تشتهر المواويل العراقية، والتي يطلق عليها "اللون الفراتي"، بالالحان الحزينة، والكلمات الموجعة، وقد يكون لارض الرافدين، وغنى ارضها، وتصارع القوى العظمى عليها منذ فجر التاريخ، سببا في اصطباغ لونها الغنائي الشعبي بسمحة حزن ظاهرة لا تفارقها.
وخلال الدراسة في الموصل، قبل دخول العراق للكويت، وعندما كان الخير عاما، ومنتشرا، كان المرء يلاحظ ان اهل الموصل يخزنون الارز "التمن"، والسكر بالشوالات، وان كل بيت عراقي توجد فيه غرفة خزين، رغم عدم الحاجة للتخزين، ورغم انتشار المواد بأسعار اقل من زهيدة، وبمتناول الجميع بلا استثناء.
لكن عند قراءة التاريخ تاريخ الموصل كعينة عن العراق، يلحظ المرء الى تعرض تلك المدينة الى حصارات متعددة على امتداد التاريخ، آخرها ايام عبد الكريم قاسم، عندما حصلت ثورة الضابط البغدادي الشواف وفرقته في مدينة الموصل ضد عصابات الشيوعيين واعوانهم، والتي انتهت بخذلان جمال عبد الناصر لهم، ونكوصه عن وعوده بالعون والمدد، مما ادى بالثورة الى الحصار، وانتهت الى تعليق اهل الموصل معلقين عراة على اعمدة الكهرباء، وكانت السيارة تربط الانسان من جانب رأسه، وسيارة اخرى من ارجله ثن تسير السيارتان باتجاهين مختلفين مما يؤدي الى تمزق الشخص. تلك عينات من تحالف الشيوعيين مع آخرين، ايام عبد الكريم قاسم.
وآخر المآسي كانت بعد سقوط العراق بين براثن الامريكان، والآيات الشيطانية.
لقد حققت المقاومة العراقية انتصارات باهرة، وكادت ترغم المحتل الامريكي على التفاوض معها، إلا انه دخلها امراض، شغلتها عن المعركة، وانهكتها في معارك جانبية افقدتها القوة ثم اخمدتها، ويتوقع للحراك الحالي ان يتجاوز اخطاء الماضي، الحاضر، ويسير نحو تحقيق اهدافه المتمثلة في العدل والكرامة والحرية لأبناء العراق. وهناك تأملات احببت ان اشارك بها الاخرين:
-- اختارت الثورة العراقية الحالية افضل وقت للثورة حيث يتميز هذا الوقت بما يأتي:
*** انشغال ايران بحصارها، وتأثيراته المختلفة على توائمها الاجتماعي.
*** خلاف التحالف الكردي مع التحالف الشيعي، حيث يمكن للحراك السني البناء مع التحالف الكردي، ضمن تحالف مصلحي استراتيجي، بما يضمن امتداده لما وراء انتصار حراكهم، حيث ان الرهان على الاخوة الكرد، اكثر واقعية، من الرهان على تحالف يستند الى اطماع ايران في اخضاع المنطقة.
*** التحالف السني، الكردي، يضمن حل مسألة كركوك، وطوز خورماتو، وبحيرات الغاز في صحراء الانبار، كما يضمن ضمور تحالف المالكي الايراني، ويفتح الباب مستقبلا الى التحالف مع العشائر العراقية الجنوبية، نحو بناء دولة بعيدة عن المحاصصات الضيقة.
*** ليس باستطاعة امريكا التورط بمساندة عسكرية لحليفها الايراني (المالكي حزب الدعوة – الحكيم قوات بدر) في العراق، حيث تعصف بها ازمة اقتصادية تشغلها عن اي استنزاف قد يؤدي الى عواقب لا تستطيع تحملها.
-- في حالة تطور الحراك العراقي فقد يؤدي الى ازالة الحصار الحدودي بين الجيش الحر في سوريا، والمقاومة العراقية في الانبار، وديالى، ونينوى، وصلاح الدين، مما يعني الانتصار الحتمي بإذن الله لكلا الثورتين اذا كان هناك تنسيق قيادي عملياتي عال المستوى.
-- يتوقع للحراك العراقي ان يتفادى الاختراقات الاستخباراتية التي لا تبحث سوى عن مصالحها الضيقة، والتركيز على التعاضد مع مكونات الشعب، التي تحقق شروط النصر بثباتها على الارض، واحتضانها لمقاومة ابنائها.
-- من المفترض ان تكون النخب السياسية السنية قد اخذت دروسا كافية من ملاحقة الهاشمي، الى ملاحقة المطلق، فالعيساوي، فهدف اذناب ايران واضح في تحييد كل وجه سني يمكن ان يشكل وزنا لهم، وهي حالة تشبه حالة اغتيال رفيق الحريري، ثم والحسن، وغيرهما من مسلمي ومسيحيي 14 آذار.
-- كما يفترض ان تكون الجماعات الحهادية قد وعت جيدا، انها بمجموعها مع حاضنتهم الاجتماعية يمثلون قوة، وان اغيتال شخصيات تخالف التوجهات يؤدي الى ضعف الحالة العامة وبالتالي الحاضنة، مما يؤدي الى التشرذم. فالحالة السنية قوية بتنوع مكوناتها وغناها بشخصيات مختلفة الرؤى تعبر عن شعبها ورؤاه وان اختلفت في تفاصيل كثيرة.
سيعود العراق الى امته، بجهود ابطاله، وقد يحدثون ملحمة أخرى، تضاف ملاحمهم السابقة. ملحمة تساند اختها الملحمة السورية، في تناغم بين دولة العباسيين، ودولة الامويين، نحو نهضة قادمة وبقوة بإذن العزيز القوي.
** كاتب سورى الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه