علقت الصحف الأمريكية الصادرة اليوم الاثنين على الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد يوم أمس وحاولت كشف مدى تداعياته على الحرب الأهلية في سوريا، وسلطت الضوء في الوقت ذاته على مراقبة إسرائيل للتطورات في سوريا عن كثب. فمن جانبها، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الخطاب الأول للأسد عقب مرور ما يقرب من ستة أشهر جاء فقط لتبرير تنكيله القاسي بمعارضيه ولحشد مؤيديه لقتالهم والتجسس عليهم ،وهو ما يوجه ضربه جديدة لأي محاولات ترمي لإحلال السلام من جديد في سوريا.
وقالت الصحيفة - في مقال لها أوردته على موقعها الالكتروني- إن إصرار الأسد على تجاهل مطالب معارضيه بالتنحي ورفضه إجراء أي محادثات مع المعارضة المسلحة جعل من مبادرته،التي تهدف إلى تشكيل حكومة جديدة وصياغة دستور يسقط بموجبه الدستور الذي صيغ العام الماضي، بمثابة مشروع محكوم عليه بالفشل بالنسبة لمعظم معارضيه.
وأوضحت الصحيفة أن الأسد لم يشر في خطابه إلى حقيقة نجاح الثوار في السيطرة على أجزاء كبيرة من المناطق الواقعة في شمال وشرق البلاد أو إلى استمرار السوريين البسطاء في المطالبة بتغيير نظامه الذي تورط في قتل آلاف منهم أو حتى إلى قيام حليفته المقربة روسيا بسحب بساط تأييده رويدا رويدا والإعلان عن اعتقادها بعدم استطاعة الأسد هزيمة معارضيه.
ونقلت الصحيفة عن الأسد قوله بالأمس:" إن من يأتي إلى سوريا سيدرك أن الشعب السوري يقبل بالنصيحة لا الأوامر"، وتناولت تعليق المحلل السياسي بمركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت "يزيد صايغ"عن خطاب الأسد بالتشديد على أنه لم يتراجع قيد أنملة منذ بدء الانتفاضة في عام 2011.
وفى نفس السياق ، اعتبرت "نيويورك تايمز" أنه عقب أيام من صدور مؤشرات حول استعداد الأسد للتفاوض لحل الأزمة، جاء خطابه الأخير ليضع عراقيل عديدة أمام أصدقائه وأعدائه على حد سواء على نحو ربما يدفع روسيا-التي استخدمت حق النقض "الفيتو" لرفض القرارات الأممية التي تدين نظام الأسد- إلى التأكد من صعوبة تجنب اتخاذ أي إجراءات دولية ضد سوريا لا سيما مع انحسار فرص التوصل إلى حل سياسي لتسوية الأزمة السورية.
ومضت الصحيفة في سرد التداعيات المحتملة لخطاب الأسد، حيث توقعت أن يدفع هذا الخطاب المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي إلى وقف مهمته ، وهو ما قد يضع دول "أصدقاء سوريا"- وهى مجموعة الدول المؤيدة للمعارضة السورية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وتركيا وعدد من الدول الغربية والعربية- أمام خيار غير مستساغ يتمثل في التدخل في سوريا بشكل أكثر فعالية وقوة أو المخاطرة بالسماح لاستمرار الصراع الدائر هناك في طريق لا نهاية له.
وتعليقا على هذا الأمر، نقلت الصحيفة عن جوشوا لانديس الباحث الأمريكي المتخصص في الشئون السورية بجامعة "أوكلاهوما" قوله:"إن التحدي الواضح الذي ظهر عليه الأسد بالأمس يعني أننا أمام معركة طويلة"، وأوضح أن المجتمع الدولي يقف في منتصف نفق مظلم لا يبشر بوجود نهاية جيدة تمكنه من تجاوزه خاصه مع اعتقاد الأسد بأنه الفائز.
من جانبه، رأى بوريس دولجوف الباحث الروسي في معهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية الروسية للعلوم أن خطاب الأسد أعطى دفعة جديدة إلى روسيا وغيرها من الدول لحل الأزمة وأن الأسد كان على حق عندما أكد أن السبيل لوقف الحرب الأهلية الدائرة في بلاده يكمن في وقف المساعدات التي تتدفق على المجموعات المسلحة ،معتبرا أنه على الرغم من تعقيد الموقف إلا أنه لا يقف أمام طرق مسدود.
على صعيد آخر، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الجنود الإسرائيليين المنتشرين فوق مرتفعات الجولان يواصلون مراقبة الوضع في سوريا عن كثب من خلال القيام بجولات استطلاعية لكشف عن المدى الذي يمكن أن تؤثر فيه الثورة السورية على الهدوء السائد على طول الحدود بين سوريا وإسرائيل.
وقالت الصحيفة -في تقرير لها أوردته على موقعها الالكتروني- إنه على الرغم من هدوء الأوضاع فوق مرتفعات الجولان المحتلة إلا أن الحكومة الإسرائيلية وضعت خططا للطوارئ للاستعداد عما يمكن أن تتسبب فيه الثورة السورية بالنسبة للحدود بين البلدين.
وأضافت أن لدى المسئولين الإسرائيليين سببين كافيين لضرورة الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد هما؛ تزايد المخاوف من إمكانية سقوط ترسانة الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام السوري في أيدي الجماعات المناهضة لإسرائيل مثل حزب الله اللبناني إلى جانب تزايد احتمالات استغلال الميليشيات المسلحة تردى الأوضاع الأمنية في سوريا وقيامها بشن هجمات ضد إسرائيل من خلال التسلل إلى خط وقف إطلاق النار.
وتناولت الصحيفة تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم أمس بأن الجيش الإسرائيلي يبني حاليا سياجا على طول مرتفعات الجولان وأن القوات الأمنية السورية انسحبت من المنطقة الحدودية في ظل سيطرة المسلحين عليها.
وأشارت إلى أنه على الرغم من انشغال الجماعات المسلحة بقتال النظام السوري إلا أن ثمة مخاوف جسيمة تنتاب المسئولين الإسرائيليين من احتمالات توجيه انتباههم إلى إسرائيل لاحقا.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أنه برغم سقوط عدد من القذائف السورية إلى داخل الأراضي الإسرائيلية في مواقف سابقة غير أنه لا يوجد أي مؤشرات تفيد اعتزام القوات المعارضة أو النظامية فتح جبهة قتال جديدة"وذلك وفقا لتقييمات عسكرية إسرائيلية".