية فى خمسينيات القرن الماضي .
أعتقد انه بسهولة سيستطيع أن يتعايش مع مصر الثورة، فعندما قام باختياره - على قلتهم العددية - أصبح مصريا يهوديا، أصبح الوطن عنده رقم واحد، واختار ألا يكون يهوديا صهيونيا يحارب مصر من أجل الكيان الصهيونى، واختار ألا يكون يهوديا وفقط ويهاجر إلى دولة أخرى غير مصر أو إسرائيل، الذى بقى فى مصر – دون أجندة خفية- هو أكثر فهما وتمسكا بها من أن تشغلنا ظروفه، هو أدرى وأعلم بالاختيار الذى اتخذه منذ زمن بعيد.
هل تري أن تاريخ اليهود ظلم في مصر ولم يسلط عليه الضوء بالقدر الكافي؟
ماذا تقصد بتاريخ اليهود فى مصر، وماذا تقصد بظلم! تاريخ مصر لم يكن تاريخ الطوائف والفرق، مصر لها سمات فريدة فى تاريخها الطويل، تفرضها على جميع من يختار العيش بها، مصر بلد لا تعرف الأقليات، إلا الأقليات الجغرافية مثل البدو فى سيناء أو القبائل العربية فى الجنوب أو الليبية فى الغرب .
أما الأقليات الدينية فهذا مفهوم تصنعه تلك الأقلية، أنت لا تكون أقلية إلا إذا أردت الحفاظ على خصوصيتك وتفردك، وذلك اختيارك الخاص ورغبتك فى الانفصال عن المجموع، وضع اليهود كأقلية أو "جيتو" عبر التاريخ كان اختيار ديني ارتبط فيما بعد بفرضيات الواقع، لكن البداية كانت قناعة دينية بوجود رابط يمنع اليهود من الانصهار بين الأمم .
اليهود هم الذين عاملوا العالم كأكثرية ولم يعاملهم العالم كأقلية، إلا حينما تعالوا عليه وتعاملوا مع شعوب الأرض كأجناس أدنى، من هنا كان مصدر فكرة الأقلية، يا عزيزي أنت لا تكون أقلية إلا إذا اخترت ذلك، سواء بمرجعية دينية أو عرقية أو لغوية أو سياسية .
وتاريخ اليهود فى العالم ككل هو تاريخ من اختار العزلة، ثم فرضت عليهم هذه العزلة اختيارات اجتماعية واقتصادية، علينا ألا نتوه فى المسألة وتفاصيلها، اليهود هم يهود باختيارهم، وهم أقلية باختيارهم، وتاريخهم فى العالم أجمع ليس إلا نتاجا لاختيارهم أن يكونوا أقلية!
إذن أين هى المشكلة فى المسألة اليهودية ؟
مشكلة اليهود عبر التاريخ كانت ليست فى العودة لفلسطين أو "أرض الميعاد" التى وعدهم الرب بها، ذلك وهم. المشكلة كانت فى السيطرة السياسية والعودة كأمة منتصرة! طوال عشرات القرون كانت فلسطين مفتوحة أمام اليهود، لماذا لم يعودا لها أفردا أو متسللين! لأنهم يريدون العودة كأمة ذات سلطة سياسية تاريخية دينية، لم يحلم اليهود بالعودة لوطن هم فيه مواطنين يتساوون بغيرهم ويتواجدون مع غيرهم .
كان حلم اليهود بالعودة لفلسطين يرتبط عندهم "بالمسيح اليهودى" الذى سوف يعيد لهم سلطانهم السياسي والديني الضائع! نجحت الصهيونية -فى بعدها الديني- فى تقديم تأويل يقول أن الصهيونية السياسية ستعجل بنزول المسيح اليهودى؛ وعودة الريادة للأمة اليهودية الضائعة فى دروب ومجاهل العالم.
اليهودى المتدين -ولو بشكل شعبي- كان يؤمن بأنه فى رحلة عبر الزمن فى انتظار العودة لمجده فى فلسطين وجبل صهيون وأورشليم، اليهودى محكوم باختيار وعقيدة أبدية ملخصها: أنه جنس أعلى (شعب الله المختار)، وباقي شعوب الأرض جنس أقل (أغيار) .
وأنه سوف يعود لفلسطين فى شكل أمة دينية منتصرة، اليهودى اختار أن يكون أقلية ويتعالى على الجميع، أما محاولة تفكيك الوجود اليهودى فى بلدان العالم لدراسات اقتصادية واجتماعية وتاريخية وعرقية، فذلك سيعود فى نهاية المطاف لإطار الفكرية الكلية لليهودي التائه، الذى فى انتظار عودته فاتحا منتصرا لفلسطين.
