تشابكت الأزمة القائمة في جمهورية إفريقيا الوسطى وزادت تعقيداً بعد أن واصل متمردي "السيليكا" المناهضون للحكومة تقدمهم العسكري نحو العاصمة "بانغي"، وتحمل الأيام المقبلة تطورات إما أن تعيد للدولة الواقعة في أقصى منابع النيل سيناريو الفوضى في الجارتين رواندا وبوروندي عام 1993، أو تضع أسساً للسلام بين طرفي الصراع. لقاء الفرصة الأخيرة الساعات الماضية حملت نبأ وصول توماس بوني يايي رئيس جمهورية بنين الرئيس الدوري للاتحاد الافريقي إلى بانغي في لقاء الفرصة الأخيرة مع رئيس افريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزي، وعقب اللقاء وعد بوزيزي بعدم الترشح لولاية ثانية في 2016، وأنه مستعد لتقاسم السلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع متمردي ائتلاف "سيليكا." لكن على الأرض، لم يحظ الوعد الرئاسي بآذان صاغية من قبل المتمردين، فقد واصل متمردو حركة سيليكا سيطرتهم على مناطق جديدة وأجبروا الجيش النظامي على التمركز في مدينة دامارا التي تعتبر آخر نقطة استراتيجية على طريق العاصمة بانغي،وقبيل ذلك، سيطر متمردو حركة سيليكا التي تقاتل الرئيس بوزيزي الذي يحكم البلاد منذ 2003، على مدينة سيبوت شمال العاصمة، محققين بذلك نجاحاً جديداً في الهجوم المستمر منذ ثلاثة أسابيع. وسيطر المتمردون خلال اسبوعين على عدة مدن استراتيجية أولها بريا الغنية بمناجم الألماس، وبمباري الغنية بمناجم الذهب ثم مدن كاغا وبندورو ولم يبد الجيش النظامي في إفريقيا الوسطى وهو يفتقر إلى التجهيزات والتنظيم ومعنوياته محبطة، إلا قليلاً من المقاومة وهو يحاول عبثا وقف زحف حركة التمرد. ويتهم تحالف متمردي سيليكا الذي يضم ثلاث جماعات مسلحة بوزيزي بعدم الوفاء باتفاق وقع في 2007 ويقضي بحصول المتمردين الذين يلقون أسلحتهم على أموال، وكانت آخر مرة وصل فيها المتمردون إلى بانغي في عام 2003 خلال التمرد ذاته الذي أوصل بوزيزي إلى السلطة.
خوض محادثات
ولكن اليوم أعلن ائتلاف المتمردين في جمهورية افريقيا الوسطى ان المقاتلين تلقوا أوامر بوقف الزحف صوب العاصمة وإن ممثلين لحركة التمرد سينضمون إلى محادثات سلام يجري الترتيب لها في ليبرفيل عاصمة الجابون.
وقال اريك ماسي المتحدث باسم متمردي سيليكا لوكالة "رويترز" عبر الهاتف من باريس "طلبت من قواتنا عدم تحريك مواقعها اعتبارا من اليوم لاننا نريد خوض محادثات في ليبرفيل من أجل حل سياسي".
وأضاف "أتناقش مع شركائنا للتوصل الى اقتراحات لانهاء الأزمة لكن أحد الحلول قد يكون انتقالا سياسيا يستبعد (الرئيس فرانسوا) بوزيز" .
تعقيد الموقف ويشير مراقبون إلى أن تقدم قوات التمرد على مشارف بانغي سيعقد من موقف مفوضية الاتحاد الافريقي وجهودها الرامية إلى عقد اتفاق سلام بين الرئيس بوزيزي وزعماء التمرد في العاصمة الغابونية ليبرفيل، خاصة مع التصريحات التي خرجت من قادة التمرد بإنهم لا يسعون الى مشاطرة السلطة مع الرئيس وإنما هدفهم الوصول إلى ضمانات تكفل للشعب التمتع بثرواته الطبيعية وهو ما لم ينص عليه الوعد الرئاسي صراحة. في الوقت ذاته بدا السفير رمضان العمامرة مفوض الاتحاد الإفريقي لشؤون السلم والأمن متشائماً بشأن التوصل إلى اتفاق سلام بين طرفي الأزمة حين أعرب عن خشيته من فشل التوصل إلى اتفاق وهو الأمر الذي يعني أن تتحمل الدول الواقعة في وسط إفريقيا عبء توفير قوات إضافية لتعزيز جيش جمهورية افريقيا الوسطى في مواجهة المتمردين وهي مجموعة "ايكاس" المكونة من بورندي ورواندا والكونغو وتشاد.
"دعوني أكمل فترتي"
يأتي ذلك في الوقت الذي حث فرانسوا بوزيز رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى أمس المتمردين الذين يهددون بدخول العاصمة على إلقاء سلاحهم والسماح له باستكمال فترته الرئاسية.
وقال بوزيز في كلمة بمناسبة العام الجديد بثها الراديو الرسمي "أكرر أنني لن أكون مرشحا في انتخابات عام 2016 لذا دعوني أكمل فترتي الرئاسية.. لم يعد أمامي سوى ثلاث سنوات".
ووبخ بوزيز جيشه الوطني لسلسلة من الهزائم التي لحقت به منذ هجوم متمردي سيليكا قبل ثلاثة أسابيع وشكر قوات تشاد المجاورة لتعزيز الأمن، وقال "لم يقم الجيش بدوره. بدون جيش تشاد لما كنا هنا للتعبير عن أنفسنا."