ما علاقة الديانة بالعرق فى اليهودية؟
هذه من أهم النقاط التى لا يلتفت لها الكثيرون، الديانة اليهودية فى أصلها ديانة عرقية وقومية بالفعل، تخص أسباط بنى إسرائيل نسل نبي الله يعقوب عليه السلام، فلفظة اليهودى كاصطلاح تنطلق فى المفهوم العام والصورة الذهنية على الدين والعرق معا، أصبحت الديانة والشريعة التى تراكمت عند بنى إسرائيل تسمى باليهودية .
ولأن اليهودية ديانة غير دعوية وغير تبشيرية واليهودي الشرعي فيها هو المولود لامرأة من نسل بنى إسرائيل؛ أصبح يطلق على بنى إسرائيل اليهود تدريجيا،صحيح أن تطور الوجود اليهودى فى العالم بعد خروجهم الأخير من فلسطين عام 70 ميلادية على يد الإمبراطور هادريان، جعل فكرة نقاء العرق المنسوب لبنى إسرائيل مسألة غير دقيقة تماما.
وربما اختلطت الجماعات التى هاجرت بشعوب البلدان التى هاجرت إليها، لكن ظلت عقيدة اليهودى أنه من نسل مقدس، نسل بنى إسرائيل، الحقيقة أن وجود اليهود فى العالم هو وجود ملحمي أسطوري قائم على الإيمان بفكرة متخيلة وغير موجودة، قائم على وجود امة وعرق لها ديانة خاصة!
الفكرة المركزية فى التاريخ اليهودى ككل هى فكرة المتخيل والأسطوري والعقائدي والديني الأعلى، وليست فكرة الواقعي، الحقيقة أن اليهود حافظوا بأسطورية على فكرة كونهم أقلية، ولم يحاصرهم العالم إنما هم الذين حبسوا العالم خارجهم، لإيمانهم بتفوقهم وأنهم شعب الله المختار، كانوا يحيطون تفوقهم بالأسوار، وسرعان ما بادلهم العالم التعالي وأحاطهم بدوره بأسوار.
من وراء هجرة اليهود المتعمدة في بداية الخمسينيات ؟
أدعوك لقراءة تاريخ اليهود فى العالم، تعالى اليهود على الشعوب الذين عاشوا بينهم، جعل هذه الشعوب تتعالى بدورها عليهم، وعلى فترات متباعدة كان اليهود يحاولون إثبات تفوقهم عن طريق كل ما هو مختلف وغير شائع وغير نمطي .
كان اليهودى يريد أن يثبت للعالم تفوقه كأقلية مختارة دائما، ومن ثم كان فى حالة صراع وجودى مع كل شعب عاش وسطه، هذا الصراع الذى فرضته الطبيعة اليهودية المتعالية سرعان ما كان يصل للصدام، عندما يصل إصرار اليهود على إثبات تفوقهم للذروة، ويسيطرون على معظم الوظائف التى تقوم على التفوق والمهارة العقلية والحرفية .
بما يجعل الصدام حتميا؛ أنظر لتاريخ اليهود فى أوربا الوسطي تجده يسير على هذه الشاكلة، وفى رسالتى التى أعدها للدكتوراة طرحا للفكرة المركزية للوجود اليهودى فى العالم.
أما عن هجرة اليهود فى الخمسينيات، فذلك ليس سوى الانتصار الكبير من وجهة نظر اليهود! علينا أن نأخذ الأمور فى سياقها التاريخى، الصراع بين يهود الصهيونية فى فلسطين كان مع مصر القومية العربية التى تقف كشوكة فى حلق مشروعهم، لذا ورطت الصهيونية يهود مصر فى العداء لمصر.
من خلال العمليات التخريبية التى قام بها بعض اليهود المصريين، وجعلت فكرة الصراع تظهر على أشهدها فى وجود اليهود بمصر مثلما ظهرت فى بلدان غيرها، عندما اكتشف النظام المصرى أن معظم الأنشطة المالية الرئيسية للبلاد فى يد اليهود، وأنهم فى الفترة من 1948 وحتى 1956 قد هربوا معظم رؤوس أموالهم.
خروج اليهود من مصر يأتي فى سياق عام لتاريخ اليهود فى العالم وهو قائم على الصراع والتعالي، ويأتي فى سياق خاص بتبلور حلم اليهود فى العودة لمجدهم الديني القديم كما صورته لهم الصهيونية فى بعدها الديني، لا يصح أن نجتزأ الأمور خارج سياقها العام، اليهود هاجروا من مصر لأن الظرف التاريخى العام هو الذى اقتضى ذلك، وخرجوا بعدما هربت كامل رؤوس أموالهم الحقيقة الكبرى، والذى تركوه عمدا كان بغرض الاستخدام الدعائي والسياسي الصهيونى.
هل أسهم عبد الناصر في خروج اليهود من مصر ؟
عبد الناصر -اختلفت أو اتفقت مع تجربته بما لها وما عليها- كان بدوره يحمل عقيدة سياسية متخيلة تدور حول مصر والمشروع القومي العربي، وفى ظني أن الظروف وقفت ضده لأنه جاء فى لحظة تاريخية، ظن البعض فيها أنه وقف ضد مشروع الجامعة الإسلامية وحلم الخلافة التاريخى.
ولكنى أعتقد أن تصوره لعلاقة الوطن العربي بالحضارة الإسلامية كان يدور حول القلب والجسد، المركز والرأس العربي للجسد الإسلامي الممتد، لكن الدورة الحضارية التى كانت فى صف الغرب، جعلت أفكارهم التنظيرية عن القومية والاشتراكية تكون هى التمثل الأساسي لخطابه النظري.
وذلك هو الأساس التاريخى الحقيقي لفكرة الصراع بين العلمانية والدين فى نسخته العربية والشرقية. ولكن إذا عدنا لعلاقة عبد الناصر بيهود مصر لقلنا أنها تأتى فى سياق الأحداث التاريخية التى كانت تجرى فى المنطقة والعالم،
معظم الدراسات التى تناولت هذه الفترة أثبتت أن اليهود هزوا بخروجهم اقتصاد مصر فى هذه الفترة، عندما خرجوا بأموالهم فى المدة من 48-56 ، وما تركه اليهود من أملاك هزيلة صورية مزعومة، كان مخططا لاستخدامها فى الدعاية الصهيونية، وأعتقد بناءا على دراسة السلوك الاقتصادي ليهود مصر فى هذه الفترة، أن الصهيونية ربما تعمدت – بعد تهريب أموالها- ترك بعض الفتات الذى لا يذكر بغرض الاستخدام الدعائي ليس إلا.
ما العلاقة الدائمة بين اليهود واليسار المصري والشيوعية العالمية ؟
الإنسان يشكله عاملان: المواهب الفطرية من جهة، والتربية والمجتمع من جهة أخرى؛ يربى الطفل اليهودى على فكرة التفوق والتعالي والصراع مع الأغيار الأقل، وبالتالي اهتم اليهود بكل المجالات النادرة التى تعتمد على الفكر والحرفية، ونشطوا فى كافة العلوم النظرية والتطبيقية.
وشاءت الظروف أن تكون روسيا هى المحطة الأخيرة لهم بعد أحداث تسببت فى خروجهم وهجرتهم من معظم دول أوربا فى العصور الوسطي، وواكب ذلك اشتداد عود الحركات العمالية فى روسيا القيصرية، وتوجه أبناء الحرفيين والمهنيين والمثقفين لرفض السلطة القيصرية وتبنى أفكار الحداثة الأوربية والتمرد على التقاليد.
وكان ماركس قد قدم تنظيرا يواكب السياق التاريخى للمرحلة تبناه العديد من أبناء الطبقة الوسطي هناك، وكان اليهود قد بزغوا كعادتهم فى المهن العقلية والحرفية التى ترتبط بفكرة التفوق، فشاركوا فى الحركة الماركسية فى بدايتها وتبنوا أفكارها العمالية واشتركوا فى العديد من التنظيمات الروسية العمالية، لكن جاءت أحداث مقتل القيصر الروسي والمزاعم التى قيلت عن تورط اليهود بها، وما حملته من أحداث ضد اليهود، لتجعل يهود روسيا يعودون سريعا لمركزية اليهودى المتفوق التاريخية .
لكن هذه المرة بتنظير علماني طبقي قدم فكرة الصهيونية الماركسية. أما عن علاقة اليهود باليسار المصرى تاريخيا، فأعتقد أن ذلك كان فى إطار "السياق التاريخى" للأحداث، لا يستطيع اليهودى عموما أن يتبنى فكرة القومية لأنها سوف تعزله عن سكان البلد، ولا يستطيع أن يتبنى فكرة الدين لأنها أيضا كانت ستعزله عن سكان البلد .
لذا كان أمامه طريق البحث عن علاقة أخرى مع العالم، ربما تمرد بعض اليهود –بطبيعة الأمور- على مركزية اليهودى بأبعادها، وحاولوا البحث عن علاقات أخرى، فمنهم من نشط مهتما بجمع رأس المال ولكن ذلك النوع لم يبتعد كثيرا عن مركزية اليهودى التاريخية وعقلية التاجر.
ومنهم من اهتم بإعادة توزيع رأس المال وحاول الانتماء لمساحة اكبر من يهوديته، متمثلا ذلك فى فكرة الطبقة والعمال، فأرى أن وجود اليهود فى الحركة اليسارية المصرية ربما كان محاولة عبثية للتملص من مركزية اليهودية، وعموما كان وجود اليهود فى الحركات الفكرية امتداد لفكرة اليهودى المتفوق الذى يبحث عن مجالات إثبات نبوغه باستمرار.
ما هي العائلات اليهودية المصرية التي كانت تخدم الكيان الصهيوني وهاجرت ؟
من أشهر هذه العائلات موصيرى وشيكوريل، الأولى صاحبة بنك موصيرى والثانية صاحبة المحلات التجارية الشهرية، حيث كان جاك موصيرى الرئيس الأول لفرع المنظمة الصهيونية العالمية فى مصر، وخلفه جوزيف شيكوريل.
وعلى سبيل المثال نجحت العائلة الأولى فى تهريب كامل أصول البنك بحرفية عالية، وأعتقد أن الصهيونية كانت تدير المعركة بدهاء يجب الاعتراف به - حتى نتعظ من دروس الماضى-، وربما يكون الهدف الأساسي من وراء مشاركتها فى عدوان 56، هو إحداث الشرخ النهائي بين يهود مصر وأهلها، حتى تستخدم ذلك فى الترويج لفكرة الاضطهاد وتهجير اليهود لفلسطين، كما فعلت مع أحداث النازي التى سميت بالهولوكوست.
ما هي العلاقة بين الفن المصري والتواجد اليهودي في مصر ؟
الفن والأدب والثقافة والعلم والمهن العقلية والحرفية المتخصصة، هى كلها مجالات لإثبات التفوق، والانتصار فى صراع اليهودى المتفوق مع الشعوب الأقل، سوف تجد على مر التاريخ أن اليهودى يحاول البحث عن الأصعب والأذكى باستمرار .
فبرعوا فى العلوم والمهن المتخصصة والفن والأدب والثقافة، كان اليهودى يبحث عن ذاته فى كل تمثل جديد ومغاير ومختلف، سواء كان ذلك ممثلا فى الجراح اليهودى فى بلاد الأندلس العربية، أو التاجر فى أوربا العصور الوسطي، أو المفكر فى روسيا العمالية، أو الممثل والفنان عند اختراع السينما والمسرح والتلفزيون.
لكن أبدا لم يكن اليهودى مقاتلا صنديدا يضحى بالنفس مثلما يحاولون الترويج له، النفس عنده هى وسيلة ليكون يهوديا متفوقا، يهوديته فى التفوق والوجود ، وليست فى التضحية والموت، وهذا أحد أهم أسرار الشخصية اليهودية الكبرى والانتصار عليها.
حدثنا عن الفنانين المصريين من اليهود ودورهم في الفن وقيام دولة إسرائيل ؟
الحركة الثقافية والفنية والشعبية فى مصر، من أشد الرافضين لتطبيع العلاقات مع الدولة الصهيونية، وإن كنت تقصد بحديثك بعض المعلومات التاريخية عن أندية الروتارى والمحافل الماسونية، فأعيد التأكيد على فكرة السياق التاريخى ، هناك بعض المصريين شاركوا فى حفل افتتاح الجامعة العبرية فى القدس، ولكن حينها لم يكن الطابع العنصرى الاستعماري للمشروع قد بدا بعد .
وهناك قامات فكرية ودعوية شاركت فى أنشطة ماسونية دون أن تعرف حقيقتها، يحب أن نحاكم الناس وفق ظروف عصرهم.
وعن اشتغال اليهود المصريين بالفن فذلك يأتي فى سياق فكرة المختلف والمتغير والمتفوق، يتربى اليهودى على البحث المستمر عن فكرة التفوق والتميز على الشعوب الأدنى التى يعيش وسطها.
الفنان فى العصر الحديث عموما أصبح من أهم الأدوات الإعلامية والجماعية، وبالتالي شارك الفنانون المصريون اليهود الذين آمنوا بالصهيونية فى دعمها مثل الفنانة المصرية راقيه إبراهيم أو راشيل إبراهام، الممثل أو الفنان فى منظومة المجتمع الحديثة له دور جماعى ملحوظ ومؤثر.