وتولى بوزيز السلطة في تمرد عام 2003 واعتمد على المساعدات العسكرية الخارجية بما في ذلك فرنسا القوة الاستعمارية السابقة لصد انفصال هجمات المتمردين.
وقالت فرنسا إنها لن تدافع عن حكومة بوزيز هذه المرة وحثته هو والمتمردين والمعارضة في البلاد على السعي للتوصل إلى حل عبر التفاوض.
وبدا أن هذا الموقف تلقى ضربة أول أمس الإثنين عندما قال إريك ماسي المتحدث باسم المتمردين إن الجماعة "ليس لديها ما تتفاوض بشأنه" واتهم بوزيز بإعدام معارضين في الأيام القليلة الماضية.
وقال مسئول آخر في صفوف المتمردين أمس إن زعماء سيليكا منقسمون حول قبول محادثات السلام وإن بعض الفصائل مستعدة لإلقاء سلاحها.
إجلاء الرعايا
وقد توالت ردود الفعل الدولية تجاه أزمة بوزيزي - سيليكا، فالولايات المتحدةالأمريكية من جانبها كانت حاضرة في الساعات الأولى من الأزمة، حيث طالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما من مجلس الشيوخ والنواب إجلاء الموظفين الدبلوماسيين في عاصمة إفريقيا الوسطى في ظل تصاعد العنف. وأصدر البيت الأبيض نسخة من رسالة أوباما إلى جون بونر رئيس مجلس النواب والسيناتور باتريك ليهي رئيس مجلس الشيوخ، حيث طالب أوباما في نص الرسالة بتوجيه 50 فرداً من القوات الأمريكية في تشاد إلى إفريقيا الوسطى لمساعدة الموظفين الأمريكيين هناك وإجلائهم وحماية المواطنين والممتلكات الأمريكية. كما تمكن السودان من إجلاء رعاياه ومواطن مصري واحد وبعض رعايا الدول الأخرى، من أفريقيا الوسطى بعد تدهور الأوضاع الأمنية هناك.
وقال الناطق الرسمي باسم الجيش العقيد الصوارمي خالد سعد في تصريحات صحفية أمس أنه تم إجلاء 43 سودانيا ومواطن مصري واحد و4 يمنيين وتشاديين اثنين ومواطنين اثنين من أفريقيا الوسطى ، مضيفا أن السودان يتابع مجريات الأحداث في أفريقيا الوسطى ، بالنظر للعلاقات بين البلدين ووجود قوات مشتركة بينهما ودولة تشاد على الحدود المشتركة.
وأضاف الصوارمي إنه وبتنسيق كامل بين وزارتي الدفاع والخارجية تم توفير طائرة خاصة لإجلاء أفراد الجالية السودانية من أفريقيا الوسطى بعد تفاقم الأوضاع الأمنية هناك واقتراب المتمردين من العاصمة بانجي، حيث وصل أفراد الجالية السودانية إلى القاعدة الجوية بالخرطوم مساء اليوم.
الدور الفرنسي
وأعلنت فرنسا، أنها أرسلت 150 مظلياً من ليبر فيل لتعزيز القوات الفرنسية وقوامها 250 جندياً في مطار بانغي، وكرر رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرولت، أن هؤلاء الجنود تلقوا فقط تعليمات لحماية المواطنين الفرنسيين والأوروبيين، فيما دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كل أطراف النزاع إلى وقف ما أسماه الأعمال العدائية، مجدداً مطالبته السلطات باتخاذ كل الإجراءات لضمان سلامة الرعايا الأجانب الموجودين على أراضيها.
وأكد مجلس الأمن الدولي في بيان رئاسي بإجماع أعضائه، أنه من مسئوليات حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى حفظ الأمن والنظام وضمان سلامة السكان المدنيين، وجدد البيان دعوة قوات المتمردين المنضوين تحت لواء تحالف "سيليكا" إلى وقف الأعمال العدائية فوراً والانسحاب من المدن التي استولوا عليها وكذلك وقف زحفهم باتجاه العاصمة بانغي. كما جدد البيان الرئاسي دعوة مجلس الأمن أطراف النزاع إلى العمل من أجل التوصل إلى حل سلمي عن طريق الانخراط بشكل بناء في حوار سياسي مناسب، وأكد المجلس ايضاً دعمه الوساطة التي تقوم بها المجموعة الاقتصادية لدول وسط افريقيا "ايكاس"، مشدداً على جميع الاطراف احترام قرارات قمة المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا والمشاركة بحسن نية في المفاوضات المرتقبة في ليبرفيل. وصدر بيان مجلس الأمن غداة إعلان الأممالمتحدة أنها أمرت جميع موظفيها غير الأساسيين وعائلاتهم بمغادرة إفريقيا الوسطى بعدما باتت قوات تحالف المتمردين على مشارف العاصمة بانغي. ورغم التدهور الأمني والاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه جمهورية إفريقيا الوسطى منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، إلا أنها تعد مركزا تجارياً عالميا للماس، وتمثل صادرات الماس نحو 60% من الدخل القومي لهذا البلد وتحتل بهذه النسبة موقع الريادة افريقياً في هذه التجارة . مواد متعلقة: 1. انقسام متمردو أفريقيا الوسطى بشأن مفاوضات السلام 2. رئيس إفريقيا الوسطى يناشد المتمردين السماح بإستكمال فترته الرئاسية 3. «السودان» يجلي رعاياه من «أفريقيا الوسطى»