كيف تقيم دعوة العريان لليهود للعودة في ضوء قراءتك لتاريخ اليهود في مصر؟
العريان يستخدم تكتيك الرسائل السياسية بطريقة تفتقد للحرفية نوعا، هو يحاول أن يبعث رسالة لطرف ما ولكنه -فى نفس الوقت- أفسد مجموعة من الرسائل السياسية والأهداف مع عدة أطراف أخرى، وورط البلاد فى ملف سياسي جديد وهى مثقلة الحمل أصلا.
النظام الجديد جاء فى ظروف صعبة جدا، وللأسف لا يملك استراتيجية ثابتة فيتعامل مع الملفات السياسية بالقطعة، وأعتقد أن مشروع الدين السياسي خسر الكثير فى الثورة على عكس ما يعتقد البعض، كان أفضل له أن يأتي كاختيار وبديل سياسي بعد فترة التطهير والإصلاح، بما يجعل مفكرو هذا التيار يكونون فى الطليعة ويقدمون خطابا متطورا يرتبط بالواقع وفقهه .
لكن المشهد السياسي الحالي جعل الصدارة تكون لأهل التنظيم فى جماعة الإخوان، ومن صفات أهل التنظيم فى كل التنظيمات السياسية، الشعور بفكرة الاضطهاد والمؤامرة والتربص، تصدر أهل التنظيم المشهد لا أهل الفكر سوف يحسب على مشروع الدين السياسي كله.
وسوف يؤدى لنهاية درامية لطريق وبداية طريق ، لا أستبعد أن التشدد فى المواقف من خلال الخطاب الديني وما قد يصاحبه من عنف، قد يؤدى لإنتاج لحظة تاريخية تشبه لحظة إنتاج مصطلح العلمانية فى أوربا، العنف الذى يلوح فى الأفق ومحاولات تبريره باسم الدين، قد يجعل الشعب يتمسك بالدين والقيم أكثر ولكنه سيرفض أن يتم استخدام الخطاب الديني كأسس للصراع والاقتتال السياسي والدماء.
كيف تجاوبت إسرائيل مع دعوة العريان لهم بالعودة ؟
تجاوبت على أفضل صورة متوقعة، سوف يتم توظيفها سياسيا وإعلاميا على أكمل وجه! بالطبع لن يعود احد إلى مصر، ولكن هناك التعويضات كورقة ضغط ستستخدم ضد مصر، وهناك منظمات حقوق الإنسان العالمية وصورة مصر الذهنية التى تشوهت فى الغرب.
ومادمت أنت تعترف باضطهاد اليهود المصريين قديما، فكيف تطالب يهود إسرائيل بوقف اضطهاد الفلسطينيين حديثا! لقد خسرنا أفضلية أخلاقية فى ملف الصراع العربي الصهيونى، جراء الصراع السياسي الداخلي التاريخي بين الإخوان وبين الناصرية .
ولا أستبعد البعد المعاصر للموضوع؛ ومحاولات فتح ملفات شائكة للتيار الناصرى الذى يحاول حمدين صباحى فيه تقديم نفسه كبديل سياسي محتمل لنظام الإخوان، لكن توريط مصر الدولة ككل فى الصراع السياسي الداخلي، وفى رسائل لإسرائيل وأمريكا، أمر جانبه الصواب لحد بعيد.
كيف ترى مستقبل مصر ؟
أتمنى أن يتم تصعيد الوجوه التى تمثل الفكر والاجتهاد فى المشهد السياسي المصرى، أتمنى أن يتوارى رجال التنظيم بصفاتهم وجمودهم التاريخى فى كل التيارات الفكرية، ونعود للحظة النقاء الثوري.
الخطيئة التاريخية لكل من شارك فى العملية السياسية بعد الثورة، كانت غسيل النظام القديم سياسيا وضمان الخروج الآمن له، الثورة لم تكتمل بعد حتى ننتقل لمرحلة التنافس السياسي بشعارات الديمقراطية الزائفة، مصر مازالت قابعة على آبار الفساد وأخلاقيات منظومة التكيف والاستبداد،
والأولى أن يجتمع الجميع على مائدة بهدف مصر التى لا لون لها سوى أهلها وثورتها، وبعد أن تكتمل عملية التطهير والتخلص من جذور النظام القديم الذى أصبح يتمترس حول مؤسسة الجيش؛ المرشحة للعودة للمشهد بقوة مع ارتفاع أسهم العنف فى 25 يناير 2013.
ندعو الجميع أن يتنافس سياسيا ولكن بعد أن يتم بناء دولة المؤسسات، وانتقال الثورة للمستوى الاجتماعي والقيمى الذى تأخر عمدا للآن، بعد أن أسقطت النظام سياسيا وأمنيا فى يوم 28/1/2011، ووقفت محلك سر من يومها.